المستفيد الأكبر من تجارة الأسلحة البشعة هي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي –الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين– التي تستأثر مجتمعة بنسبة 88% من صادرات الأسلحة التقليدية المعلنة، هذا ما أكدته منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان.

 وفي ذات الوقت تعد الدول الفقيرة، بالخصوص دول الشرق الأوسط، المستورد الأول لتلك الأسلحة الفتاكة، ومنها البحرين والسعودية. فقد أعلنت بريطانية أنّ البحرين تُعد “سوق أولوية” لأسلحتها، رغم استمرار النظام البحريني بزج المدافعين عن حقوق الإنسان في السجون!. بينما تستمر بتزويد السعودية بالأسلحة المختلفة التي تستخدمها ضد المدنيين اليمنيين.

 فقد أكد نائب الرئيس التنفيذي في منظمة “اوكسفام” بيني لورنس “أنه في الوقت الذي تمد فيه بريطانيا يد العون الإنسانية لليمنيين عن طريق المساعدات الطبية والغذائية، إلا أنها تساهم في المقابل بتأجيج القتال العنيف عبر بيع الأسلحة والتقنيات العسكرية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في حربها ضد اليمن، ما يزيد من إمكانية ارتكاب جرائم حرب”.

 ونشرت صحيفة الغارديان مقالا للكاتب “ريتشارد نورتن تايلور” جاء فيه أن الحكومة البريطانية تعتبر بيعها للسلاح أولوية لها، مقدَّمة إياها على حقوق الإنسان وعلى هذا الأساس تتجنّب مضايقة الحكومة السعودية والضغط على البحرين. وتبرّر الحكومة البريطانية ذلك بالقول إنّه إذا لم تبيع المملكة المتحدة الأسلحة للسعودية والبحرين، فإنّ دولاً أخرى، بما فيها فرنسا ستفعل ذلك!

 إن تجارة السلاح، حسب ما يرى د. أحمد عَلّو (عميد متقاعد) في موضوع تجارة السلاح المنشور في 2010 في مجلة الجيش اللبناني بالعدد 305 “لا تقتصر على التجارة الرسمية ما بين الدول، ولكن هناك تجارة سرية تتم في الخفاء، سواء ما بين بعض الدول أو ما بين بعض الدول ومنظمات عسكرية، أو إرهابية، أو غير ذلك، أو ما بين بعض الشركات المنتجة وهذه المجموعات والمنظمات، وبواسطة عملاء متخصصين في هذا المجال، وقد يكون ذلك بمعرفة السلطات الرسمية في البلد المصدّر أو بدون معرفتها، لذلك فقد نشأت سوق موازية لتجارة الأسلحة الرسمية هي «السوق السوداء»، حيث يمكن شراء الأسلحة المختلفة (دون الثقيلة) وبأسعار تخضع لقانون العرض والطلب، وقد يتواطأ فيها رسميون مع مصانع السلاح وعملاء عالميون، حيث يتم تهريب السلاح إلى الزبون بطرق سرية، ويتم الدفع إما بالعملة الصعبة أو لقاء بدل معين قد يكون المخدرات أو بعض المعادن الثمينة أو أي بدل آخر يتفق عليه، سياسياً كان أم أمنياً، أو أي سلعة أخرى موازية.

 والحقيقة لا يمكن النظر إلى تجارة السلاح بأنها عمل تجاري، هدفه الربح فحسب، ولكنه يدخل في سياسات واستراتيجيات الدول الكبرى، وتحالفاتها مع الدول التي لا تنتجه، بل تجهد لشرائه، لذلك فهي تمنحه لبعضها لقاء تأييد سياساتها الإقليمية أو الدولية، وهي تبيعه لمن يقدر على دفع ثمنه نقداً، أو على فترات وعقود طويلة الأجل، وذلك انسجاماً مع مصالحها، وتوجهاتها، تحت شعارات شتى، منها، حماية الديمقراطية، أو محاربة الإرهاب، أو التطرّف، أو الشراكة الإستراتيجية الخ… ولكن الهدف الحقيقي هو حماية مصالح هذه الدول الكبرى، عبر تشغيل مصانعها العسكرية، وضمان أمنها المحلي والإقليمي والدولي، والمتمثّل في تأمين الموارد، وخصوصاً الطاقة من الوصول بشكل دائم لاستمرار تفوّقها، ورخاء شعوبها، ولو كان ذلك على حساب شعوب أخرى، ومصالح دولها، وأرواح أبنائها”.

 غريب جدا، أن يكون مُصنّع الأسلحة والمروج لها والمدرب عليها تارة، ومستخدمها مباشرة تارة أخرى، هو نفسه المدافع والمروج لحقوق الإنسان، وهو من ينادي بها، وهو من يتهم الآخرين، وهو من يحاسب على انتهاكها ويؤسس المحاكم الوطنية والدولية لمن يجعلها وسيلة فتك لأعدائه! فكما أن أكبر صناع الأسلحة في أوربا وأمريكا، فان أكبر المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان هي في أوربا وأمريكا أيضا!

