بناء الدولة والامة والنظام السياسي
د.احمد مغير
الدولة ليست ارض وسكان وحكومة فقط كما يتصور الكثير ممن يحكمون الدول المتخلفة ومن سكانها الذين تعودوا على الحياة فيها خانعين لامر الحاكم ويمكن حكمهم كما يشاء الحاكم وبطانته ,هذه الدولة أن صحت تسميتها حاليا هي(الدولة الفاشلة) ,وهناك لو عددنا الكثير من الدول الفاشلة .الدولة الحقيقية هي دولة المواطنة والحقوق والواجبات.
بناء الدولة يحتاج عددا من الاسس اهمها واولها وجود نظام سياسي مستقر لتداول السلطة قائم على دستور معترف به ومقبول من السكان بجميع مكوناتهم .النظام السياسي هو اهم مايتم الاتفاق عليه وبناؤه قبل ان يستقر البلد ,النظام السياسي هو كوضع القطار على السكة الحديد لا يمكنك ان تسير بالقطار او بالبلد اذا لم تضعه على السكة او الطريق الصحيح لان النظام السياسي وبغض النظر عن شكله ,اشتراكي او راسمالي ,دكتاتوري او ديمقراطي ,الاستقرار والاتفاق هو المهم ولكن هناك قواعد رئيسية يجب ان يضعها اي نظام في حسبانه لضمان الاستقرار .
1-شكل وتركيب النظام السياسي: اي هل هو نظام رئاسي او برلماني وعدد غرف البرلمان وصلاحيات كل سلطة من السلطات, لا يوجد نظام سياسي نموذجي ويجب ان يعرف المواطن العربي انه لا يوجد نظام سياسي يصلح لاي بلد ,والانظمة السياسية الغربية الديمقراطية مختلفة تماما في داخلها عن بعضها وليست متطابقة كما يظن المواطن العربي فقط لانها ديمقراطية وغربية فالفارق بين النظام الامريكي والنظام البريطاني كبير من ناحية التأمينات الاجتماعية وهي المهمة لابناء الشعب وكثير من نظم الحكم الاوروبية اقرب الى الاشتراكية منها الى الرأسمالية من ناحية التأمينات الاجتماعية.كل نظام له اركانه التي يعتمد عليها ولكن ما يميزها هو ان الانظمة السياسية الغربية اصبحت ناضجة بسبب وعي المواطن والخبرة السياسية المتراكمة التي اكتسبتها على مدى قرون من الصراعات والحروب والثورات وسيادة مبدأ المواطنة وتداول السلطة . النظام السياسي ليس شأن يقرره السياسيون او العسكر فقط بل هو قضية مصيرية اساسها الفكر ,الاسس الفكرية التي يقوم عليها النظام هو اهم مايمكن البحث عنه ,النظام السياسي يجب ان يكون له اساس فكري اي ان يشترك العلماء والمفكرون في وضع اسسه وقد رأينا كل الانظمة السياسية تعتمد على اسس فكرية وضعها الفلاسفة والمفكرون سواءا كانت انظمة اشتراكية او رأسمالية حتى ولو بشكل شكلي.
2-تداول السلطة :بالاضافة الى شكل النظام السياسي يجب وضع نظام لتداول السلطة كأساس حتى ولو كان ذلك مسألة نظرية وغير واقعية كما في بعض الانظمة ولكن المهم هو ان يكون مبدأ متفقا عليه في الدستور .التداول للسلطة هو اهم اسس الاستقرار السياسي وبدون تداول للسلطة فسيستمر الاضطراب والمشاكل.
3- الدستور او القانون الاساسي للنظام السياسي: الدستور هو وضع القواعد الاساسية للعبة السياسية التي يقوم عليها نظام الحكم وتحديد السلطات في نظام الحكم في البلد وفصل السلطات وصلاحيات كل جهة واصول المنازعات بين السلطات وكيفية حلها والحقوق والواجبات.وقد يكون مكتوبا اوعرفيا والدستور هو خط البداية الذي تتفق عليه الفعاليات السياسية لبديء عملية سياسية حقيقية وهو من اصعب الخطوات وخصوصا في البلدان التي تتنوع فيها المكونات والتي تمر بفترات من الاضطرابات وتفتقد الثقة بين مكوناتها والاهم هو الالتزام بتطبيق الدستور وعدم خرقه من قبل الاقوياء او الحكام او تنفيذه وفق اهوائهم.
4-مبدأ سيادة القانون اي ان الجميع يعترف بالقوانين المستندة الى الدستوراساسا للمنازعات بين المتخاصمين وليس مثلا الاعراف العشائرية او العودة لرجال الدين في الفصل في المنازعات كما يحدث اليوم في العراق حيث هناك ثلاث جهات تقوم بالفصل في الخصومات والمنازعات وهي العشائر ورجال الدين والقضاء مما يدل على عدم الاتفاق على اسلوب فض المناوعات وعدم احترام القانون الذي تم اصداره لفض المنازعات.
