بين مشروعي الـ “هارب” والـ”كاب” فقد محللونا الصواب !!
احمد الحاج
مع وقوع العديد من الزلازل المدمرة التي ضربت جنوب تركيا، وشمال سورية تباعا مخلفة وراءها مئات الهزات الارتدادية ، وعشرات الألوف من القتلى والجرحى والعالقين تحت الانقاض فضلا على مئات المباني المدمرة والمساكن المنهارة والتي لم تعد العشرات منها صالحة للسكن البتة ، واذا بنا نسمع ونرى – تويتريا وفيسبوكيا وتيليغراميا وانستغراميا وتيك توكيا – كما هائلا من الفرضيات والتفسيرات التي ما أنزل بها من سلطان وهي تدور كقطب رحى حول الأسباب الكامنة وراء كل هذه الزلازل والهزات التي ضربت المنطقة بين قائل بأن الزلازل الطبيعية الناجمة عن حركة الصفائح التكتونية ، ما هي وفي حقيقتها سوى عملية إحماء و- تمتوعة – من مشروع (هارب) الامريكي العملاق ومركزه بولاية ألاسكا ، بغية السيطرة على شعوب الارض ، فهذا البرنامج الذي يسعى الى تحليل الغلاف الجوي الأيوني بإرسال ترددات عالية القوة وبحسب عشاق وأسرى نظريات المؤامرة يؤدي الى حدوث أعاصير وفيضانات وزلازل تصيب بها اميركا من تشاء ، وتصرفها عمن تشاء ، بغض النظر عن – حمارها – الديمقراطي – أو – فيلها- الجمهوري الحاكم “بترو دولار قراطيا”، لحظة تنفيذ المهمة الشيطانية، وإنجاز الخطة الجهنمية ،وكأنك براضعي أثداء المؤامرة ممن يأبون الفطام ، وقد تحولوا الى أداة طيعة بيد “العم سام” من حيث لم يحتسبوا ، وصاروا يمجدونها ويمدحونها ويطبلون لجبروتها من حيث يريدون تسفيهها وذمها على رؤوس الاشهاد، اذ لم يبق أمامهم سوى السجود لقصرها الأبيض – بس بالاسم – والتبرك بصنمها الأسود الذي صار بحسب ما يقيئون قادرا على التصرف بالكون كيفما شاء ، ووقتما أراد ، وما هكذا تورد يا مدمني نظريات المؤامرة …الابل !
نعم أقر وأعترف بأنني واحد من المؤمنين بأن الغرب يتآمر علينا ولايكاد يدخر وسعا ، ولا يألوا جهدا ، لإضعافنا ، وتمزيقنا ، واستعبادنا ، واستحمارنا ، وبث الفرقة بيننا ليظل ينهب بخيراتنا ،ويسرق ويهرب ثرواتنا ليلا ونهارا من دون حسيب ولا رقيب ، ولكن وعلى قول البغادة” بس مو هالثخن !”.
على الجانب الآخر كانت هناك فرضيات – ميتافيزيقية – يفترض بعضها بأن زلزال تركيا وسوريا ماهو إلا – بروفة – لبداية نهاية العالم وأحداث نهاية الزمان ، مع أن الزلازل لم تتوقف طيلة العقود الماضية في كل أرجاء العالم بسبب حركة القشرة الارضية وتصادم الصفائح التكتونية ليتعظ من يتعظ ، ويتوب من يتوب ،ويعتبر من يعتبر ، وليصلح حاله من يصلح ، وليخطط جيدا من يخطط كاليابان مثلا والتي تحولت الى الهندسة المعمارية المقاومة للزلازل بضوابط وشروط قاسية لامكان فيها للمحاباة والمجاملة ولا – لكلاوات – المقاولين ، وألاعيب المستثمرين ،وأكاذيب السياسيين، حيث لا بناء يتهاوى ، ولا ناطحة سحاب تنهار ولو بلغت قوة الزلزال 9 درجات على مقياس ريختر ،وهكذا هو الحال مع الأمم والشعوب التي تحول الكوارث الطبيعية الى جملة من الانجازات الحالية والمستقبلية ولتغير من أساليب حياتها وخططها وبرامجها في التربية والصحة والتعليم والتنمية والاستثمار والبناء والاعمار، فيما نكتفي نحن كعادتنا ” بندب الحظ العاثر والبكاء على الاطلال وبذل الجهد لتفسير الظاهرة وفيما اذا كانت فتنة للاخيار، أم عقوبة ساحقة ماحقة للاشرار !” ليخرج علينا عدو الفصحى ، وكاسح اللغة العربية الذي لم يقرأ آية قرآنية واحدة بشكل صحيح طوال حياته، المدعو “ابو علي الشيباني” وهو يُنَظِر في الكوارث الطبيعية وينقل لنا بعض ما سره به من خلف الكواليس معلمه المفترض الذي لم يسمه يوما لإضفاء مزيد من الغموض والاثارة عليه ، كل ذلك يأتي بالتزامن مع فرضيات أخرى تزعم بأن حبس تركيا لمياه دجلة والفرات خلف سدودها الـ 22 ، حيث 14 سدا على نهر الفرات وأكبرها سد أتاتورك ، مقابل ثمانية سدود على نهر دجلة وأضخمها أليسو ، هي السبب بوقوع الزلازل، إما انتقاما لعطاشى سوريا والعراق وثأرا لحجب المياه – طورانيا – بذريعة توليد الطاقة الكهرومائية ،وتطوير المشاريع الزراعية ، والاروائية ، وإما لأن الكميات الهائلة من المياه المتجمعة خلف السدود قد سببت ضغطا وخسفا أرضيا كبيرا تمخض عن زلازل مدمرة لم تبق ولم تذر !
