تاملات عقل مستقل نظيف في الفكر الحزبي المتسخ !!
احمد الحاج
كلما أزيح طاغوت بكى المستعبدون على عهده أسفا مع مد اﻷيادي للذي أزاحه تسولا ، إنهم يكفكفون دموعهم حزنا على النازل اﻷول بكف، ويلوحون للجديد الصاعد بأخرى!
حقا إن العبودية ثقافة شعبوية ﻻيشترط بضحاياها أن يعيشوا في زرائب جماعية ، حظائر بشرية، كما يتوهم الكثيرون ، بعض العبيد يسكنون الى جوار الطغاة في القصور وبعضهم يحفرون للعبيد أمثالهم مزيدا من المقابر الجماعية بإنتظار إمتلائها لحفر مزيد من القبور وبناء الجديد ﻷسيادهم من القصور !!
وإذا ما كنت كاتبا حرا فإياك إياك أن تسمح للمستعبدين من حولك بتكبيل قلمك ، إخراس لسانك ، حجر فكرك…مساكين أولئك لم يتنسموا طعم الحرية ولم يتذوقوا لذة تكسير قيود الطواغيت وتحطيم أصنام العبودية بعد !
وإنطلاقا من جدلية ” العبد والعصا …السيد والقصر ” بت أسمع كثيرا هذه اﻷيام عن محاولات ترقيعية ﻷحزاب عدة غادرت السلطة على مراحل ، شمالا وجنوبا ، شرقا وغربا ،لترميم بيوتها من الداخل ، وأقول لهم جميعا ولغيرهم ، إن ” أخطر ما يواجه اﻷحزاب الراديكالية والقومية اﻵفلة عند محاولة العودة والإستعادة والنهوض من جديد بما يعرف في أدبياتها ” بالمراجعات ” وأحيانا بـ”جلد الذات ” أو” النقد البناء” هي إصطدام صحوتها المتأخرة جدا بالذاكرة الجماهيرية الحاضرة ، إن لم يكن في اﻷذهان ففي اﻷبدان ، إذ إن (كل جرح غائر، وعوق ظاهر ، وعلامة لسوط جائر ، وأثر لجوع كافر ، وذكرى لإعتداء سافر ، وإشارة لظلم غادر ، وشتيمة من وضيع عاهر ) ستعمل عملها في إيقاد جذوة الكراهية وشحذ الذاكرة السمكية أو الذبابية للجمهور سريعا وباﻷخص اذا ما كان الصوت الصادح بالعودة والإصلاح هو ذاته المرتبط عندهم في اللاوعي بكل الإخفاقات والإشكالات والتردد والتذبذب والهروب من المواجهة الى أمام مع ترحيل المشاكل بدلا من حلها ،أو الفرار الى الخلف وإستدعاء التأريخ كله ، بحلوه ومره تنصلا منها وللتغطية عليها ، ناهيك عن عقد الصفقات والتحالف مع الخصوم من خلف الكواليس ، وﻻشك أن إصطدام النهايات الكارثية المجربة التي أجهضت كليا ونهائيا كل ( اﻷحلام والشعارات التي كانت تحفزهم للنهضة والتفاني والعمل والتضحية وبذل الغالي والنفيس من أجل القضية وهزت عندهم صور من كانوا يتوسمون بهم خيرا ) ستصطدم بالبدايات الحادثة وخطوط الشروع الجديدة غير المجربة التي يراهن عليها عشاق العودة والإستعادة – العودة الى المناصب وإستعادة السلطة وليس حقوق الجماهير حتى ﻻيتوهم القارئ – واﻷهم هو عدم قدرة القواعد الجماهيرية على إستيعاب فكرة أن من أخفقوا وأفسدوا هم من سيقودون عملية الإصلاح المزعومة مجددا وينظّرون لها ﻷن كوميديا الإصلاح العائد ، تشبه تماما تراجيديا الإصلاح البائد وهي عملية معقدة لايمكن أن تقاد بالمستهلكين كوميديا وتراجيديا ، الإصلاح يقاد بثائر غير مجرب يظهر من بين صفوف