الياسمين والقداح لكتابة مقال بعطر فواح !
احمد الحاج
اذا كنت تطمح بأن تكون كاتبا محترفا يريد مغادرة عتبة الهواة الى غير رجعة وولوج عالم المحترفين فعليك أن تهتم جديا بمعاني المفردات ومدلولات الالفاظ والمصطلحات وأن لاتخلط حابلا بنابل وأن لا تأتي بالمصطلح على عواهنه هكذا من دون تمحيص ولا فهم لمعناه لتضعه في غير محله ظنا منك بأن هذا هو مكانه الصحيح والمؤثر فتقع بالمحذور وبما لاتحمد عقباه .اقول ذلك لأنني أشخص خلطا عجيبا بين الكلمات والمفردات ولاسيما منها المترادفات ، مثال ذلك أن مفردة حبس غير مفردة سجن ، فكن على بينة من أمرك ” الحبس في القوانين العربية الوضعية مدته تترواح بين 24 ساعة وصولا الى 3 سنين ، اما السجن فمدته من 3 سنين الى المؤبد أو مدى الحياة ” .
كذلك الجناية فهي غير الجنحة ، الجناية عقوبتها السجن ، والجنحة عقوبتها الحبس ..السجن المؤبد = 25 عاما ، مدى الحياة = حتى الممات في حال لم يصدر عفو خاص أو عام أو تقليص مدة المحكومية لحسن السيرة والسلوك وبالتالي فإن الاتيان بالمؤبد للدلالة على مدى الحياة ، أو ذكر السجن بدلا من الحبس ضمن النص المكتوب بمثابة خطأ فادح والعكس بالعكس .
كل ما ذكرته آنفا يعني أن تكون مجتهدا وملما بشيء ولو يسير من علوم القانون ومصطلحات ومفاهيم المحاكم والنظم والدساتير كجزء من المنظومة الاحترافية في الكتابة وكخطوة مهمة في طريق الالف ميل وما يصدق هنا على المعرفة القانونية يصدق على العلوم السياسية ، والاقتصادية ،والطبية ، والتأريخية ،والادبية وسواها اذ من غير المعقول ولا المقبول أن تكتب مقالا او عمودا صحفيا ثابتا مخصصا لك في الصفحة الرياضية وانت لاتفرق بين القائم والعارضة …ولا بين الفاول والاوف سايد في كرة القدم ..ولا تفرق بين الكونغ فو الصينية والكاراتيه اليابانية ، والتايكواندو الكورية ، والمواي تاي التايلندية ، والسيلات الماليزية وكلها فنون قتالية …وأن لاتفرق بين المصارعة الحرة والرومانية في عالم المصارعة الاولمبية …بين سباحة الظهر والصدر والحرة والفراشة في رياضة السباحة الاولمبية .. بين رفعة النتر ورفعة الخطف في رياضة رفع الاثقال !
التأبين على سبيل المثال لا الحصر غير النعي وغير الندب وغير العزاء ، فالتأبين هو الثناء على الميت وبيان فضائله واستعراض مزاياه بعد وفاته ، اما النعي فهو اعلان وفاته وبيانه للناس ” تنعى نقابة الفنانين المصريين فقيدها الراحل الفنان فلان الفلاني الذي وافاه الاجل المحتوم بمرض عضال عن عمر ناهز الـ 70 عاما …الخ ” ، فيما الندب هو بكاء الميت والحزن عليه وربما إظهار الجزع بوفاته ايضا ، اما العزاء فهو تطييب خواطر ذوي المتوفى وتفقد احوالهم وتقديم واجب العزاء لهم والتفكر في الموت وما وراءه للعبرة والعظة ، وكلها تندرج تحت عنوان جامع هو ” الرثاء ” وللعرب باب أدبي كامل في المرثيات ، فمنهم من رثى حاله ، ومنهم من رثى وطنه ، ومنهم رثى قومه ، حبيبته ، ابنه ، امه ، أطلاله ، زمانه ، وهكذا دواليك والخلط بينها غير مقبول ولا محبب بالمرة !
التقريظ غير التقديم غير التوطئة في الكتب والمؤلفات ، الأول مدح الكتاب ومؤلفه على سواء في حياته ..اما الثاني فالتعريف بمضمون الكتاب وفصوله عموما ، أما التوطئة فهي بمثابة موضع القدم الذي تطأ به عتبة الباب تمهيدا لولوجه !