 فكيف يمكن أن تكون الدول الكبرى نصيرة لحقوق الإنسان في الوقت الذي تصدر فيه الموت للآخرين. فكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الحملة الرئاسية، 1976 “لا يمكننا الحصول على الشيء ونقيضه. فلا نستطيع أن نكون النصير الرائد للسلام في العالم والمورد الرائد للأسلحة في العالم”.

 واضح أن الأسلحة التي تنتجها الدول الكبرى المدافعة عن حقوق الإنسان، إما أن تباع إلى حكام مستبدين، أو أنها تقع في أيدي جماعات إرهابية مثل القاعدة وداعش، فقد أكدت (حملة مناهضة تجارة الأسلحة) أن الأسلحة الفتاكة التي باعتها بريطانيا من قبل إلى البلاد التي مزقتها الحروب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد انتهى بها المطاف في أيدي قوات تنظيم داعش الإرهابي. وذكرت صحيفة (ديلي إكسبرس) البريطانية، على موقعها الإلكتروني، أن العديد من الدول -البعض منها يخوض غمار حرب أهلية حاليا- قد تخسر أسلحة بما يقدر بـ6 مليارات جنيه استرليني مصنعة في المملكة المتحدة، لصالح تنظيم داعش الإرهابي إذا استمر هذا التنظيم الإرهابي بمعدله الحالي في التوسع.

 لاشك أن الناس يموتون ويجرحون ويعاقون وتنتهك حقوقهم في الحياة والكرامة، وتدمر ممتلكاتهم وأشيائهم بسبب وجود وانتشار هذا الكم الهائل من الأسلحة الصغيرة والمتوسطة والثقيلة، والأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. حيث إن هناك الكثير من اللامبالاة في عمليات تصنع ونقل وبيع واستخدام الأسلحة. وبحلول العام 2020، سيتجاوز عدد القتلى والجرحى الذين يسقطون في الحروب وأعمال العنف عدد الوفيات الناجمة عن أمراض قاتلة مثل الملاريا والحصبة. وهو ما يؤشر إلى عدم احترام القانون الدولي الإنساني.

 تقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المؤتمر الأول للدول الأطراف في معاهدة تجارة الأسلحة 2015: “ما نشهده اليوم هو توفر هائل للأسلحة في أيدي الفاعلين على الأرض والجماعات والجيوش. وهذه الأسلحة تتسبب في معاناة مروعة بسبب عدم احترام القانون الدولي الإنساني، ما بين أشخاص يلقون حتفهم؛ وآخرين يعانون من إصابات خطيرة؛ ومستشفيات تتعرض للهجمات؛ ومناطق سكنية ومدارس تُستهدف أيضًا. وفي الوقت الحالي ما يزال التناقض صادمًا بين الالتزامات السياسية في معاهدة تجارة الأسلحة من جهة والسلوك الفعلي والسهولة التي تنقل بها الأسلحة للفاعلين الذين يضربون بالقانون الدولي عرض الحائط علانية من جهة أخرى”

 ومع استمرار تدفق الأسلحة، سواء من خلال النقل العلني أو الخفي أو من خلال التسريب، إلى بعض المناطق التي تشهد أشد النزاعات المسلحة وحشية، مثل تلك التي تشهدها بعض المناطق في الشرق الأوسط وأفريقيا اليوم، ومع استمرار انتهاك حقوق الإنسان في الحياة والعيش الأمان بسبب تلك الأسلحة المدمرة، ومن دون فرض قيود صارمة على صادرات الأسلحة واتخاذ تدابير لحماية الأشخاص من إساءة استعمالها؛

1- سيظل عدد آخر لا يحصى يعاني من العواقب الوخيمة لتجارة الأسلحة؛

2- وستزيد الأسلحة المتوافرة بسهولة من حدة الحروب وتطيل أمدها؛

3- وسيتعرض المزيد من الأشخاص للتخويف والترهيب ويُجبرون على ترك ديارهم؛

4- وستُمنع العائلات من زراعة المواد الغذائية لإطعام نفسها أو لكسب ما يكفي من المال لإرسال أطفالها إلى المدرسة.

5- وستستمر انتهاكات حقوق الإنسان ما لم تتوفر التزامات قانونية شاملة وواضحة، وتُطبق على قدم المساواة عبر أنحاء العالم كافة، ودون توفر مجموعة واضحة وقوية من قواعد الرقابة على تجارة الأسلحة، سيستمر الإنفاق العسكري المفرط بلا هوادة، مقوضًا الجهود العالمية الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية والحد من الفقر.