وهكذا قضينا الأيام الماضية ونحن نرقص “شر.. قيا ” كالأرض التي تهتز وترقص من تحتنا – بريك دانس – بفعل الهزات المتتالية بين فرضيتي مشروع الـ ( هارب ) الامريكي ، ومشروع الـ (كاب) التركي وذلك في هروب جماعي الى الوراء أو الى الامام ، وفي محاولة يائسة من كثيرين لا أقول لتسطيح الكوارث الطبيعية والاحداث الدولية ، وإنما لإلقاء كل أسبابها وتبعاتها بملعب الآخرين على الدوام مقابل إعفائنا نحن وإخلاء مسؤوليتنا من كل ما يجري من حولنا ، ولا أدري حقيقة لماذا يصر ويفترض كثير من النشطاء والمحللين العرب على أننا مركز مجرة درب التبانة ، وأن كل الاحداث الارضية السابقة واللاحقة ، إنما تطوف وتدور وجودا وعدما ككواكب المجموعة الشمسية ، ونجوم المجرة حولنا فحسب من دون بقية الخلق على سطح الكوكب أجمعين ، والاعجب بأن سكان هذا الكوكب المسمى بالازرق لأن المياه تغمر 71% من مساحته الاجمالية في طريقهم لخوض نزاعات وصراعات وحروب مستقبلية محورها المياه ، وفقا لمراكز الدراسات والبحوث الستراتيجية الدولية !
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فدعوني أسأل هاهنا ،اذا كانت العذابات الدنيوية لا تنزل إلا بحق كل من ظلمنا وعادانا فلماذا تنزلت علينا أمثالها كالامطار طيلة العقود الماضية ، وإذا كانت تلك العقوبات مُستَحَقة ومحتمة على كل من يحجب المياه عنا ولاسيما من قبل الدول المتشاطئة معنا والأصل هو اشتراك الناس بالماء والهواء والكلأ ، فلماذا لم نحرك ساكنا ، دوليا ولا اقليميا للحيلولة من وقوعها اساسا ،ولماذا تُخَص دولة ما بالعقوبات السماوية دونا عن الاخرى التي تحجب بدورها الكثير من روافد المياه عنا لتعيدها الى ارض المنبع ثانية من دون أرض المصب وبنفس الذرائع وعلى منوال المعزوفات النشاز ، و الاسطوانات المشروخة ؟
و اذا كان الله تعالى يعاقب كل من يخزن المياه لينتفع بها زراعيا وكهرومائيا واروائيا ونهضويا وصناعيا بزلازل مدمرة تصدع سدودها ، فما هو مصير من ” يبدد ” هذه المياه المباركة وعلى مدار قرون طويلة من دون أن ينتفع بها حيث لاخطط زراعية خمسية ولا عشرية …لا قنوات اروائية …لاسدود مائية …لا خزانات عملاقة لخزن مياه الثلوج والأمطار الشتوية ..لا بحيرات صناعية لتحويل وخزن مياه السيول التي نشكو من تدفقها سنويا على لسان أناس لطالما أدلوا بآرائهم وتصريحاتهم عبر قنواتنا الفضائية وهم يرددون في الشتاء – يمعودين لحكونا ..تره غركنا – وذلك بعد خمسة أشهر فقط على ظهورهم في ذات الفضائيات وهم يرددون صيفا عبارة – يمعودين لحكونا ..تره متنا من العطش!!
