ميثاق مناحي العيساوي
على الرغم من الرسائل الإيجابية التي وصلت موسكو من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال دعايته الانتخابية وبعد فوزه في الانتخابات الأمريكية بخصوص العلاقة بين موسكو وواشنطن وطبيعة التعاطي مع الأزمات من قبل الجانبين، لاسيما فيما يتعلق بالأزمة السورية والدور الروسي في منطقة الشرق الاوسط، والحديث عن امكانية التعاون السياسي والعسكري في مكافحة الإرهاب بالمنطقة وإنهاء تواجد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، لاسيما بعد أن تناقلت وسائل الإعلام الأمريكية بشكل مؤكد بأن موسكو تدخلت ألكترونياً في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، الأمر الذي استدعى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بأن يقوم بطرد السفير الروسي، إلا أن تلك التنبؤات والتوقعات بخصوص التقارب الأمريكي- الروسي بين الرئيسين بوتين ترامب، بدأت تفقد بريقها.
إذ بدأت الإدارة الأمريكية بالتصعيد في موقفها السياسية والعسكرية من خلال الضربة الجوية التي وجهتها فجر يوم الجمعة إلى قاعدة الشعيرات العسكرية في سوريا. وعلى الرغم من أن واشنطن أبلغت موسكو مسبقاً بالضربة الجوية، إلا أن الاخيرة أبدت امتعاضها من تصرف الإدارة الأمريكية وعدته بمثابة تعدي على القانون الدولي، وأن هذا التصرف قد يضع العلاقات الأمريكية الروسية على المحك ويوقف التعاون بين الجانبين في مجال مكافحة الإرهاب ومحاربة تنظيم “داعش” في المنطقة، لاسيما في سوريا. لكن ومع الأخذ بنظر الاعتبار كل التداعيات التي اعقبت الضربة الجوية الأمريكية على قاعدة الشعيرات، كيف يمكن أن يؤثر تصرف ترامب في حل الأزمة السورية؟
الضربة الجوية الأمريكية يمكن أن تخلق مرحلة جديدة في سوريا والمفاوضات السورية والعلاقة بين واشنطن وموسكو، وبالتأكيد سيكون لها تأثير كبير على مجريات الأزمة السورية، لكن ليس بالضرورة أن تكون هذه المرحلة أو هذا التأثير سلباً على سير المفاوضات؛ لأن اللعبة اصبحت متوازنة نوعاً ما بعد الضربة الجوية بين واشنطن وموسكو. وإذا ما عقدنا مقارنة بين المرحلة السابقة فأننا نتذكر الجولات المكوكية والقاءات المطولة والمستمرة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وعادةٍ ما كان الوزير الروسي هو الذي يملي على واشنطن ما يفعلونه في سوريا وفي المفاوضات السورية، أما الآن ففي يد واشنطن ورقة قوية وقد تعي ما تقول في قادم المفاوضات، بغض النظر عن الفاعلين الحقيقيين للمواد المحرمة دوليا، النظام كان أم الإرهابيون؟
ترامب قبل هجوم شان شيخون كان يتحدث عن أولوياته الاستراتيجية في سوريا، وهي إنهاء تنظيم “داعش” والتعاون مع الروس لإنهاء تواجد التنظيمات الإرهابية في سوريا، ومن ثم النظر في مستقبل الدولة السورية ومستقبل الرئيس السوري “بشار الأسد”. وقبل أيام كانت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة تتحدث بنفس الطريقة التي يتحدث بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن تواجد بشار الأسد على رأس الدولة السورية هي حقيقة سياسية، أما الآن فإن اللهجة الأمريكية قد تغيرت، وقد اعتبر الرئيس الأمريكي بأن الرئيس بشار الأسد رجل ديكتاتور ولا يمكن له أن يلعب دور في مستقبل الدولة السورية.
ونتيجة لهذا التحول السياسي في الموقف الأمريكي، قد يفرض على موسكو إعادة حساباتها، لاسيما وأن وزراء خارجية الدولتين من المؤمل أن يجتمعا الثلاثاء القادم في موسكو، وقد يكون موضوع الأزمة السورية والتحولات السياسية والتطورات العسكرية التي شهدها فجر الجمعة نقطة مفصلية في مجريات اللقاء “في حال لم يلغى هذا الاجتماع بعد الهجوم الصاروخي على قاعدة الشعيرات”.
قد يكون الهجوم الكيماوي والهجوم الصاروخي الأمريكي على القاعدة السورية قد رسم بالفعل بداية جديدة للمفاوضات السورية؛ وذلك بسبب الثقل العسكري والتواجد الأمريكي في سوريا وحربها ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، فضلاً عن رؤيتها السياسية للأزمة السورية وثقلها الدبلوماسية أصبح أقوى من ذي قبل، وربما اللعبة الآن اصبحت متوازية بين القطبين، وأصبح بيد واشنطن أدوات قوية يمكن ان تسخرها في المفاوضات السورية، وهذا من شانه أن يعطل أو يطيل من عمر المفاوضات السورية، ويتسبب في معاناة السوريين.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي الحالي مؤمن بالحل السلمي في سوريا، وأنه حذر من الانجرار إلى صراعات الشرق الأوسط، إلا أن المواقف السياسية أو العسكرية قد تجبره على تغيير مواقفه ومبادئه، فعلى سبيل المثال فأن الرئيس بوش في بداية عام 2001 كان يحمل نفس المبدأ الذي يحمله ترامب اليوم، إلا أن أحداث 11/سبتمبر فرضت عليه تغيير جذري في السياسة الخارجية، ولهذا فإن هناك مخاطر سياسية ومواقف عسكرية ومصالح استراتيجية في الشرق الأوسط، لاسيما في سوريا قد تجبر الرئيس الأمريكي على تغيير مواقفه، وقد تتصادم تلك المواقف بالمواقف الروسية وحلفاءها في المنطقة، الأمر الذي قد يعرض سوريا والمفاوضات السورية إلى انهيار شامل، وقد تمتد تلك المخاطر إلى العراق بشكل طبيعي، لاسيما وأن احدى فصائل الحشد الشعبي عدت الهجوم الأمريكي على قاعدة الشعيرات تصعيد خطير، وأن موقفها من تواجد القوات الأمريكية في العراق لم يتغير. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الوضع السياسي والأمني غير المستقر في العراق.
ولهذا فإن قرار ترامب قد خلط الأوراق والحسابات الدولية من جديد سواء على صعيد الأزمة السورية، لاسيما بعد التقدم الكبير في مفاوضات العاصمة الكازاخستانية الأستانة او على صعيد المنطقة بشكل عام، وقد يؤدي ذلك إلى خلط الأوراق في العراق أيضاً، مما ينذر بتداعيات قد تعيدنا إلى المربع الأول. وعليه لابد أن يكون لصانع القرار العراقي والخارجية العراقية مواقف واضحة وصريحة وذكية بنفس الوقت، لكي تبعد العراق عن المواجهات السياسية والعسكرية الحاصلة في المنطقة. وبهذا ايضا قد تضع الولايات المتحدة الأمريكية ثقلها الدبلوماسي في المفاوضات السورية المقبلة.