مرة اخرى يضرب الارهاب بقوة القارة العجوز ، متحدياً هذه المرة البلد الذي يوجد فيه اهم مقرين اوربيين هما حلف النايتو والاتحاد الاوروبي ، ومتجاوزاً صرامة الاجراءات الاوروبية المتشددة التي اعلنت عنها اغلب دول القارة منذ تفجيرات العاصمة الفرنسية باريس قبل اكثر من عام.
ومع تشابه سيناريو التفجيرات بما حدث مع عملية شارلي ابيدو ومترو باريس، لكن هذه المرة الضربة اخذت بُعداً اكبر على اعتبار انها مثلت ردة فعل سريعة على اعتقال العقل المدبر لتفجيرات فرنسا التي راح ضحيتها اكثر من 130 قتيلاً ، وذلك بعد ان القت السلطات البلجيكية القبض على صالح عبد السلام في عملية دهم باحدى احياء العاصمة البلجيكية بروكسل. كما انها وقعت بعد الاجراءات التي اعلنت عنها دول اوروبا بالحد من ظاهرة تدفق المهاجرين اليها وانتقاد الكثير لبعض الدول التي تعاملت مع هذا الملف باهتمام كبير كالحكومة الالمانية التي استوعبت وفتحت الابواب امام المهاجرين من كل بقاع العالم وليس من الشرق الاوسط فحسب.
فالمتتبع للمشهد الاوروبي حيال هذه التنظيمات الارهابية التي تنشط هناك ، سيجد ان اجراءات الحد من تجنيد الشباب الاوروبي ومتابعة تحركاتهم لم توقف التهديدات التي تواجه اغلب دولها والتي اقدمت بعضها على اعتقال رجال الدين من المسلمين في اوروبا ، ومتابعة خطبهم على المنابر ، لاسيما التي تثير منها سخط الشعوب الاوروبية.
لقد باتت العواصم الغربية تدرك تماماً الرغبة الجامحة لتلك التنظيمات الارهابية في شن هجمات تزعزع الامن فيها. ليبقى الخاسر الوحيد في دوامة العنف الاوربي هم المسلمون والعرب الذين يعيشون حالة الحرج ، فمنذ عام 2004 الذي حدثت فيه تفجيرات مدريد الى يومنا هذا فشلت اوربا ودولها المتقدمة من الحد من العمليات الارهابية بل ازدادت في السنوات الاخيرة خصوصا في فرنسا التي يعد تعداد المسلمين فيها قوام خمسة ملايين مسلم واللذين يعانون من العداء المستمر بعد تصعيد اليمين المتطرف في فرنسا ومطالبته باجلاء المسلمين من فرنسا كلما غرس الارهاب معوله في العمق الاوربي .
وهنا لابد ان اقول ان الاستنكار والتنديد لايشفع بقدر جدية محاربة هذه الحركات التي اساءت كثيرا الى الاسلام وشوهت صورته الحقيقية، حتى باتت العقول العفنة وعمليات غسل الادمغة التي يتبناها المتشددين من الفكر الوهابي والسلفي دوامة تلتف حول المسلمين والاسلام في اوروبا. فالمواقف الدولية كثيرة التي نددت وتندد دائما عندما تحدث مثل هكذا تفجيرات. ولعل من بين تلك المواقف جميعها أجد ان موقف الحكومية الروسية الاكثر وضوحاً وهو من وضع النقاط على الحروف عندما وصفت روسيا ان سبب اتساع رقعة الهجمات الارهابية هو عدم وجود رغبة حقيقة من دول العالم وخصوصاً الدول المنضوية تحت مايسمى بالتحالف الدولي لمحاربة داعش. أذ وصفت الحكومة الروسية وفي موقفها الرسمي ان بعض هذه الدول تؤطر لشرعية عمل بعض التنظيمات الارهابية تحت اسم ( ارهاب جيد وارهاب غير جيد) او تسميها احياناً معارضة للانظمة وهي اشارة لما يحدث في سوريا التي نخرتها افعال ارهابي جبهة النصرة وداعش وغيرها ممن ارتكبت جرائم حز الرؤؤس وحرق الابدان.
مخطأ جداً من كان يحسب ان ساحه المعركة مع داعش وغيرها تقتصر على العراق وسوريا، فالخلاص الحقيقي من الارهاب يتمثل في دعم معقول وواقعي تقدمه دول العالم المتطورة عسكرياً تجاه ما يجري في العراق وسوريا وغيرها من البلدان التي ابتليت بآفة الارهاب، والتي اضحت متجذرة خصوصاً بعد تبني من يسمونهم بالجيل الثالث في اوروبا لتفجيرات بروكسل بعد التعرف على هويتهم واعني الاخوة خالد وابراهيم بكراوي المولودين اصلا في بلجيكا ما يدحض ادعاء الكثير من ان هذه العمليات الارهابية التي وقعت مؤخراً يدير اغلبها المهاجرين اللذين هاجروا الى اوروبا عندما فتحت دول مثل تركيا ومقدونيا وصربيا حدودها امامهم عام 2015، ليندمجوا في مجتمعات اصبحت شعوبها تعيش حالة الذعر بشكل مستمر تحت اسم ( الاسلام فوبيا).