الى البابا والدالاي لاما وسادجورو جاغي …
التطرف الديني والإنهيار القيمي والأخلاقي وجهان لعملة واحدة !
احمد الحاج
الكل بات يعلم علم اليقين ومن خلال معايشة ومتابعة مجمل الظروف العصيبة والأحداث الساخنة التي تعصف بالبشرية جمعاء من أقصاها الى أقصاها ، بأن الخطاب المتشنج والتطرف الديني يولد نفورا وبعدا عن الدين تجاه الالحاد واللادينية واللاادرية والوجودية والعبثية، بالمقابل فإن الاصرار التام وغير المبرر بالمرة على إشاعة ثقافة الانحلال وترويج الشذوذ ونشر الاباحية حتى في الرسوم المتحركة والمناهج الدراسية وللمراحل الدراسية كافة ، والعمل على تفكيك الأسرة النواة،وتسفيه مفهوم العائلة الممتدة ،وإباحة الاجهاض ،وتعقيد الزواج الحلال وزيادة أعبائه المادية والمعنوية ، وبث برامج السحر والتنجيم ، ومباركة الحركات الشيطانية وغض الطرف عنها، والتحامل على الدين والسخرية من رموزه وثوابته ومقدساته يدفع الى التطرف، لايتناطح على ذلك كبشان ، ولايختلف عليه اثنان ،بمعنى أن التطرف والانهيار الاخلاقي وجهان لعملة واحدة ،فحيثما ظهر أحدهما ظهورا مشؤوما وطفا على السطح من لامكان تغذيه أفكار وأيدولوجيات وطروحات وأجندات وبروباغندات اقليمية ودولية ، ظاهرية وخفية ، سرية وعلنية ، ظهر الآخر مقابله كرد فعل محتوم يساويه في القوة ، ويعاكسه في الاتجاه لا محالة، وتأسيسا على ذلك وبما أن مصر الحبيبة تحتضن اليوم مؤتمر”التطرُّف الديني.. المنطلقات الفكرية واستراتيجيات المواجهة”بمشاركة ممثلين عن 42 دولة بينهم المسلمون وغير المسلمين ، فلابد من التطرق الى الحاضنتين بالتفصيل “التطرف والانحلال” وعدم إغفال أي منهما ولا الذهول عنه تحت أية ذريعة كانت ، ولا أنصح بتناول موضوعة التطرف من زاوية واحدة ومن وجهة نظر أحادية ذات بعد سياسي وفكري واجتماعي وشرعي ومناطقي فحسب، لأن التطاول المستمر على الدين ورموزه وثوابته جهارا نهارا ، عيانا بيانا ، وعلى مدار الساعة ومن غير رادع قانوني ولا عرفي يذكر في بلدان عربية واسلامية لو شتمت فيها وزيرا أو نائبا او رئيس حزب سياسي فستحال الى المحاكم المختصة بتهمة ازدراء السلطة وتقويض النظام الحاكم ، الا انك لو سخرت من الدين برمته بما فيهم الرسل والانبياء والكتب المقدسة فلن يحاسبك أحد بذريعة “حرية الرأي والتعبير” وربما صار تجاوزك على الدين بمثابة جواز سفر للشهرة ولزيادة مبيعات روايتك وكتابك وديوانك ومجموعتك القصصية كذلك ، في تناقض صارخ لطالما كان بيئة خصبة لنمو وتسويق الأفكار والطروحات المتعصبة والمتطرفة ولاسيما بين الشباب المتحمس ، ويتحتم علينا جميعا التطرق الى موضوعة الفضائل والرذائل ومسؤولية الجميع في بث الأولى وترسيخها وتغذيتها ودعمها في المجتمع ، مقابل كبح جماح الثانية والحد منها قدر الامكان ،ذاك أن مجتمعات تغص بالخمارات والملاهي الليلية والمخدرات والانتحار والغش والتزوير والتحلل والشذوذ والاباحية والالحاد والحركات الهدامة والسخرية من الدين ليلا ونهارا حتما ستؤدي الى تسويق الافكار المتطرفة على الجانب الاخر وستجد من يصغي اليها ويستمع لها في عالم شفاف قد تحول بفعل الثورة التكنولوجية الى قرية صغيرة بلا حدود ولا موانع ولا حواجز الا فيما ندر ، وكل ما يبث في القطب الشمالي ستسمع به في القطب الجنوبي بظرف ثوان معدودة ، ليغرر بضحاياه بذريعة اصلاح المجتمع وتنقيته من المفاسد كما في كل مرة ، ومهما يكن من أمر يبقى السؤال الحائر قائما ومنذ سنين خلت “هل على الاسلام العظيم وحده تقع مسؤولية إحياء الفضائل وكبح جماح الرذائل بلا منازع بغياب الاديان الاخرى وضعية كانت ام سماوية وانشغالها بالطقوس والكرنفالات والاعياد والشعارات والصور والتماثيل عن كل ما عدا ذلك فحسب ؟!!” .
