بقلم اسعد عبد الله عبد علي
عمل الطاغية صدام على تقريب رجال الفلوجة منه, عبر تسليمهم المناصب والحساسة في الجيش ومؤسسات الدولة, مقابل إقصاء الأغلبية, بهدف أحداث شرخ في بنية المجتمع العراقي, وإظهار أهمية الخضوع له, كما فعل بعض رجال الفلوجة, الذين تحولوا لأدوات صداميه في عملية تدمير الوطن, وبعد سقوط الصنم, كان يجب أن يفكروا بعقلانية, ويتفهموا حق الأخر, لكن كان من المستحيل أن يتجهوا لحكم العقل, بسبب الثقافة البدوية المسيطرة عليهم, وانتمائهم الوثيق للطاغية صدام, لأنهم عاشوا تحت خيمة عطاياه, عندها لم يندمج أهل الفلوجة مع التغيير, لان اغلب مكاسبهم رحلت برحيل صدام, ثم انساقوا خلف جوقة الأعلام العربي, الذي أراد لهم أن يكون خنجر في خاصرة الوطن, فتمت هذه الأمنية بدور دموي حقير.
نحاول هنا أن نشير لأهم الأدوار التي اجتهدت في تحقيقها, مجاميع الإرهاب من مدينة الفلوجة:
الدور الأول: سلوك قطاع الطرق:
الطريق نحو الأردن, من أهم الطرق التجارية للعراق, فهو كان الممر الرئيسي للسفر, في فترة توقف مطار بغداد, وانقطاع شركات الطيران العالمي عن الذهاب إلى بغداد, فكانت الحركة النقل عبر مدن الانبار ومنها الفلوجة, لكن بدل أن يكون سلوكهم في خدمة المسافرين, أو أن يتم الاستفادة التجارية, عبر افتتاح مطاعم ووسائل الخدمية, التي تسهل ما يحتاجه المسافرين والتجار وخطوط النقل, عمد رجال الفلوجة لانتهاج أسلوب قطاع الطرق, فأحيانا يفرضون رسوم كي تعبر الشاحنات, وأحيانا يأخذون جزء من البضاعة, وأحيان أخرى يخطفون ليأخذوا فدية, ومرات كثيرة يقتلون بدم بارد.
وعملت بعض الوزرات لأسباب خفية, بان تجعل كل استيراداتها تمر من طريق الأردن الفلوجة, متجاهلين طريق البصرة بغداد, وهكذا كانت الغنائم وفيرة لجماعات مسلحة, لكن المال الحرام يحرق أهله, وهو ما حصل لاحقا.
فهل من الوطنية أن تتحول عشائر برجالها الى قطاع طرق, وهل من الشرف ان يأتمروا بأمر الأجنبي, على الطعن بأبناء البلد, وهل من قيم العروبة (كما يدعون) ان يتحولون الى مجرد لصوص وقتلة وسفلة, انظر الى مدى الضياع الذي حصل لرجال الفلوجة, عندما قرروا أن يخربوا بلدهم, فإذا ببيوتهم تهتك, ومدنهم تخرب, والمستقبل يضيع منهم, عسى أن تصحوا ضمائر النائمين.
الدور الثاني: الارتماء في أحضان القاعدة:
ثم تطور عمل رجال وقيادات مدينة الفلوجة, مع استقبالهم للمجرمين والقتلة العرب والأجانب, من أعضاء تنظيم القاعدة, وانتماء رجال الفلوجة وأبنائهم الى تنظيم القاعدة ثم الى داعش, أما منصات العار فقد كشفت المخفي, حيث كانوا يرددون شعارات القاعدة بافتخار, ويرفعون أعلام القاعدة من دون أي خجل, فالقاعدة قتلت ألاف من أبناء العراق, فكيف يرتضي رجال الفلوجة الافتخار بالانتساب لها, هذا دليل على التماهي التام ما بين رجال الفلوجة وتنظيم القاعدة, حيث تعاليم البعث الكافر هي نفسها تعاليم معابد القاعدة, فتحول سلوكهم الى قتل على الهوية, فأصبح الطريق للأردن طريق رعب, بسبب السلوك المشين لرجال الفلوجة الوهابيين, بفعل سطوة الفكر التكفيري على الفلوجة, وعلى الانبار بصورة عامة.