الحزب – أي حزب يميني أو يساري وما بينهما – من القواعد الدنيا ﻻ من القيادات العليا حتى إنها لتقول فيه ماقاله بنو اسرائيل في طالوت ( أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ) أو يقال فيه ماقاله فرعون لموسى عليه السلام ( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ) هنا فقط ستثق الجماهير بأن دماء نقية جديدة وغير ملوثة قد ضخت بأبدان طاهرة غير منجسة وبعقول واعية غير متسخة لم تنعم بقصور السلطة لتعيد مسيرتها وهيهات ، فلم يأفل حزب ثم أشرق ثانية قط وربما سيقول بعض اﻵفلين ولكننا قاومنا اﻷنظمة الشمولية والدكتاتوريات وبقينا على قيد الحياة والحرية برغم سحقها وتهميشها وإقصائها لنا ردحا طويلا من الزمن وأقول ” لقد كان إضطهاد الدكتاتوريات ونتيجة لغبائها المفرط الذي يتوازى مع ظلمها المفرط بمثابة دعاية لكم وما أفولكم الزماني والمكاني بظلها سوى ميزات مستقبلية منحتها إياكم لم تكونوا تستحقون الكثير منها وفي كثير من اﻷحيان ، ليس أولها أن”كل قتيل أرضي لكم وإن كان- حثلكا – كان يتحول الى شهيد سماوي دعائيا ،وكل كراس وملصق و مطوية ألفها بعضكم وان كانت لا قيمة فكرية وﻻعلمية وﻻ دعوية لها كانت تتحول الى – منهج – يتوجب على القواعد كلها حفظها عن ظهر قلب وإلا فالطرد والتعويم ، وكل مهاجر منكم وان كان نكرة أو مطاردا ﻷسباب جنائية ﻻعلاقة لها بالسياسة كان يتحول الى معارض سياسي ذي قيمة تدعمه دول ومؤسسات وجمعيات لطالما – نصبتم على معظمها – ، ولكن وما بعد التلوث بنعيم السلطة بالتزامن مع التنصل للجماهير والقواعد الشعبية التي ظلت على حالها تعاني اﻷمرين بعد توسمها بصعودكم خيرا فيما لم يتغير في واقعها شيئ يذكر ، بل على العكس فقد إزدادت اوضاعها سوءا ، تغير كل شيء فما قبل السكن داخل القصور والركون الى النعيم المقيم وتجاهل الفقير والنازح والارملة واليتيم : ” وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ “يختلف كليا عن مرحلة ما بعد الخروج منها إندحارا لا إختيارا ، إذ لم يعد عندكم ما تعدون به من صلاح وإصلاح وتغيير ونضال وزهد وشجاعة البتة ،كلها قد جربت واستهلكت وبانت حقيقتها واقعا ملموسا والمجرب لايجرب ليس على مستوى اﻷفراد فحسب وإنما على مستوى اﻷحزاب والبرامج كذلك، والحل يكمن بتغيير اﻷدبيات والقادة وربما الكثير من اﻷتباع والكراريس أيضا للبدء بمشروع نهضة من جديد ، وأنوه الى أن خدعة تغيير اﻷسماء والعناوين من دون المضامين وحدها لاتكفي ، وﻻ أنصح بها ﻷنها لم تعد تنطلي على الجماهير وأخشى أن يردد بعضهم بحقكم ماقاله البغادة قديما : “الزمال نفس الزمال .,,بس الجلال مبدل ” أقول لكم ذلك ليس حبا بكم إطلاقا ، وإنما إكراما لبلادي ولشعبي ولكي ﻻيضيع المزيد من شبابنا ومستقبلنا وخيراتنا هدرا بسببكم أيها المتحزبون ، فيما تقدم من كان خلفنا بقرون ليتصدر بإمتياز قائمة اﻷمم . اودعناكم أغاتي