بين كذبة نيسان وعيد أكيتو المُنتحل
عيد أكيتو هو عيد ديني وثني سومري الأصل احتفل به السومريون، ثم نظَّمه البابليون بصلوات موجهة للإله مردوخ، واختفت أخباره في العصر الكاشي، أمَّا الآشوريين فقد اقتبسوا وغنموا العيد السومري ورمزه عن طريق البابليين بعد أن غزاهم الملك توكلتي ننورتا الأول (1244-1208 ق.م.) وأخذ (سرق) تمثال مردوخ كغنيمة، وقد احتفل به الآشوريون ليس تقديساً له، بل إرضاءً للبابليين لبسط سيطرته عليهم، فتوقف البابليون بالاحتفال به مائة عام، وتوقف الاحتفال به أيضاً ثمان سنوات في عهد سنحاريب +681 ق.م. واثنا عشر سنة في عهد أسرحدون +669 ق.م.، وأثناء الحرب بين آشور بانيبال +627 ق.م. ومش-شوم-اوكين، وآخر مرة تم الاحتفال بعيد أكيتو هو بحدود القرن الثاني قبل الميلاد في مدينة الوركاء.
من صلاة اليوم الخامس لعيد أكيتو الموجهة للإله مردوخ،
ينهض الكاهن قبل شروق الشمس، ويتوضأ بماء دجلة والفرات المحفوظ في المعبد، ثم يلبس جلباب اسمه جدالو ويأتي أمام الإله مردوخ ويصلي:
إلهي الذي لا إله غيره
إلهي إلهي ملك البلدان
إله السماء والأرض الذي يقرر المصائر، كن في سلام
وبعد أن يٌنهي الكاهن صلاته أمام مردوخ ينتقل أمام تمثال زوجته صربانيتم ويردد:
إلهتي الرحيمة، إلهتي كوني بسلام
إلهتي الواهبة، إلهتي الطيبة جداً
إلهتي التي تقبل الصلوات، التي تمنح العطايا
ذكرنا أكثر من مرة أنه لا علاقة للآشوريين والكلدان الحاليين الجدد بالقدماء،فهم سريان انتحل لهم الغرب هذين الاسمين لأغراض سياسية استعمارية، عبرية، لأنهم من الأسباط العشرة من بني إسرائيل الذين سباهم العراقيون القدماء، وكانت لغتهم هي السريانية (الآرامية)، وفي القرن التاسع عشر الميلادي سَمَّت روما الطرف المتكثلك كلداناً، وسّمَّى الإنكليز الذين بقوا نساطرة، آشوريين، وبعد انتحال الاسمان الجديدان، صدقَّ الآشوريون والكلدان الجدد أو أنهم يريدون إقناع نفسهم أنهم سليلو القدماء فعلاً، ولما كان هدف تسميتهم سياسي هو تقسيم العراق، والعمل السياسي يتطلب عدة أمور، منها، علم، نشيد وطني، عيد قومي ..إلخ، فبدءوا بمراجعة تاريخ العراق القديم ووجدوا عيد اسمه كيتو.
سنة 1968م استغل الآشوريون الجدد هذا العيد العراقي القديم الذي لم يحتفل به منذ ما قبل الميلاد مطلقاً (وهذا دليل على أنهم ليسوا آشوريين، بل متأشوريين)، والمهم أنهم جيَّروا هذا العيد الذي يخص جميع العراقيين بكل أديانهم وأطيافهم، وسرقوه لصالح اسمهم مثل ما سرقه الآشوريون القدماء، فقرر حزب الاتحاد الآشوري في المهجر واسمه (Uau)، الاحتفال في الأول من نيسان بعيد أكيتو، كعيد وطني لهم، وأول مرة احتُفل به في التاريخ هو سنة 1970م، أي بعد سنتين من القرار، والحقيقة الكلدان لم يعيروا له أهمية في البداية ولأن الآشوريين يعتبرون الكلدان آشوريين، ففجأةً وبقدر قادر ونكاية بالآشوريين بدءا الكلدان يحتفلون بنفس العيد بعد سنة 2003م، ولكن باسم الكلدان طبعاً، ولما لاحظ الآشوريون أنهم فشلوا في جعل الكلدان آشوريين برزت للسطح تسمية العيد، الآشوري الكلداني أو البابلي، وهو تماماً مع حصل سنة 1912م عندما اخترع المطران الكلداني أدي شير عبارة كلدو وأثور، ومع أن هذا العيد سومري الأصل، لكن الملاحظ أن الآشوريين والكلدان الجدد الحاليين يركزون على هذا العيد العراقي فقط دون غيره، للقول للآخرين إننا الكلدان والآشوريين القدماء.
بعد سنة 2003م بدأ البطريرك النسطوري (الآشوري حديثاً) دنحا الرابع +2015م يوجّه رسالة تهنئة منتظمة بالعيد لرعيته، ناسياً أنه عيد وثني ومن الصدف أنه مرتبط بكذبة نيسان، تبعه أدي الثاني بطريرك الكنيسة الذي يرفض بشدة تسمية كنيسته آشورية، لكنه يُساير المتعصبين من رعيته، وبدأ بعضهم يطالب عدم تسميتهم، مسيحيين، بل آشوريين، مثل الكاهن برخو اوشانا الذي كتب (ليتهم يسمونا باسمنا القومي الآشوري، لا المسيحي)، أمَّا بطريرك الكلدان ساكو فلم يوجِّه رسالة تهنئة، لسببين، 1- إنه مُحرج لأنه يخضع لكنيسة روما الكاثوليكية التي نوعاً ما ملتزمة دينياً، فلم يلاحظ أن البابا هنأ بعيد أفروديت مثلاً 2- لأن الكنيسة الكلدانية عموماً لم تكن مسيسة قبل أن يتكلدن البطريرك ساكو سنة 2015م، وقد ذكرت في مقال سنة 1916م، عبارة (إن البطريرك ساكو لم يوجه رسالة لحد الآن، وربما يوجه مستقبلاً، والله أعلم)، وفعلاً صدقت توقعاتي، فبعدها بسنتين بدأ بتوجيه رسائل تهنئة.