سدود وقنوات وبحيرات كل ما موجود منها في العراق قديم سبق بناؤه على مراحل خلال العهود الماضية ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، ولاجديد بعد 2003 حيث يصب الماء عندنا ، ويمر بأرضنا مرور الكرام ، ونحن كالعيس في البيداء يقتلها الظما ، والماء الرقراق تحت أقدامها ، ومن بين أيديها ، وفوق رؤوسها ، وعلى ظهورها ..محمول ..أيعقل هذا يا قصيري النظر ، ويا طويلي العمر ، ويا أصحاب الجلالة والفخامة والنيافة والسعادة والسيادة والسمو ؟!
ففي كل صيف قائظ ، وبعد أن تهدر مياه السيول والأمطار وتذهب هباء منثورا خلال فصلي الشتاء والربيع ، يضطر الاف المزارعين والفلاحين العراقيين الى هجر أراضيهم ، تاركين قراهم خلف ظهورهم بحثا عن المياه،فيما تحولت مئات الهكتارات الزراعية الى صحارى قاحلة،وأراض بور بسبب الجفاف الحاد !
وأخال والله أعلم بأن سيناريو”الظامئون”سيعود الى الواجهة قريبا ولاسيما وأن الذاكرة الجمعية وبالأخص لعشاق الفن السابع من أمثالي ،ما تزال تحتفظ بأحداث الفيلم العراقي الشهير (الظامئون) الذي انتج عام 1972 ملخصا كارثة الجفاف ، وشح المياه واحتدام الصراع بين النقيضين في مواسم الجفاف حيث فريق من الظمأى يدعو للبقاء وانقاذ الارض العطشى بحفر الآبار ، يقابله فريق آخر وعلى النقيض منه وهو يدعو الى الهجرة والنزوح تجاه المدن في ظاهرة تعرف بظاهرة ( نزوح التصحر) على خلفية قلة المياه ، وملوحة التربة ، ونضوب البحيرات، وجفاف الابار فضلا على ارتفاع تكاليف حفرها ليأتي الزحف الصحراوي على 39% من الاراضي الزراعية في العراق التي كانت تسمى يوما بأرض السواد لخصبها وخضرتها ، و(بلاد ما بين النهرين ) لوفرة مياهها فيما البقية مهددة بتصحر مماثل قريبا وتعددت الاسباب والكارثة واحدة من جراء قلة هطول الامطار وارتفاع درجات الحرارة والتغير المناخي وتقادم المشاريع الاروائية وتوقف مشاريع بناء السدود وحفر القنوات والخزانات العملاقة والبحيرات الصناعية وتحويل جنس الاراضي من زراعي الى سكني اضافة الى تأثير سد اليسو التركي على الامدادات المائية كذلك تحويل ايران مجرى العديد من روافدها وانهارها ،وقد طاول التصحرنسبة كبيرة من أراضينا الزراعية وبما يهدد حياة 35 بالمائة من سكان العراق ممن يمتهنون الزراعة وينذر بهجرة عكسية كبيرة من الارياف إلى المدن ستنتهي بكارثة وضغط كبير على مدن تعاني اساسا من نقص الخدمات وأزمة السكن وغلاء المعيشة مالم تتخذ الجهات المعنية التدابير اللازمة لتقاسم المياه مع دول الجوار مع أن هجر الارض من جراء نقص المياه والنزوح الى مناطق أخرى ليس بالامر الهين ولايخلو من مخاطر أمنية ونزاعات عشائرية .
اكتب ما كتبته لتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة ، ولبث جانب من الوعي في عصر غاب فيه كثيرون عن الوعي أو يكادون ، منوها الى أن حقنا بمياه دجلة والفرات حق طبيعي وتاريخي وجغرافي وانساني وأخلاقي لاينازعنا عليه أحد ، ولايزايد علينا فيه ولا يمنعنا اياه أحد ، وعلينا التذكير المستمر بحقوقنا ، والمطالبة الدؤوبة باستحقاقاتنا ، مع التدويل الدائم لقضايا المياه ولاسيما بوجود تقارير دولية صادمة نحذر من أزمات وحروب مياه عالمية قادمة ، لأن الحق لايعطى لمن يسكت ُ عنه ، وعلى المرء أن يحدث بعض الضجيج ليحصل عليه” على قول أيقونة النضال ضد التمييز العنصري ” مالكوم اكس ” ولابد من – فضفضة – وبوح بين الأشباه والنظائر بين الفينة والأخرى وشبيه الشيء متفاعل معه ومنجذب اليه ،وحسب لسان الحق أنه قد أذاع سرا ،وأراح نفسا ، وأزاح هما ، وأحدث عصفا ، وعلى قول الشاعر العربي قديما :
وَلا بُدَّ مِن شَكوى إِلى ذي مُروءَةٍ….يُواسيكَ أَو يُسليكَ أَو يَتَوَجَّعُ
اودعناكم اغاتي