وكلما حاولت الدولة التدخل, ينعق ساسة السوء من المكون السني, دفاعا عن قطاع الطرق والإرهابيين تحت عنوان أنهم مهمشين, وان الدولة تقتل بعنوان الانتقام من عوائل البعثيين, مع أن ما حصل, هو أنهم ومن اليوم الأول لسقوط الطاغية, التزموا خط الولاء لصدام والبعث, عبر تنفيذ عمليات القتل والتدمير, كما كانت وصايا نظام الطاغية لإتباعه, في الفترة التي تلي زوال لحكمه, حيث ألزم أتباعه ومحبيه بافتعال الفوضى, عبر القتل والتفجير والسلب والنهب, وقد وجدوا في تنظيم القاعدة العون على تنفيذ جرائمهم, مما حول الفلوجة لخنجر مسموم بخاصرة الوطن.
الدور الثالث: نشر تعاليم الذبح والتكفير:
تحولت جوامع الفلوجة لأهم مدرسة تكفيرية, لنشر تعاليم التكفير والذبح, وانطلاق فتاوي الأجرام , ومن خلال جوامع الفلوجة تم تنظيم خلايا الجريمة, وعبر مشايخهم أسست جيوش الكفر والضلال, ومع الأسف كانت بيئة الفلوجة ارض خصبة, لزرع الفتنة وحصاد ثمرها, حيث النفس الطائفي الذي غذاه المجرم صدام وخادمه الذليل وعزة الدوري, في تسعينات القرن الماضي, عبر تشجيع منظم لنشر تعاليم دين الوهابية, مما جعل أفكار ابن تيمية المنحرفة, تتحول لقيم ومبادئ للكثير من أهل الفلوجة وما يحيطها من مدن, مما جعلها متهيئة لأي دور قذر مستقبلي, وهو ما حصل بعد عام 2003.
أفكار ابن تيمية ما أن دخلت قرية أو مدينة, إلا نشرت الفتنة فيها, لانحراف أفكار ابن تيمية عن الدين الإسلامي, فكانت الفلوجة بصبغة وهابية, فنشأ جيل متشبع بالفكر التكفيري, وكان هذا الجيل هو وقود القاعدة وداعش, للانطلاق نحو جرائمها في العراق, فانظر لحجم الجريمة التي قام بها شيوخ منابر الفلوجة.
الدور الرابع: ارض الفلوجة الملاذ الأمن للتكفيريين العرب والأجانب:
منذ عام 2003 والفلوجة فتحت أبوابها للوافدين العرب والأجانب, ممن ينتسبون للقاعدة ومن ثم لداعش, من مجرمين المعمورة, حيث شاركوهم بيوتهم, وتنازلوا عن الكثير, في مقابل تحقيق رضا قيادات القاعدة وداعش, فمع أن كل العراق يسعى للقضاء على القاعدة والدواعش, فإذا بالفلوجة ومن على شاكلتها تكون المكان الأمن للقتلة وسفهاء المعمورة, فكان انطلاق الإرهابيين من مدينة الفلوجة, صوب المحافظات العراقية, حيث يجري استعدادهم وتجهيزهم في الفلوجة, بل حتى معامل تفخيخ السيارات وصناعة العبوات, كانت في الفلوجة, فتعمل بجد لتدمير البلاد.
هذا الدور كان شديد القسوة على العراق, فمحنة كبيرة أن يكون جزء من أبناء البلد الواحد, خونة ويسعون في خرابه, واعتقد أن كبار الفلوجة لم يكونوا يملكون رؤية للمستقبل, واعتبروا أنفسهم جزء من كيان صدام, لذا اتبعوا تعليماته حرفيا, والنتيجة خراب بيوتهم, بواسطة من استضافوهم, حيث تسلطوا عليهم وأذاقوهم طعم الذل.
هذه الأدوار الأربعة التي التزمت بها الفلوجة, ومن على شاكلتها طيلة 13 عاما, وهي لن تقود لخير أبدا, بل هي مجرد ادوار تدميرية, سعت لها الصهيونية ومحور أمريكا, بغية أرباك دولة العراق وعرقلتها عن النهوض, وهو ما حصل الى ألان, حيث نجحت الفلوجة بعرقلة العراق من التطور والنهوض, فهل هناك أبشع من دور رجال الفلوجة, في أن يكون عونا للغريب, في سرقة وذبح وتدمير البلد.
نتمنى بعد عمليات التحرير أن تصحوا ضمائرهم, ويفكروا كبشر وليس كقتلة ومجرمين, فان طريقهم الذي هم سلكوه منذ عام2003, لن يقودهم ألا الى دمارهم ودمار بلدهم.