كنت قد انتقدت البطريركين كوركيس صليوا (خلف دنخا) وأدي الثاني، بأن التاريخ لم يُسجل أن المسيحيين حتى العلمانيين احتفلوا بعيد أكيتو، وليس لرجل الدين عيد واحتفال غير الأعياد والمناسبات الدينية، فامتنع البطريركان توجيه رسالة سنة 2016م، فحيَّيتهما في 11/4/2016م، في مقال بعنوان:خطوة صحيحة لقداسة البطريركين كوركيس صليوا وأدي الثاني، قلت فيه: لم ألاحظ هذه السنة أن البطريركين كوركيس صليوا وأدي الثاني قد وجها رسالة بعيد أكيتو، وإن صح ذلك يكون البطريركان قد سجَّلا خطوة جديدة في الاتجاه الصحيح تستحق الثناء، وهي عدم توجيه رسالة تهنئة بعيد أكيتو الوثني، فالاحتفال بالأعياد التاريخية مقتصر على العلمانيين ومن كل الأديان، وليس على الكنيسة، فالكنيسة ليس لها إلاَّ تقويميان للاحتفال بهما فقط، هو عيد رأس السنة الميلادية، وعيد رأس السنة الطقسية الكنسية.
ويا ليتني لم أوجه لهما تحية، فبسبب تحيتي وتحت ضغط القوميين الآشوريين، التي اعتبروها خذلاناً لهم، عاد البطريركان ووجَّها رسالة سنة 2017م، وبعدها وإلى اليوم، تبعهما البطريرك ساكو كما ذكرنا.
منذ أن تُسَمَّى السريان النساطرة بالاسمين الجديدين، كلدو وأثور، دخلوا في مشاكل كثيرة فيما بينهم، وأصبح الاسمان مصدر إلهام لبعضهم (رجال دين ومثقفين)، فانطلقت أقلامهم تُمجِّد الآشوريين والكلدان القدماء على افتراض أنهم أحفادهم، وبدأوا تسقيط كل التاريخ على أساس قومي وسياسي حديث، وأصدروا عدة كتب ربطوا تاريخهم بالقدماء، واستبدلوا كلمة السريان الشرقيين والنساطرة من مصادر التاريخ وأسماء القواميس وغيرها، إلى كلمة آشوريين أو كلدان، كلٌ من جانبه، فنفس الكتاب أو القاموس، اسمه سرياني، يطبعه الآشوريون باسم آشوري، والكلدان باسم كلداني، ونفس الخبر عن قرية نسطورية في كتاب قبل 1000سنة، صارت عند الكاتب الآشوري اليوم، قرية آشورية، وعند الكاتب الكلداني قرية كلدانية، وهكذا، فحولوا تاريخهم، من تاريخ السريان الشرقيين أو النساطرة ،إلى تاريخ الآشوريين والكلدان القدماء، وبدأ الآشوريون الجدد يكتبون أن عمر السنة الآشورية هو 6770 سنة/ المصادف 2020م، وجميع ملوك العراق القديم من السومريين مثل نارم سين، والأكديين مثل أسرحدون، وغيرهما، هم آشوريون، والكلدان الجدد بدورهم يدرجون نفس الملوك وتسلسلهم بالضبط، لكنهم كلداناً، وليسوا آشوريين، ويبدو أن سنة الكلدان 7320، أطول من سنة الآشوريين، والحقيقة إن هذه السنين عبارة عن أساطير مثل كذبة نيسان، سواءً كانت منسوبة للكتاب المقدس، أم للعلم، فحسب العهد القديم العبري الأصلي، وُجد آدم على الأرض سنة 4004 ق.م.، وحسب السبعينية اليونانية، 4690 ق.م. وحسب التوراة السامرية، 3655 ق.م (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدَّس الثمين، ص568-576)، لذلك ربما تم احتساب عمر آدم الذي قضاه في الجنة قبل هبوطه على الأرض! (هنا أتكلم من الناحية الدينية ما تقوله المسيحية، مع ملاحظة مهمة، إني أُدرج السنين، ليس لتبنيها علمياً، لأن الكتاب المقدس ليس كتاباً علمياً، بل لأبيَّن أن الذين يدَّعون أنهم حراس وحُماة الكتاب المقدس من بطاركة الآشوريين والكلدان الحاليين الجدد، يخالفون كتابهم المقدس)، ويخالفون العلم أيضاً، فتاريخ وآثار العراق الحالي أقدم من تلك الأرقام بكثير، فقبل أن يأتي الآشوريون القدماء من الجنوب، وقبلها من جزيرة العرب، ويحتلوا شمال العراق الحالي حوالي سنة 2500 ق.م.، كان اسم المنطقة سوبارتو، ولم يبرز اسم الآشوريين بصورة واضحة إلَّا حوالي 1500 ق.م.، وإلى آخر ملك آشوري 612 ق.م. كانت البلاد تسمى سوبارتو، أما الدولة الكلدانية فعمرها 73 سنة فقط (ويقول طه باقر (عمرها 43 سنة فقط، فترة نبوخذ نصر)، وما قبلها هو، بابلي، لا كلداني، وحتى اسم بابل هو حديث منذ زمن حمورابي، وقبله لم يكن اسمها بابل، بل (كا. دنكر. را. كي، Ka. Dingir. Ra. Ki).
وشكراً/ موفق نيسكو