تعد قراءة الكتب من أهم مظاهر الحضارة لما لها من دور أساسي في مسيرة الشعوب ، ولقد أدرك العرب قديماً أهمية العلم والعلماء ، فشهدت الحياة الفكرية في العصور العربية والإسلامية ازدهاراً كبيراً في شتى الميادين بل حتى في العصر الجاهلي وشهرته التي جاءات في الفصاحة و الشعر وقدرت العرب على الحفظ الكثير وخاصة في العصر العباسي فقد برز في هذا العصر الكثير من علماء اللغة والادب والعلوم التطبيقية ايضا بالإضافة لازدهار الترجمة في تلك الفترة , بل نجد ان كلمة اقرأ اول كلمة نزلت من القران الكريم (اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ و ربك الأكرم ، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم ) ليجعل من القراءة حجرا أساسا في بناء التوعية والتوجيه والإرشاد بل والتطور النوعي .
وطالما سمعنا المقولة الشهيرة (مصر تؤلف ولبنان تطبع والعراق يقرأ ) ؛ أي أنَّ العراق هو بلد كثير القراءة والمتابعة لكل علم وجديد من فنون الثقافة، لكنَّا اليوم نجد قلَّة المتابعة للثَّقافة في العراق، فالحرب وما بعد الحرب لا زالت تفتك بالمجتمع العراقي ومنه المثقَّف ، فأين نحن اليوم من ذلك ؟ لنقرأ احصائية اليونسكو والتي تقول : بأن الشاب العربي يقرأ نصف ساعة في السنة من الكتب مقارنة بالشاب الالماني الذي يقرأ 7 كتب في السنة على اقل تقدير ! وأفادت دراسات اخرى أن كل 20 مواطنًا عربيًا يقرؤون كتابًا واحدًا فقط في السنة، بينما يقرأ كل مواطن بريطاني 7 كتب أي 140 ضعف ما يقرأه المواطن العربي، أما المواطن الأمريكي فيقرأ 11 كتابًا في السنة أي 220 ضعف ما يقرأه المواطن العربي , وقد كشف التقرير السنوي الرابع للتنمية الثقافية، الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، أن نسبة القراءة بين العرب تدهورت بشكل مخيب جدا.
و يقول الدكتور وليد السامرائي (دكتور في الأدب المعاصر- من جامعة ليدز ـ بريطانيا) : فيما يتعلق بمستوى القراءة في العراق فإننا نعتقد أن ما أصاب القطاع الثقافي لا يمكن فصله عما نزل بالعراق من كوارث على كافة الأصعدة , فلم تعد متابعة الحركة الثقافية من أولويات المثقف العراقي، فضلًا عن المواطن العادي الذي أصبح يخوض معركة البقاء في بلد مهدد كل لحظة باحتراب طائفي، ويفتقر لمعظم الخدمات الأساسية، ويحتل مرتبة متقدمة في سلم الفساد المالي والإداريإن , العراق الذي كادت الأمية تنعدم فيه إبان العقود الماضية تراجع بشكل ملحوظ نتيجة للظروف السيئة، وازدادت أعداد الأميين، وبدت ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس وعزوفهم عن الدراسة، جلية في الشوارع ومواقع العمل المختلفة .
ومما زاد في انكماش الحركة الثقافية التي تمثل القراءة مظهرًا من مظاهرها المهمة، هو استهداف منابع العلم التي جرت أيام الاحتلال، من حرق للمكتبات العامة، وغلق مكتبات أخرى بوجه العامة، وإزالة الكثير من المراجع العلمية والتاريخية والفكرية من مكتبات أخرى، لكونها لا تتطابق ومناهج وتوجهات طبقة الأحزاب الحاكمة في العراق .
