حمد جاسم محمد الخزرجى/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية

 

كانت عملية مقتل عزت الدوري أحد أركان النظام السابق على أيدي قوات الحشد الشعبي في منطقة علاس بجبال حمرين مهمة جدا وذات تأثير كبير في الحرب على داعش، إذ كان حلقة الوصل بين حزب البعث المقبور وبعض التنظيمات المسلحة التي كانت تنشط في محافظة صلاح الدين إضافة إلى تنظيم “داعش” الإرهابي.

 إذ كثُرت التساؤلات في الآونة الأخيرة عن مدى متانة العلاقة بين البعث الصدامي وداعش والمنطلقات والقدرات التي مكنت تنظيم داعش من اجتياح مناطق واسعة شمال العراق، وتكمن تلك التساؤلات من واقع أن مناطق مثل محافظة نينوى وبالتحديد مركزها الموصل أو مدينة تكريت، تأخذ حيزاً جغرافياً كبيراً، وهي في حاجة بالمعنى العسكري البحت إلى عدد لا يستهان به من المسلحين القادرين على تغطية هذه المساحات وتأمينها، إلا إذا تم توفير “بيئة حاضنة” وغطاء سياسي وأمني كبيرين، بالإضافة إلى دعم عدد من الجماعات السياسية التي تحتل مكانة ضمن هذه البيئات، وفي طليعتها ” البعث الصدامي” المنحل، وأتباع الطريقة النقشبندية، وهي الجماعة التي ينسب إلى المجرم عزة الدوري قيادتها.

 في خطاب عزت الدوري في يوم الأحد 13 تموز2014، بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل في 10 حزيران 2014، أيد، التنظيمات المسلحة التي شاركت في السيطرة على مدينتي الموصل وتكريت وخاصة تنظيمي (داعش والقاعدة)، ووصف ما يحصل بـ الثورة ضد الاستعمار الصفوي، وفيما دعا المشاركين في العملية السياسية إلى التبرؤ منها، أكد أن تحرير بغداد قاب قوسين أو أدنى، وان “جيش (النقشبندية) المرتبط بحزب البعث جناح الدوري، غالبا ما ظهر في الأماكن، وسرعان ما يأخذون الصورة ويسجلون الأفلام ثم يختفون بين عامة الناس، وفي أحداث العاشر من حزيران، ظهرت بعض جيوب جيش رجال الطريقة النقشبندية، في أحياء من الموصل ورفعت صورة عزت الدوري، ولكنها سرعان ما اختفت لإبعاد الشبهة عنهم، وعلى الرغم من قيام داعش بقتل اثنين من الجماعة النقشبندية في 15/6/2014، بسبب رفعهم صور عزت الدوري، وفي يوم ١٨ حزيران وفي منطقة الحويجة قتلت داعش (١٧) من النقشبندية، الا إن وجود عزت الدوري في جبال حمرين معقل داعش يطرح أكثر من سؤال، وأعلن الدوري بشكل علني تأييده موجة “الربيع العربي”، وقال في أحد تسجيلاته إنه “يؤيد قيام الثورة في سوريا والانتفاضة في المحافظات السنية في العراق.

 وجيش النقشبندية أو جيش رجال الطريقة النقشبندية هم مجموعة من الموالين للنظام السابق، وعلى الرغم من اختلاف الرؤى الأيدلوجية والفكرية والأهداف، إذ يعد تنظيم داعش متشدداً دينياً ينحدر من إحدى اقوي التنظيمات الإسلامية المتطرفة (القاعدة) من أهدافه إعادة إحياء وإقامة الدولة الإسلامية، إما “النقشبندية” فيمثل الان الجناح العسكري لحزب البعث المنحل فصيل عزت الدوري الا انه اعتمد الأسلوب الديني ” الصوفية الإسلامية ” لكسب اكبر عدد من الشباب إلى صفوفه الا إن العامل المشترك فيما بين التنظيمين هو إسقاط العملية السياسية بالعراق.

