اسعد عبد الله عبد علي
مروان فتى مراهق لم يتجاوز السادسة عشر, طيب القلب كثيرا إلى حد السذاجة أحيانا, كان متفوق في دراسته, إلى أن تعرف على صديقه الجديد عدنان, وهو اكبر منه سنا, فتعلم منه كل العادات السيئة, فبدأ يرتاد مقهى في طرف الحي, فتعلم التدخين وأدمن شرب الاركيلة, وكون مجموعة أصدقاء سيئين من رواد المقهى, إلى أن تم الإمساك بعصابة ومعها مروان, وهم يحاولون السطو على احد بيوت الحي, فكان الانحراف نتيجة ارتياد المقهى المشبوه, الذي تحول لمستنقع لكل الخطايا.
بعد عام 2003 حصلت متغيرات كبيرة جدا على شكل المجتمع, بفعل الانفتاح الكبير أمام العالم, وعاصفة العولمة, مع دخول النهضة التكنولوجية في مجال الاتصالات والانترنت, والأكيد أن كل جديد يحمل كل الوجوه, ويعتمد على وعي الإنسان ونمط تفكيره وتربيته , فيكون تأثيره سلبا أو إيجابا بحسب الاستخدام, ومن مظاهر التغيير هي المقاهي و”الكوفي شوب” والتي انتشرت بشكل غريب, خصوصا في الأحياء الشعبية ! لكنها بصورة مظلمة, وليس كمنجز حضاري, فالكثير من هذه المقاهي بؤرة للفساد والرذيلة والشذوذ, ويرتادها السراق والمنحرفين, وأصبحت خير مكان لتناول الخمرة والحشيشة والممارسات المنحرفة , والغريب أن لا تصلها يد القانون ؟!
فتخيل معي أن تتواجد مقهى في ارض مهجورة, ويديرها لص متقاعد! ماذا ستكون ؟ وماذا يقدم بها ؟ ومن مريدوها ؟ وماذا تقدم للمجتمع ؟
مقاهي مصدر للإزعاج والجريمة
يقول المواطن محمد. ا (43سنة ) من سكنة حي النصر : في حينا توجد عدد من المقاهي, وبعضها وسط البيوت مما تسبب إزعاج للجيران, لكن لا يوجد حل ! فلا جهة حكومية تنظم عمل هؤلاء, ولا جهة نلجأ لها لمنع الإزعاج ! لذا لا يوجد حل لمن يكون جاره صاحب مقاهى ألا أن يبيع بيته ويهرب! وهذا دليل على وجود خلل في القانون, الذي وجد لحفظ حقوق الناس! وفي حينا توجد مقهى في طرف حي النصر في ارض متجاوز عليها, وهذه بؤرة لتجمع المشبوهين, وأنا امنع كل من اعرف من أقاربي من الذهاب لكل مقاهي الحي, فمن يرتاد هذه المقاهي يصبح مشبوه, لأنها تجمع فقط المشبوهين, أتمنى أن تخضع هذه المقاهي للتفتيش المستمر من قبل الجهات المختصة, وكذلك منع فتح المقاهي قي البيوت أو وسط حي سكني لأنها لا تناسب الحياة الاجتماعية .
وأضاف المواطن أبو رزاق من سكنه المعامل : أنقذونا من هذه المقاهي فإنها أفسدت شبابنا , ابني محمد ترك المدرسة وأصبح عاطلا, وكنت اسعي لأجد له عمل لأشغله وأبعده عن بؤر الفساد, فشغلته في سوق منطقتنا, لكنه تعرف على شباب يذهبون ليلا لمقهى, فأصبح يدخن ويصرف كل ما يكسبه على التدخين والاركيلة, فقررت منعه من الالتقاء بأصدقاء المقهى, ومع الأيام تغير والتزم بعمله في الجامع, وصارحني أن المقهى كانت مكان للفساد, وكان صاحبها يساعدنا لنكون مدخنين ونشرب الاركيلة وحتى الخمر يباع فيها, فيشكرني كل يوم لأني أنقذته من السقوط في مستنقع الفساد والضياع, أطالب أن تقوم الدولة بغلق هذه المقاهي والمشبوهة, وان تعمل الدولة على بناء مقاهي حكومية منظمة ومرتبة, كي نحمي شبابنا من الضياع .
غياب القانون الذي ينظم عمل المقاهي
لو وجد القانون الفعال لما حصلت الانتكاسة للمجتمع, فلو كان هناك قانون فعال ينظم فتح المقاهي وعملها, مع تعليمات تلتزم بها, وفرق تفتيش تتابع ما يجري في هذه المقاهي, بالإضافة لفتح مكاتب استلام الشكاوي, لامكن تغيير الواقع, لكن بغياب كل هذا فلن تأتي إلا المصائب لمجتمعنا.
يقول السيد عبد الله (من سكنة حي طارق) : في العالم المتحضر لا يمكن فتح مقهى, ألا بأخذ تصريحات وموافقات حكومية, وتخرج لجان لتنظر هل يتوافق مكان المقهى مع حياة الناس, لكن في بلدنا السمة الأبرز هي الفوضى, فيستطيع أي شخص أن يفتتح مقهى في أي مكان, حتى لو فوق سطح البيت! وهو ما يحصل في أحيائنا الفقيرة , أنها مصدر خوف للعوائل على أبنائها, فمن يرتاد هذه الأماكن تجد أن سلوكياته تبدأ بالانحراف, فكم شاب كان متزنا ذو سلوك حميد, وما أن دخل عالم المقاهي حتى فسدت أخلاقه, وتحول إلى إنسان منحرف أو حتى لص حقير, وتجد من يصاحبه من نفس النوع الغير سوي, والمصيبة لا توجد جهة نشتكي لها, من هذه المقاهي العفنة, التي تنشر الفساد بين الشباب .