لم يعد المواطن العراقي يحرص على اقتناء الكتاب، ولم يعد مهتمًا بهذا الأمر، فالمواطن العادي يسعى إلى توفير أساسيات العيش التي ليس من بينها الكتاب، بل إن البعض قام ببيع ما احتوت عليه مكتبته المنزلية وبأي ثمن. أما المثقفون فهم عازفون عن الشراء، وهم يرون أمواجًا من الكتب التي تحمل أفكارًا غريبة ودخيلة تغرق مكتبات بيع الكتب، في حين أن الكتب الرصينة والمعتمدة علميًّا والمراجع قد اختفت وخلت منها الأسواق ,وبالرغم من كل هذا فإن قلة قليلة ما زالت تحاول معرفة الجديد من المطبوعات، وذلك من خلال المتابعة على شبكة الانترنت، وتكليف المعارف في الدول الأخرى بشراء هذا الكتاب أو ذاك, وكنتيجة منطقية لهذا الوضع المتردي فإن حركة النشر قد تراجعت أيضًا بعد أن أغلقت العديد من المطابع ودور النشر أبوابها لأسباب أمنية واقتصادية، وحلت محلها مؤسسات لم تكن معروفة تروج لثقافة غريبة عن مزاج العراقيين، وتتعارض مع الطبقة المثقفة الأصيلة في العراق .
ويقول احد باعة الكتب في شارع المتنبي الشهير : اكاد اجن جنوني من شباب هذا العصر الذي يكاد ينعدم في شارع المتنبي وان وجد القليل منهم فما اسخف الكتب التي يبحثون عنها من رسائل حب ومسجات الموبايل ونكت الضحك وما الى ذلك .
كما والتقينا بالشاب خالد راضي من محافظة كربلاء المقدسة وتحدث عن اسباب العزوف قائلا : بالنسبة لي ارى ان الثقافة اصبحت معدومة في بلدي ولا فرق بين المثقف والجاهل والفنان والانسان العادي فكلاهما يعملان في محل حلاقة او عاملا بناء منذ الصباح حتى المساء وان وجد وقت قليل فيستثمرة في مشاهدت التلفاز او الجلوس على الانترنت .
وتحدث اخر ان محافظتي تخلوا من الكتب التي ابحث عنها وليس فيها سوى الكتب الدينية وان احتجت لكتاب يجب ان اسافر للعاصمة بغداد لاجده او لا اجده
او انتظر مهرجان ربيع الشهادة العالمي الذي نحلم بأن يكون دائما في مكان ما وسط المدينة او وجود مركز مشابه له من قبل الدولة .
اذا من اسباب عزوف الشباب عن القراءة عدم اهتمام الدولة بالشؤن الثقافية على الرغم من وجود وزارة للثقافة مليئة بالموظفين ولها ميزانية خاصة من قبل الدولة , على عكس ما هو في بلدان الغرب والتي تجدا ان الشوارع مليئة بالمكتبات المجانية للقراءة اينما تجلس لانتظار القطار او لشرب الشاي وغيرها .
ولا يبعد ان من اسباب عزوف الشباب عن القراءة ايضا انشغالهم بالظروف غير الطبيعية التي تمر بها البلاد ، و انتشار مقاهي الانترنيت حتى اصبحت وسائل ترفيه ولهو بدلا من ان تكون وسيلة علمية , وبالنتيجة الوضع يسير نحو التردي والانظار نحو من يهمة الامر للاهتمام بهذا الجانب الحيوي والاساسي في بناء اجيال اكثر وعيا ليساعدوا في بناء هذا البلد .. وبدل الاهتمام بأمرور اقل اهمية يجب على وزارة الثقافة العراقية المبادرة في انشاء الندوات وبناء مكتبات عامة تجذب الشباب بطريقة حديثة والاهتمام بهذا الجانب اكثر من غيره ولابأس بالسير على خطى البلدان الاخرى وانشاء مكتبات صغيرة في الشارع العراقي التي لا تكلف اكثر من راتب موظف واحد في وزارة الثقافة العراقية .