5-المواطنة والطبقات : المواطنة هي مبدأ يقوم على المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وامام القانون مما يشعر المواطن بأنه لا توجد فوارق بينه وبين غيره .اجتازت البشرية خلال تاريخها الطويل الكثير من الانظمة التي كانت تعامل البشر على اساس الطبقات وان هناك اختلاف بين طبقة واخرى والتاريخ البشري مليء بالامثلة وحتى في تأريخنا الاسلامي كان هناك تقسيم للناس على اساس طبقي بالرغم من ان الرسول ساوى بين الناس واعتبرهم كاسنان المشط ولا فرق بين عربي واعجمي .كان البشر يصنفون على اشكال متعددة على اساس الاحرار والعبيد ,او المواطنين والعبيد ,او السادة والمواطنين والعبيد ,او النبلاء وعموم الناس والعبيد ,او يتم تقسيهم الى عدة طبقات كطبقة الحكام او الامراء وطبقة رجال الدين وطبقة كبار الموظفين وطبقة الفلاحين وطبقة العبيد وهكذا . توصلت البشرية بعد جميع الصراعات التي مرت بها الى ان البشر سواسية ولا يوجد سادة وعبيد ولكن لم تستطع المساواة بينهم ولازال الاستغلال من قبل الحكام والاقوياء والاغنياء للاخرين هو السائد.
6-الامة والشعب والقومية: الشعب هو سكان البلد على اختلافاتهم ويمكن ان نسمي الشعب العراقي والشعب البغدادي والشعب البصري والشعب الموصلي والشعب الحلي وشعب المحمودية وشعب مركز المدينة وشعب الاهوار . اما القومية فهي العرق او العنصر او الاصل ومكوناتها الاصل المشترك او رابطة الدم واللغة المشتركة مثلا القومية العربية والقومية الكردية والقومية الفارسية والقومية التركية وتشترك في انهم من اصول وراثية يفترض واحدة اي دمهم واحد ولغتهم واحدة اويشتركون في اصل اللغة .
اما الامة فاكبر من ذلك ومع اننا نستخدمها استخدامات متباينة فالحقيقة ان الامة تجمع خواص محددة واهم مايميزها هو الثقافة المشتركة والاهداف المشتركة والمصالح المشتركة ,وقد تربط بينهم الجغرافية او التاريخ او اللغة او الدم كعوامل اضافية ونحن كثيرا مانستخدم تسمية القومية او العنصر للدلالة على الامة ولكن حديثا توسع مفهوم الامة ليعني وخصوصا في الادبيات الغربية شعب دولة واحدة مهما اختلفت الاصول المكوناتية او العرقية بينهم. بناء الامة ركيزة اساسية على طريق بناء الدولة المستقرة ,ففي العراق وبسبب عدم الاستقرار الذي مر به البلد ولقرون طويلة لم تتشكل معالم الامة بقي العراق يتشكل من عرقيات تدعي كل منها انها امة واحدة تختلف عن بقية العرقيات ومع ان هذا صحيحا ولكنه بحاجة الى ايضاح ان اغلب دول العالم تضم عرقيات متعددة ولكن ذلك لا يعني انها امم متعددة ,وحتى لو تم استخدام مفهوم الامة بدلا من القومية واعتبرنا ان الامة العربية على اساس قومي او الامة الاسلامية على اساس الدين او الامة الكردية لكن مع الزمن ومع اختلاف المصالح سيتحول هذا الاستخدام الى استخدام شكلي فالعرب اليوم موجودون في 22 دولة عربية رسميا واستخدامنا لمصطلح الامة العربية لا يعني سوى الدلالة على القومية العربية ,وفي هذه ال22 دولة هناك اقوام اخرون يرجعون باصولهم العرقية الى قوميات او عرقيات اخرى كالتركمان والاكراد والفرس واللور والامازيغ والنوبيون والشركس والسريان والاشويون والكلدان وهناك اديان وطوائف ايضا مما يؤدي الى عدم وضوح دلالة المصطلح .الثقافة والمصالح المشتركة اساسان هامان لتكوين الامة ونحن نرى شيوع استخدام المصطلح الان على مستوى العالم الغربي للدلالة على الامة فالبلدان الاوروبية تستخدم كلا منها مصطلح الامة وهو مصطلح قديم ولكنه حديث في دلالاته الجديدة على الثقافة والمصالح والجغرافيا المشتركة.
*د.احمد مغير / طبيب اختصاص وباحث