منذ انتخابات 2005 التي اتفق العراقيون فيها على صيغة صناديق الاقتراع لتداول السلطة، بدلا من اعتلاء الدبابات واقتحام القصر الجمهوري وإسقاط رئيس الدولة وتنصيب مغامر آخر، يقود بلاد الحروف والعجلة وشعلة كاوه بدلا من حمورابي أو نبوخذنصر أو الضحاك، منذ ذلك التاريخ وعجلة البابليين تسير دون أن تقنع هؤلاء الناس العجب بصحة هذه الصيغة في هذه المرحلة اعتمادا على النتائج التي أفرزتها ثلاث دورات برلمانية كانت كل واحدة منها أسوء من الأخرى، بدليل هذا التقهقر المتسارع في كل مناحي الحياة حتى أوصل قطاعات كبيرة من الأهالي إلى الإحباط واليأس والبلاد إلى الفشل الذريع!
وقراءة سريعة لسير أغلبية من أوصلتهم تلك الصناديق العشائرية والمذهبية إلى كراسي التشريع أو السلطة، تؤكد تطابق مثير بينهم من ناحية السلوك والأفكار والأخلاق وبين ما هو عليه العراق اليوم، بمعنى ” عاب شي ما يشبه أهله ” كما يقول المثل الدارج العراقي، فهم يمثلون حقا عصارة تفكير وسلوك أولئك  الأهالي الذين اشتركوا جميعهم بتأييد كل زعماء العراق وأحزابهم بذات الشعارات والهتافات، فلم يمض إلا عدة أيام على آخر مظاهرة حملوا فيها صدام حسين على أكتافهم صبيحة السابع من نيسان 2003م، إلا وخرجوا بعد يومين فقط هم أنفسهم يستقبلون القوات الأمريكية ” المحررة ” ويهرولون معها إلى تمثال ” القائد الضرورة ” ليسقطوه ويشبعوه ضربا بنعالهم!؟
وبصرف النظر عمن يعتقد إن القوة هي التي حولت الأهالي إلى قطيع وهي بالتالي السبب الرئيسي لذلك السلوك، ازعم إن تلك القوة كانت موجودة أيضا لدى كثير من الأنظمة في العالم، وإنها ربما ضعفت أو تلاشت بعد سقوط نظام صدام حسين إلى درجة كبيرة، أو تم استبدالها بخيارات أخرى تعطي نفس النتائج، وما الدليل على ذلك إلا ما حصل ويحصل في هذه البلاد وغيرها ممن رفعت عن فوهاتها تلك ” السدادات ” التي كانت تستر ما تحتويه من عفن سياسي واجتماعي وأخلاقي، وحينما انزاحت ظهرت كل هذه الصور البشعة التي نراها اليوم في بغداد ودمشق وطرابلس الغرب وصنعاء وغيرها من مدن الصقيع العربي!
ولنتساءل:
كيف نفسر أو نقتنع ببراءة مئات الآلاف أو الملايين ممن انتخبوا صدام حسين وحسني مبارك والقذافي والأسد وعلي عبدالله صالح أو ممن جاء بعدهم مما جرى ويجري الآن؟
وهل إن نوري المالكي وحزبه مسؤولون لوحدهم عما حدث وما زال يحدث في البلاد؟
هل كان صدام حسين وحده مسؤولا عن كل تلك الجرائم التي اقترفها هو وحزبه الذي ضم ملايين العراقيين والعرب؟
هل يعقل أن يكون نوري المالكي لوحده مسؤولا عن الخمسين ألف حرامي وربما أضعافهم في مفاصل أخرى من الدولة الفاشلة؟
هل تتحمل داعش لوحدها كل هذه الجرائم البشعة، أم إن هناك من ساعدها وسهل لها وشرع أو برر سلوكها؟
وأخيرا هل لدينا حقا نوعية ناخب تؤهله لانتخاب نوعية جيدة لأعضاء البرلمان والحكومة!؟

وقبل أن نجيب.. علينا أن نتذكر جميعنا…
منابر الجوامع وخطبائها والكنائس وقسيسيها وبقية معابد الأديان ورجالاتها، ثم نعود عشرات السنين إلى الكتاتيب والمدارس ومناهجها، والتربية الاجتماعية وما رسخته من مفاهيم وسلوكيات أخلاقية وقيمية ساعدت ونمت ثم بررت كل ما حدث ويحدث الآن، فالمعادلة غير متوازنة تماما بين نوعية الناخب ونوعية المنتخب، حيث لا يمكن أن يكون هناك منتخب جيد من ناخب رديء والعكس صحيح، وحتى تتم موازنتها ومعاجلة الخلل الكبير يبدو إن ما قاله الكاتب الشهير جورج اوريل من إن:

” الشعب الذي ينتخب الفاسدين والخونة والسراق واﻻنتهازيين ليس ضحية، بل شريكا في الجريمة ” كلاما معقولا ومنصفا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مفهوم المواطنة!