 ولأجل الوقوف على العلاقة الجدلية بينهما اجري هذا التحقيق، وتاريخ العلاقة يعود إلى عام 1991 عندما عمدت قيادات النظام السابق إلى توطيد العلاقة بتنظيم القاعدة كما اتخذ التنظيم من العراق ملاذاً آمنا، وهناك مؤشرات على وجود “روابط” بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، وكانت هناك اتصالات على مستوى رفيع بين النظام السابق والقاعدة، كذلك وجود معسكرات للتنظيم في غرب العراق للتدريب واستغل النظام السابق تنظيم القاعدة لتصفية المعارضين بالخارج، وبعد سقوط النظام البائد وتولي ” عزت الدوري ” مايسمى بالمقاومة ضد العملية السياسية بالعراق وتشكيل حركة (رجال الطريقة النقشبندية) حيث كان يقوم بالتنسيق مع باقي الفصائل المسلحة المرتبطة بالقاعدة باستهداف الأجهزة الأمنية العراقية والإشادة بالعمليات الانتحارية التي تستهدف المدنيين بكل بقعة من العراق باسم الجهاد والثورة.

 وبعد التدهور الأخير الذي حصل في العاشر من حزيران بمدينة الموصل، وفي الثاني عشر من تموز بث تسجيل صوتي منسوب إلى ” عزت الدوري ” يدعي إن ما حصل في نينوى وصلاح الدين “من أعظم أيام تاريخ العراق والعرب بعد أيام الفتح الإسلامي” وأضاف إن “الانتصارات المتلاحقة في الأنبار وفي ديالى وعلى مشارف بغداد وفي التأميم قد شكلت انعطافا تاريخيا هائلا في مسيرة الأمة الجهادية”، إن إشادة الدوري بدور المجموعات المسلحة بما فيها تنظيم داعش، التي كان لها باع كبير في قتل آلاف العراقيين بالتفجيرات، هي دليل على العلاقة بين الطرفين، لذلك فان إرهابيي النقشبندية ساعدت داعش في تحقيق عدد من الانتصارات العسكرية المهمة، بما في ذلك الاستيلاء على الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، كما أعطت المجموعات الإرهابي، الذي يتألف إلى حد كبير من المقاتلين الأجانب، درجة من المصداقية السياسية المحلية في العراق، إذ يتكون جيش رجال الطريقة النقشبندية، والذي تشكل كمجموعة مقاومة في عام 2006، من عدد من المسؤولين البعثيين السابقين والضباط العسكريين المتقاعدين، ويقوده عزت الدوري، الذي كان واحدًا من أهم المطلوبين خلال الاحتلال الأمريكي، والجدير بالذكر إن عزت الدوري تولى قيادة البعث بعد إعدام الطاغية صدام، وهو متهم بالمشاركة في إعدام المئات من الجنود العراقيين في المجزرة المعروفة باسم سبايكر في حزيران/ يونيو من العام 2014.

كذلك العلاقة بين الدوري ودول الخليج العربية وخاصة السعودية، ظهر ذلك من خلال تأييده لـ عاصفة الحزم، وعدها عودة قوية للقومية العربية، وطالب التحالف العربي بالتدخل لوقف المد الإيراني في العراق والمنطقة، وهذا يبين حجم التعاون والتنسيق بين البعث وداعش والسعودية، وجرائمهم بحق الشعب العراقي والسوري، وهذا يدل على إن الدول الداعمة للإرهاب في العراق مثل السعودية وقطر، قد دفعت باتجاه توحيد صفوف داعش وأزلام حزب البعث، والضغط على رجال العشائر لتوسيع العمل العسكري الذي حددت ساعة الصفر فيه احتلال الموصل، وهو كان واضحا من عدم انتقاد هذه الدول لأعمال داعش الإرهابية ضد العراقيين، بل واعتبارها ثورة شعبية ضد الحكم في العراق.

