عبد الصاحب الناصر: يكتب
تخبط اردوغان السياسي يتبلور اليوم في ساحة تقسيم جاده سي نتيجة الرفض المزمن من قبل كثير من الدول الاوربية لقبول تركيا في الاتحاد الاوربي و حتى بعد تغير اسم الحزب الاسلامي و تسميته بحزب العدالة و التنمية ، و بالاخص بعد التغير الذي حصل على دول المعسكر الشرقي و سرعة قبول اكثر هذه الدول في الاتحاد الاوربي الامر الذي عمق الشعور بالحقد على الدول الاوربية في نفوس القادة الاتراك و بالاخص السيد رجب طيب اردوغان ، تحول اتجاهه الى دول الشرق الاوسط و لهذا التحول اهداف و اخطاء . الاول . ليلعب دور القائد للمنطقة بعد غياب قيادات عربية و محلية كبيرة عن السلطة السياسية في بلدانها فتصور اردوغان ان الوقت قد حان لتتصدر تركيا دور القيادة و التأثير السياسي و اكثر طمعا عندما تمدد في خياله و تصور بانه يمكن ان يكون للغرب اكثر من دور الشرطي الموكل لمصالحهم على المنطقة لكنه تناسا بانه و بهذا الخيال سيكون المزاحم الاكبر لدور اسرائيل بأن يكون كبديل عن اسرائيل باكثر مقبولية في المنطقة كما تخيل . ثانيا . فكر اردوغان بان يعوض تركيا عن عدم قبولها في الاتحاد الاوربي بسيطرتها و قيادتها على منطقة الشرق الاوسط فاخذ يتدخل بشونها في البدء مع بعض دول الخليج الغنية وبالاخص الدول المتطرفة اسلاميا فاصطنع خلاف مع اسرائيل و هنا وقع في مطب لن يتخلص منها ابدا ، اذ أن اسرائيل قد تتناسى خلافات محلية مؤقتة لكنها لا تتناسى خلاف يصل الى درجة الاهانة القومية أو دور النيابة عنها في خدمة الغرب و لا تنسى اسرائيل مثل هذه الاعمال و ان تغاضت عنها لبعض الوقت في البدء لتلافي حرارة الضربة في وقت كان يقف العالم ضد الحصار و الاعتداءات على قطاع غزة . و ليس من اخلاق و لا من طباع الصهاينة تناسي الاهانات و لا الانتقادات التي تضربها في الصميم ، و الاهم ان اسرائيل لن تسمح لتركيا بان تكون الشرطي الاهم منها و الامين لمصالح الغرب في المنطقة العربية اذ ان هذا الدور التي تعتز به هو من جوهر وجودها و بقائها كدولة مصطنعة زرعت في المنطقة فلماذا تسمح لار دوغان بان يزاحمها او ينافسها في ولاءه للغرب بحماية مصالحهم . ثالثا . لا يمس اي انسان حائط المبكي . لم تنسى القوى الصهيونية للمثل العالمي مارلون براندو قوله من على قناة ال سي ان ان برنامج لاري كنغ لايف . عندما انتقد رجال صناعة السينما في امريكا و التي تسيطر عليها الصهيونية و كيف انها تتعمد اذلال الاقليات و التعظيم من العنصر اليهودي ، و قد كان الممثل ممنوعا من العمل عندما تسائل في نهاية السبعينات كيف لا نرى في افلامنا ولو مثال واحد يكون فيه اي شخص يهودي سيء ، ولم ينتهي هذا المنع الا بعد خمسة و عشرون عاما ، كذلك التعتيم الذي وضعوه على المخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ ( وهو يهودي الاصل ) عندما تعاطف مع مارلون براندو في إنتقاده و لم يتخلص من هذا الموقف الا بعد اخراجه لفلم يتعاطف مع اليهود باسم ( قائمة شندلر ) ( Scheduler list ) عن معسكرات النازية في حينها . ان سيطرة الصهيونية العالمية على الاعلام بصورة عامة و على انتاج الافلام و البنوك و المؤسسات الدولية و بالاخص بعض التي تتسمى بحقوق الانسان ، تمكنها هذه السلطة من حشر و حجر اي قوة تتدخل في القضايا المصيرية للشعب اليهودي و لا حتى انتقادها بالورد هذه امور تعتبر تابوو ( Taboo ) لن يسمحوا به . و هنا وقع اردوغان في اكبر مشكلة ستبقي تلاحقه في حياته السياسية و ان كان يتصور في حينها بان وقوفه ولو البسيط مع الشعب الفلسطيني هي وقفة تكتيكية ستتناسي و كأن شيء لم يكن . لكنه وقع هنا في مطب لم يكن يتوقعه ولم يكن يعرف عنه لغبائه السياسي بعدم معرفة بسلطة و جبروت الصهيونية في اوربا . اذا ان اكثر بلدان العالم الاشتراكي السابق