الجشع غير الطمع …الاول يتمثل بالرغبة العارمة للاستيلاء على ما بيد الغير وإن كان قليلا وإن كان ما عندك أكثر بكثير ..اما الطمع فالرغبة بالمزيد سواء أكان للغير مثلها أو اكثر أو اقل ” ان يكون لك بيت فتطمع ببيتين وتتمنى لجارك السكن في شقة مستأجرة قديمة بعمارة متهالكة فهذا جشع ..أن تكون لك سيارة فتريد سيارتين ولو كان لجارك مثلها فهذا طمع ولا يملأ فم ابن آدم الا التراب !
الاعتقال غير الاسر غير السجن والحبس ..الاول يطلق على إلقاء القبض على المعارضين السياسيين ومعارضي الفكر والمنهج في الاعم الاغلب ، اما الثاني فالقبض يكون من قبل الاعداء ، اما الحبس والسجن فعلى المتورطين بجنح أو جنايات ..فلايصح ان تقول “لقد تم أسر تاجر المخدرات فلان الفلاني ..أو اعتقال قاتل جاره علان العلاني” وانما ” تم القاء القبض على تاجر المخدرات وقاتل جاره ” .
كذلك المشرد غير النازح غير المهجر غير المهاجر غير اللاجئ ..الاول سكن الفيافي والقفار وافترش الارصفة لضر مادي ومعنوي لحقه واصابه ، فيما الثاني هجر داره ومنطقته بسبب الحروب والكوارث الطبيعية وامثالها ما إضطره لترك مسكنه ودياره مضطرا ليسكن الخيام والكامبات بعد ان صار نازحا ، الثالث اضطر للهجرة بحثا عن لقمة العيش عن الامان عن المستقبل المفقود في بلده في – زمكان – معين قد يطول وقد يقصر، اما المُهَجَّر فهو من أجبر على هجر منطقته ودياره عنوة وبالقوة لتغيرات ديمغرافية تعقب أو تتزامن عادة مع الحروب الاهلية والاحتراب الداخلي ، بينما اللاجئ هو من فر بدينه ،بنفسه ،،بفكره ليطلب اللجوء الانساني أو السياسي في بلد آخر لظروف اجتماعية وسياسية ما تعصف ببلده الأم لم يعد بمقدوره تحملها ، وللعرب أدب رفيع عن مآسي ” المخيمات …المنافي ..المهاجر ..الاغتراب ..التشرد ..اللجوء ” ومن المفارقات المحزنة أن الأدباء والمثقفين العراقيين لهم باع في هذا اللون الادبي الانساني ولطالما كتبوا عن محنة ولاجئي فلسطين الحبيبة بسبب العصابات الصهيونية ، كذلك عن محنة الجزائر أيام الاستدمار الفرنسي ، وعن معاناة الليبيين أيام الاستحمار الايطالي ، حتى صار المثقفون العرب كلهم يكتبون عن نزوح العراقي وهجرته وتهجيره ولجوئه بعدما كان ملاذا آمنا وبيتا حاضنا وقلبا رحيما لكل اللاجئين العرب !
البخل غير الشح …الشح هو السعي المحموم للحصول على شيء والانانية والجشع فيه ، بينما البخل هو التقصير ببذل ولو جزء يسير منه بعد قبض الشيء والحصول عليه لا قبله ، كما ان الشح يكون حتى في العلم والتعليم وبذل النصيحة واخراج زكاة الحسب والنسب والجاه والمكانة فلايتوسط ولاينصح لأحد الا بمقابل مادي او معنوي ..فيما البخل غالبا ما يكون بالمال.
العلم غير المعرفة ..الاول يستحصل بالتعلم والتعليم ، بينما الثاني بالتجارب الشخصية والافادة من التجارب الانسانية السابقة واللاحقة والاعراف والتقاليد والخبرات المتراكمة والمشورة ونحوها فضلا عن التعلم والتعليم ..وبذلك يمكنك ان ترى صحفيا درس علم الاعلام وتفوق فيه على سبيل المثال الا أنه لايجيد كتابة مقال واحد، تحرير خبر واحد ، كتابة تقرير خبري واحد ، عمل حوار او تحقيق صحفي واحد فهذا يعلم الاعلام نظريا لاتطبيقيا ..بينما تجد صحفيا ربما لم يدرس الاعلام يوما او انه درس الاعلام ولم يتفوق فيه نظريا الا انه مارسه ميدانيا وعمليا فصار كاتبا واعلاميا بارزا يشار له بالبنان قد لايشق له غبار ..وقس على ذلك .اودعناكم اغاتي