 إن داعش والبعث الصدامي وجيش النقشبندية الإرهابيين ليسوا حلفاء طبيعيين، فداعش تهدف لمحو حدود العراق الحالية وإقامة الخلافة، في حين أن جيش البعث النقشبندية هم حركة علمانية إلى حد كبير يسعى لاستعادة السلطة الرسمية والتأثير الذي كان عليه قبل الغزو الأمريكي في عام 2003. لكنّهما يتفقان في معارضتهما وكراهيتهما للعملية السياسية وللنظام السياسي والحكومة العراقية التي تشكلت بعد 2003، كما إن البعثيين وجدوا في داعش العضلات، بينما حصلت داعش على الشرعية المحلية من خلال البعثيين، والكل يعرف إن البعث الصدامي هو حزب استمر ووصل إلى السلطة من خلال المؤامرات، واستغلال الظروف للوصول للسلطة، والكل يعرف كيف وصل الحزب للسلطة في العراق عام 1968، من خلال الانقلاب العسكري الذي ساعدهم فيه مدير الاستخبارات عبد الرزاق النايف وقائد الحرس الجمهوري إبراهيم الداوود، وكيف تم التخلص منهم في 30 تموز 1968، لذلك سميت ثورة 17-30 تموز، ونفس العملية قام بها صدام من خلال تصفية أعضاء الحزب الآخرين عام 1979، بحجة التآمر على النظام، لذلك ربط الحزب مصيره بداعش وذلك على أمل الوصول للسلطة في العراق ومن ثم التخلص من داعش، وعلى الرغم من تصريح لأحد أعضاء الحزب في الأردن بعد مقتل عزت الدوري قال إن حزب البعث حزب قومي وعلماني ولا يؤمن بالحكم الإسلامي، ولايقبل إعمال داعش ضد العراقيين، الا إن هذا التصريح بعد مقتل الدوري مناف للحقيقة، فمن المعروف عن المجرم الدوري كان يمثل الخط الديني ضمن “البعث الصدامي” العلماني وهو من مؤسسي الطريقة الدينية النقشبندية، كما أن العديد من المراقبين يعتقدون أن الحملة الإيمانية التي أطلقها المقبور صدام قبل العام 2003، هي في الحقيقة من أطروحات المجرم عزت الدوري، لذلك فان خط الطريقة النقشبندية الديني كان الطريقة للتقريب بين داعش والبعث الصدامي.

 خلاصة القول، إن مقتل الدوري سوف يحدث شق للصفوف بين المتمردين السنة ولا سيما محاولة خلق التصدعات بين هذه الفصائل المتطرفة المتحالفة في الوقت الحاضر مع تنظيم داعش والتي تمكنت من السيطرة على معظم مناطق شمال العراق وغربه خلال الأشهر القليلة الماضية، لأن هذا التحالف، هو “زواج منفعة”، بين داعش وتنظيمات البعث النقشبندية، ممن يحاربون عدوا مشتركا، متمثلا بالحكومة العراقية، ويخضع لضغوط عديدة وهناك أمال كبيرة بحدوث تصدعات في العلاقة بين الفصائل السنية المتحالفة بعد مقتل عزت الدوري.

 إن مقتل عزة الدوري سيكون مؤثر على جناحه بشكل واضح وكبير، وقد ينتهي هذا الجناح للأبد كما انتهى كيان الحزب بالنظر إلى عدم وجود قيادة واضحة تخلفه، وأن جناحه ليس بالكبير والمنظم الذي يمكنه استخراج قيادة جديدة تمتلك كاريزما أو شخصية تجلب دعم ومؤيدين، ومن الواضح إن ذلك سيؤثر على جيش النقشبندية ذلك لأن هذا الجيش الصوفي أساسا قد تفاوتت الروايات حول قيادته ونشأته، وعلى الرغم من تفاوت الروايات بين قيادة وتبني الدوري للتنظيم، فان النتيجة مفادها ذلك سوف يؤثر على النقشبندية عملياً، كما مع تنظيم داعش الذي يحوي عدد كبير من بعثيين وضباط سابقين في الجيش العراقي، انضمام هؤلاء للتنظيم لايعني المقاتلة بعنوان وهدف البعث أو الجيش السابق بل وجدوا غايتهم في الانتقام من خلال التنظيم واتبعوا فكره متخلين بذلك عن أفكارهم السابقة، وإلا فالبعث المنحل لايلبي طموح هؤلاء لأفكاره القومية وغيرها، كما إن البعثيون العراقيون لم يعد يمكن تجميعهم بالنظر للمشاكل الطائفية القائمة التي ساعدت في تفرقهم مما دعا للتخلي عن فكرة البعث والبحث عن أفكار تمثل الطائفة أكثر، وبهذا فان مرحلة المصالح بين البعث وداعش النقشبندية سوف تنتهي، خاصة بعد هزائم داعش في صلاح الدين.