” وبعد أن تغطّت أرض الجبل بأسمنت الحكومة، وطليت جدران البيوت بالأصابع الكيمياوية وأغلقت المداخل بالأبواب، دخل الشيوخ ليدشّنوا بيوتهم الجديدة …
أم البارزاني هي الوحيدة التي لم تدخل بيتها … إرتابت بالأسوار والأبواب الحديدية وزجاج النوافذ المشّع … هاجس: ” حذار من بيوت بنيت من طين الحكومة!”
وقد صحّت نبوءة العجوز … فما كاد البارزانيون يرخون أحزمة العتاد ويتمددون في بيوتهم، حتّى دوّت مدافع السلطة . *
ما جاء أعلاه هو شذرات من نضال عائلة البارزاني طيلة عقود ضد مختلف الأنظمة التي إضطهدت الشعب الكردي من خلال إضطهادها لجماهير شعبنا العراقي بأكمله وخصوصا عهدي البعثيين المجرمين الأول والثاني، ولهذه العائلة مواقف وطنية وقومية عديدة طيلة فترات نضالها تلك، فهل ناضل البارزانيون من أجل قبيلتهم أم من أجل القضية الكردية؟ هذا السؤال يطرح نفسه وبقوة اليوم ونحن نتابع تسارع الأحداث على الساحة الكوردستانية ممّا يهدد بإفشال تجربة شعب قدّم مئات آلاف الشهداء في سبيل تحرره وإنعتاقه من الذلّ والعبودية وعيشه بكرامة وإنسانية.
بعيدا عن طبيعة الصراع السياسي الكوردي الكوردي والذي كان مسلّحا لسنوات طويلة، فإن التظاهرات التي تشهدها المدن الكوردية اليوم هي بالأساس جزء من طبيعة الصراع والحراك الجماهيري في عموم العراق ضد الفساد الذي ينخر بـ ” مؤسسات” الدولة ومن ضمنها تلك التي في كوردستان العراق، فما يجري في كوردستان العراق لايمكن فصله مطلقا عمّا يجري في البلد بشكل عام، كون الفساد أصبح عند القوى المتنفذة سواء كانت في بغداد أو أربيل ثقافة تمأسست على مفهومي السرقة والقمع.
إن رفض السيد مسعود البارزاني الإلتزام بالدستور الكوردستاني الذي يحدد رئاسة الإقليم بدورتين دفع الاوضاع السياسية في الإقليم الى مزيد من التعقيد على الرغم من حصوله على ” تمديد لمدة سنتين بالاستناد الى القانون رقم 19 لسنة 2013 المعروف بأسم قانون تمديد ولاية رئيس الاقليم في 20 آب 2013 لمرة واحدة غير قابلة للتجديد. وينتهي التمديد في 19 آب 2015 ” (1)، وفي نفس الوقت فإن الرفض هذا وبغضّ النظر عن أسبابه وظروفه يدفع بإتجاه سلطة دكتاتورية طالما ما أنتقدته سلطات الإقليم ومنها الحزب الديموقراطي الكوردستاني نفسه من خلال توجيه الإنتقادات المستمرة “عن حق” لجهات سياسية أخرى في المركز. ما يجعل حديثها عن الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة مجرد نكتة تصطدم بوجوه غير ديموقراطية لاتعرف الضحك مطلقا، ما يجعل النكتة هذه أي التداول السلمي للسلطة أمرا بعيدا عن المنال.
على الرغم من مشروعية التظاهرات في مدن وبلدات الأقليم والذين رفعوا شعارات تطالب ” بتحسين أوضاع المواطنين وصرف الرواتب والكف عن المصالح الحزبية الضيقة”، وتلك التي جرت بالتزامن مع إجتماع الاحزاب الكوردية الخمس ومطالبتهم إياها بإيجاد حلول سريعة بشأن أزمة رئاسة الإقليم ومعالجة مشاكل المواطنين والمطالبة بالإصلاحات، فإن عمليات الهجوم على مقّرات بعض هذه الأحزاب ستخرج هذه التظاهرات المطلبية عن طابعا السلمي ممّا يمنح القوى الأمنية هامشا أكبرا للتحرك بضرب المتظاهرين بحجّة الدفاع عن الممتلكات العامّة، وهذا ما يجب أن ينتبه اليه المتظاهرون مع أستمرارهم بالتظاهر لحين تحقيق مطالبهم والتي هي مطالب الشعب الكوردي أساسا.
