24- عــن “المواكـب” و”التشابيــه”

و”الدروشة” و” التكيّات” وما بينها

   ما أكثر اولئك الذين “يرقصون بأشد مما ينفخُ الزمارُ” حين يبالغون بتشنجاتهم، بل حتى يزايدون فيتذمرون ويشتمون التقاليد والاعراف والعادات الدينية التي تسود مجتمعاتنا، واعني من بين ما اعني: المناقب و”القراءات” و”المواكب” و”التشابيه” و”الدروشة” و”التكيات” .. وغيرها، التي جذبت – وما فتئت تجذب – ملايين العراقيين، ويمارسون طقوسها من قرون، والى اليوم .

… وثمة العشرات من الاسباب، والدوافع والمبررات التي سِيقت، وتساق حول تلكم الشؤون، وما هنّ ببيت قصيد في هذه التساؤلات. وقد يتطوع صديق او ناقد، محب او كاره، ليتوقف، فـ” يفسر” ما جرت الاشارة اليه، ويروح يزعم ما شاء، وذلكم ايضا ليس ببيت قصيد نعنيه او يعنينا. وقفتي هنا عن اهمية عن اهمية احترام المقابل، والجدال بالتي هي احسن، تعلم اداب الاختلاف، وحرية الاخر، وخاصة في مثل تلك الشؤون بالغة الحساسية عند الملايين الشعبية … وعند ذاك ستسود الاراء والرؤى الافضل، ولا يصح الا الصحيح، بلا غلو وادعاءات وبطولات، كما وتحديات زائفة مفتعلة، ساهمت وتسببت، وما برحت، بالاف الضحايا واكوام الخراب، وعادت بالبلاد، ما جهدت، الى الوراء …. وذات يوم قال الجواهري:

فلا تدعوا “الجدال” يجوز حداً، بحيث يروح رخصاُ وابتذالا

…وكان اجلّ من قارعتُ، خصمٌ، بنبل يراعه ربح القتالا  

 

25- حكومة طوارئ؟! ولمَ لا ؟!!

   مع سحابات خجل، وتخوف، وربما خوف، تنادى قبل فترة وجيزة بعض الشخصيات السياسية، والاعلامية، ورأوا بأن من جملة ما يمكن ان يكون حلاً لحال البلاد العراقية، تشكيل حكومة طوارئ، وأنقاذ، بمعنى تأجيل العملية الديمقراطية فترة من الوقت.

   وكما هي العادة، انبرت للرد والتنطع والتشدد، اصوات هنا وهناك، وخاصة من عدد من سياسيي العراق في الخارج، واعلامييه وكتابه، لترد وتحلل، وتميل للعاطفة قبل العقل في التداول بشأن الرأي ذي الصلة… وأظنني لن ادلو بجديد في القول: بأن الديمقراطية ليست الهدف، بل البلاد واهلها، وقد كتبت ونشرت حول ذلك، وعنه، قبل أزيد من عام ونصف حين دعوتُ لتأجيل الانتخابات النيابية، بل وحتى لالغائها، ولنفس الاسباب، ومن ذات الرؤى التي اشرت اليها.

   قد يجادلون – وكأننا لا نعلم!- بأن الديمقراطية هي الهدف الاكثر منطقية وواقعية، وانها الحال الارقى التي تسود في البلدان والمجتمعات الحضارية، او التي تسر في ركاب التحضر. ولكنهم ينسون في لجة الجدال، وحمى المبالغة، باننا في بلاد لا يعرف ثلاثة ارباع اهلها ما هي تلكم العملية الديمقراطية وسبل اقامتها وادامتها. ويغفلون بأننا الى اليوم “رهن مجتمعٍ، يخشى اللصوصَ، فيذبح العسسا” .. فعن اية ديمقرطية يتحدثون، والامية التعليمية، وغيرها، والجهل والطائفية والمناطقية، تحز بمديّها رقاب الناس !.

 

26 … ومتى كان العراق بلاد نعيم؟

   ينساق الكثيرون، بين حدثٍ وآخر، ليقارنوا اوضاعاً، وازمنةً، وليصرحوا بتمنيات لعلها تتحقق في القادم من المستقبل، ومن بينها حنينٌ الى ماضي البلاد العراقيـة، والى (عهد الصبا لو طللٌ عاد، ولو ميّت وعى).

ولا ادري- وربما ذلك ذنبٌ اقترفه بعدم الدراية ! – الى اي ماضٍ يُراد بنا ان نعود؟.. ومتى كان العراقيون، القدامى منهم، والمتوسطون والجدد، متنعمين، راضين بعهد، او قابلين بحاكم.. متى كانوا متوحدين، او غير متذابحين، ومتنافرين، او متنازعين على اقل وصف؟.. هل نحتاج لتفاصيل ما سلف من زمان؟ ام نكتفي بتأرخة شعرية، تنويرية، من ابياتها عن البلاد:

عشرون قرناً وهي تسحبُ خلفها بدمٍ ذيول مواكب الاحرارِ

بآبن المقفع بأبن قدوسٍ وبالحلاجِ والموحى له، بشار ..

بأبي محسد وهي تقطع صلبهَ، لم يُدرَ عارٌ مثل هذا العارِ

——————————————————————————————-