ويضيف المواطن محمد ألساعدي (من سكنه حي الرشاد) : المقاهي مشكلة كبيرة تهدد العوائل خصوصا المراهقين والشباب, الذين لم يكملوا تعليمهم حيث الجهل والبطالة, والمقاهي هو الخطر الذي يهدد مستقبل الشباب, ونسمع قصص محزنة عن انحرافات سلوكية لبعض المراهقين, لكن ليس بيدنا وسيلة للحل, والكل ساكتون فلا الجهات المختصة تغلق بؤر الفساد, ولا المنبر يثقف الناس على منع أبنائها من الذهاب لهكذا أماكن مشبوهة, فالتقصير عام, واجد الحل في تنظيم فتح المقاهي عند طريق موافقات حكومية, وان تشترط الجهات المختصة الالتزام بتعليماتها, لمن يريد افتتاح مقهى, بالإضافة إلى تشكيل لجان تفتيشية على المقاهي, للحد من المخالفات ولحماية المجتمع من عديمي الضمير.
نقص مجالات الترفيه هو السبب
السيد علي الموسوي (من أهالي مدينة الصدر) يضيف رأي مهم, حيث يقول : اعتقد أننا أمام مشكلة كبيرة, سببها غياب مجالات الترفيه للشباب, خصوصا في الأحياء الفقيرة والأطراف من بغداد, حيث تناستها الدولة, فلو تتواجد متنزهات كمتنزه الزوراء بقرب أحيائنا ,لامكن التخلص من بؤر الفساد المقاهي, ولو تقوم الدولة بإنشاء مركز معرفي, مثلا مكتبة ضخمة ويلحقها بها “كوفي شوب” متطور وكبير, مع حدائق وخدمة الشاي والعصير, وسينما محترمة تقدم برامج وأفلام هادفة لنشر المعرفة ورفع الوعي, لتغير حالنا ولترك الشباب هذه المقاهي السيئة, لكن لا حلول ولا قوانين تنظم حياتنا, فكل شيء متروك للفوضى, مما سبب ضياع فئة واسعة من الشباب, بسبب الكثير من أصحاب المقاهي من عديمي الضمير .
المجالس البلدية أساس الخلل
وجدت المجالس البلدية كي تنظم حياة الناس, وتسهم في الوصول لحقوقهم, لكن مع الأسف المجالس البلدية في اغلب أحياء أطراف بغداد, لا تعمل شيئا للناس بل هي تسهم في الخراب, عبر تواطؤها مع المقاولين, عبر حصص ونسب مقابل السكوت, بالإضافة لكسلها وعدم مبالاتها بأي مشاكل تحصل في الإحياء, فهي تتجاهل المقاهي وما تسببه من مشاكل, لأنهم ما بين الخوف والاغراء.
يقول المواطن حسين.ك (طالب جامعي من أهالي ألعبيدي) : أنا أجد الخلل الأكبر ناتج من المجالس البلدية, والتي تركت مسؤوليتها وسمحت بنشوء هذه البؤر الفاسدة وسط الإحياء الفقيرة ! فكيف تسمح بفتح هذه المقاهي بين بيوت الناس, وتتسبب بالإزعاج إلى ساعات متأخرة من الليل ؟ وكيف لا تتعاون مع الجهات المختصة في استئصال بؤر الفساد, التي تعمل تحت عنوان مقهى أو “كوفي شوب”؟ أن الخلل فاضح في المجالس البلدية, فهي أما متعاونة مع هؤلاء وتيسر لهم عملهم وتحميهم, وأما هي لا تقوم بدورها ومهامها, أو أن المجالس البلدية تخاف منهم, لان الكثير من ملاك المقاهي “بلطجية”.
هنا يمكننا أن نحدد أسباب المشكلة, وهي ثلاث محاور أساسية, والتي أن بقيت فالمشكلة باقية, وهي:
1: المجالس البلدية وسكوتها المطبق عن افتتاح هكذا مقاهي .
2: الجهات المختصة وتركها لمهامها في متابعة ما يجري في هذه الأوكار (المقاهي).
3: المنبر وإهماله خطر المقاهي المشبوهة على المجتمع.
فلو تكاتفت هذه الجهات الثلاث وقامت بأدوارها, لامكن الحد من الخطر, لذا فالحل فقط بالقيام بالواجبات, ويجب إن لا تسكت الجماهير عن كل بؤرة فسادة في كل حي, بل ترفض وتتجمع وجوه المنطقة, وتطلب من كل صاحب مقهى مشبوهة غلقها, وترسل الوفود للجهات المسئولة لكي يساعدوهم في مسعاهم لنصرة الناس.
ختام الرحلة:
المقاهي المنحرفة, هي حالة مرفوضة وخطيرة يرفضها المجتمع, وقد تسببت بتدمير الكثير من المراهقين والشباب , وأنتجت سلوكيات خطيرة , فمن يحارب الجريمة والإرهاب, عليه أن يشدد المراقبة والتفتيش على هذه الأوكار, والتي لا تنتج خيرا للمجتمع, ومن أهم الأسباب التي تدفع بالشباب للسقوط في وكر المقاهي المشبوهة, هو عدم وجود أماكن ترفيه في الأحياء الفقيرة, فتصبح المقاهي متنفسهم الوحيد ,لذا على الدولة الإسراع في بناء مكتبات عامة ومقاهي حكومية ضخمة, وعلى أسس معمارية حديثة, واستراحات ومطاعم ومولات في أطراف بغداد, عندها ستنحسر الأماكن الشاذة .