تقف اليوم مع اسرائيل لذلك سيبقون يقفون ضد دخول تركيا ضمن الاتحاد الاوربي و لا ننسى المظاهرات في التسعينات التي خرجت في كل تلك الدول ضد دخول تركيا في الاتحاد الاوربي . رابعا . وقع اردوغان في نفس المطبات التي وقعت فيها امريكا و بلدان الخليج عندما بنوا قوة من المتعصبين الاسلاميين لمقاومة حكومة افغانستان و وقوف الاتحاد السوفيتي معهم الامر الذي اسقط الاحتلال لكنه سلم البلد للسلفيين و الطلبان اي انهم كانوا يقفون و يساعدون و يمولون من انقلب عليهم ، و نعرف وقوف تركيا اردوغان مه الارهاب في المنطقة العربية اذ لم يتعلم من الاخطاء و ليعرف ان الارهاب لا دين له و لا ولاء له و سينقلب عليه كما انقلب على الاسد و سورية كما نراه اليوم . و المظاهرات التي تقوم هذه الايام في تركيا ما هي الا البداية التي لن يتمكن اردوغان من السيطرة عليها . ادخل اردوغان السياسة الاقتصادية التركية و مصالحها في المنطقة في موقف محرج كان يتصور انه سوف لن يوثر على تجارة تركيا في المنطقة و هذه من الاوهام التي يقع فيها كل من تسنم سلم الدكتاتورية اذا تتقاطع هنا المصالح الاقتصادية مع المواقف السياسية و تضر في مصلحة اي بلد يقدم السياسة على الاقتصاد . خامسا . تدخله في شؤون سورية و في العراق و في المنطقة العربية بصورة عامة ستكون بداية نهايته السياسية و يفكر كثير من السياسيين الاتراك بالوقوف ضدها و في اسرع وقت قبل ان تستفحل و تتحول الى غضب سيقلب النظام في تركيا على شكله امام التأثر الاقتصادي . ينبع تفكير اردوغان و ارائه عن العرب من النظرية الصهيونية بان العرب شعب كلام فقط و لا يملكون القدرة على التحرك ، لكنه نسى بان الامور لن تكون بايدي الشعوب العربية كما هي بل ستتنقل بايدي القوى السلفية الظلامية و هذه لا تعرف الهدوء و لا تعرف الحدود ولن تغريها او تغشها تقلب سياسة اردوغان التي اخذت تتكشف و تتضح خطوطها العامة يوما بعد يوم و سيقف الجيش التركي كما وقف سابقا ضد السياسيين الذين يحيدون عن الخط العام لتركية العضو المهم في حلف الناتو و ستنقلب عليه قريبا عندما يتطلب الامر . سادسا . لا يختلف تفكير الحزب الاسلامي التركي عن تفكير اكثر الاحزاب الاسلامية العربية التي تعتمد على تعاطف اسلامية الشعوب لكن اسلامية هذه الشعوب لا تعني انها تنتمي للافكار السلفية كما يحلو لارد وغان ان يتصور فهو اذا لم يتعلم من اخطاء الغرب الذي وقف مع السلفية الظلامية عندما تصوروا بان نقل الحرب الى المنطقة سيحميهم من الارهاب في بلدانهم و ما وقوع الاعمال الارهابية مؤخرا في الغرب الا دليل على فشل هذه السياسة التي تنبع من عدم الفهم العميق لافكار السلفية . سابعا . ، وقع الحزب الاسلامي التركي كما وقع حزب الاخوان المسلمين في مصر و في تونس وقعوا في نفس الاخطاء وهي عدم فهمهم العميق للفكر السلفي التي ترفض اي تقدم او توسع او انفتاح و اعمار و لا تعترف بالتاريخ و الاثار و التراث . و من المعروف ان تركيا بلد يعتمد كثيرا على السياحة و تعتمد هذه السياحة على الانفتاح و الاثار و الامكن المقدسة الاسلامية و غيرها من الديانات الاخري و هذه الاماكن تكوّن المصدر الرئيس للسياحة التركية و عنصر مهم من اعلامها بالانفتاح ، فهل ستسمح السلفية الظلامية لتركيا ان تبقي على كل ما اسلفنا في اعلاه من اجل السياحة و هل ستبقى السياحة في تركيا بعد تهديم و تفليش هذه الاثار و الانغماس في الظلام و التخلف . الا يرى اردوغان ما اصاب مصر و تونس من خراب للسياحة بعد تسلط القوى السلفية الظلامية في تلك البلدان . من هنا لنا قناعة بان العسكر التركي الذي يعتمد الارتباط بحلف الناتو و الانفتاح سوف لن يسمح لتلك القوى ان تمتد في عهد اردوغان و ستنقلب عليه العسكرية التركية اجلا ام عاجلا وهو مطلوب لها بثأر لم ينسوه بعد .