وعودة للسؤال الذي جاء في بداية المقالة حول إن كان نضال البارزانيين هو من أجل قبيلتهم أم الشعب الكوردي، وعودة أيضا للنص الأدبي الذي جاء في مقدمتها، أقف متعجبا لهذا الإصرار من قبل السيد مسعود البارزاني على إختصار تأريخ عائلته النضالية المشّرف من أجل تطلعات الشعب الكوردي وحريته وكرامته، بمنصب رئاسة الاقليم وإن كان مخالفا للدستورالّذي وافق وحزبه عليه. ويزداد تعجبي أكثر من إصراره على أن تكون كل المناصب الأمنية والعسكرية المهمة بيد البارزانيين وليس بيد رفاقه من أعضاء الحزب الديموقراطي الكوردستاني مثلا الّذين خاضوا غمار القتال ضد الحكومات العراقية المتعاقبة حينما كان جميع المسؤولين العسكريين والامنيين البارزانيين اليوم أطفالا أو لم يولدوا حينها حتّى! فهل هناك شك في ولاء رفاق الأمس أم هو أحتكار للسلطة؟
لاينكر أي كوردي أو غيره من المنصفين تاريخ عائلتكم النضالي أيها السيد مسعود البارزاني ولا ما تعرضت له عائلتكم المناضلة وقبيلتكم ومنطقة بارزان من قمع منظّم ودمار مبرمج، ولكننا لانستطيع أن ننكر أيضا إستشهاد خمسة آلاف كوردي بريء ذهبوا ضحية الغازات البعثية السامة في حلبجة الشهيدة، ولا إختفاء 182000 كوردي في عمليات الانفال البعثية سيئة الصيت والسمعة، ولا تدمير خمسة آلاف قرية كوردية وتهجير ساكنيها الى معسكرات أقرب الى معسكرات النازيين في الحرب العالمية الثانية، ولا قوافل الشهداء منذ إندلاع أول ثورة كوردية ليومنا هذا.
ولأنكم لاتستطيعون ولا غيركم من تجاوز كل هذه القوافل المضيئة التي روت بدمائها أرض كوردستان العراق، فأنكم وغيركم لاتستطيعون أعلان الحجرعلى أرحام الكورديات وولادتهنّ لقادة قادرون على اكمال مسير من سبقهم ومنهم أنتم أيها السيد مسعود البارزاني ووالدكم الراحل. ولاأدري هنا أن كان هناك قادة مخضرمين في الاتحاد الوطني الكوردستاني لأسألهم عن سبب رضوخهم ليكون “قوباد الطالباني” نائبا لرئيس وزراء الإقليم، وهل كان “قوباد” مقاتلا في صفوف تنظيماتهم عندما كانت تقاتل منذ أن تأسست سنة 1975 وحتّى تربعّها على عرش حكومة السليمانية؟
السيد مسعود البارزاني إن الشعب الكوردي وقضيته هما أكبر من أي حزب أو قبيلة مهما قدّما من تضحيات، فمن أجل هذا الشعب وتطلعاته أعمل ومعك منافسوك على نزع فتيل الأزمة وأيجاد حلول مقبولة ومنطقية ووفقا للدستور، ولا تجعل نبوءة الام البارزانية أن تكون ” فما كاد البارزانيون يرخون أحزمة العتاد ويتمددون في بيوتهم.. حتى توجهوا للإستفادة القصوى من نضالهم بالهيمنة على مقدّرات الشعب الكوردي والأستئثار بكل المناصب المهمة.
من أجل الشعب الكوردي وتجربته فكر أيها السيد البارزاني ومعك كل الاحزاب المتنفذة اكثر من مرّة.
*”أوراق جبلية 7 ، الثقافة الجديدة العدد 175 لسنة 1986 ص 136 ، زهير الجزائري.
1 – تقرير “خلية الازمة” حول موضوع انتهاء مدة تمديد ولاية رئيس الاقليم، صحيفة خندان النسخة الالكترونية