اذ ثبت وبالادلة القطعية والمتواترة وبالشواهد المعاشة بأن الاسلام العظيم وحده اليوم من يدعو الى إحياء الفضائل ،ونبذ الرذائل في أرجاء المعمورة ، بقية الأديان الأخرى ،سماوية كانت أم وضعية ، و من أعلى الهرم الى اسفله وبالعكس – صاموط لاموط – ولم تعد معنية بذلك لا من بعيد ولا من قريب وكأن شيئا من أمر الفضيلة ونبذ الرذيلة لايعنيها البتة ، وكأن إحياء الفضائل ، وإقصاء الرذائل ولو بين اتباعها ومريديها ليست جزءا من تعاليمها ولا مبادئها ولا قيمها ولا مثلها قط ، وذلك في تدهور قيمي وانحدار اخلاقي وفوضى عارمة غير مسبوقة مثيرة للاستغراب والريبة والتساؤل في آن واحد ، وعلى من يقول بحلاف ما أزعم وأدعي فليأتنا بالادلة الدامغة وليورد لنا تفاصيل آخر خطاب لزعاماته ومرجعياته الدينية شرقا أو غربا بدءا ببابا الفاتيكان ومرجع الكاثوليكية في العالم وعدد اتباعها مليار و200 مليون نسمة ، وليس انتهاءا بالدالاي لاما ، بابا البوذية اذا جاز التعبير وعدد اتباعها 500 مليون انسان ، وسادجورو جاغي سفير وبابا اليوغا والهندوسية وعدد اتباعها بصرف النظر عن مدارسها يقدر بـ مليار و100 مليون نسمة ، اقول كم مرة سمعتم عن وعظ وارشاد وتوجيه وقول وفعل يدور حول أهمية أحياء الفضيلة ونبذ الرذيلة ضمن دروس ومحاضرات وندوات ومؤتمرات وقداسات الديانات الاخرى حول العالم ؟ حتى انني وعلى المستوى الشخصي وقد اكون مخطئا فيما اذهب اليه ، لم أعد أفهم ما جدوى خطاب تلكم الاديان وما فائدته وقد انحسرت بما في ذلك طقوسها وعباداتها في الاطار الابتهاجي والكرنفالي السنوي الجامد المخصص لأتباع كل دين على حده ، وكلها لاتكاد تمر ولو عرضا على الفضائل لتشجعها وتبذرها وتحييها،ولا على الرذائل والاثام والفواحش لتحجمها وتقيدها وتكرهها في عقول وقلوب اتباعها وتقصيها ، وقد ظهر الفساد في البر والبحر في كل مكان على سطح هذا الكوكب بما كسبت ايدي الناس ولات حين مندم ..!
الا تسأل مرجعيات تلكم الاديان وضعية كانت أم سماوية نفسها هذا السؤال ولو في السنة مرة حرام تنسوني بالمرة ..هل جاءت الاديان وبعث الرسل والانبياء وضحوا بأنفسهم وعانوا ما عانوا من مصاعب وويلات واختبارات ، وانزلت الكتب السماوية لتنتهي بالصور والمجسمات والطقوس الكرنفالية وبعدة اعياد ومناسبات ابتهاجية في السنة لا اكثر؟
انا ابحث هاهنا عن اجوبة منطقية على مجمل التساؤلات ، ولا أريد الحوض في نقاشات بيزنطية ولا جدالات عقيمة لأنني والحق يقال مستغرب جدا ومذهول للغاية من هذا السكوت المطبق وغير المبرر ازاء ما يجري ويقع على مرآى ومسمع من العالم كله، وليس ادعاء او تجريحا او مبالغة ودعوني أسأل :
– هل إن تحريم وتجريم المخدرات التي تفتك بملايين البشر على سطح كوكب الارض مهمة الاسلام والمسلمين فحسب وعدد ضحاياها بحسب مكتب الامم المتحدة في تقريره السنوي لعام 2021 يكشف عن ،أن ” 275 مليون شخص تعاطوا المخدرات في جميع أنحاء العالم في عام 2020 لوحده في حين عانى أكثر من 36 مليون شخص من اضطرابات تعاطي المخدرات حول العالم ؟
– هل إن تحريم والتحذير من مخاطر الخمور بأنواعها وبمختلف مسمياتها مهمة الاسلام والمسلمين وحدهم ؟
وهذه العالمة البريطانية ديفي سريدهار ، الاستاذة في جامعة أوكسفورد في مقال لها منشور في مجلة “نيتشر” البريطانية الشهيرة تدعو “منظمة الصحة العالمية إلى الحد من سوء استخدام هذا المشروب، الذي يقتل مليونين و500 ألف شخص سنويا ” لافتة إلى ، أن ” عدد الوفيات بسبب الكحول يفوق عدد ضحايا مرض الإيدز والملاريا والسل مجتمعة ،ولابد من اتفاقية دولية مُلزِمة للحد من سوء استخدام الكحول لأنه بات التهديد الأكبر لحياة البشر في الدول ذات الدخل المتوسط التي يعيش فيها نحو نصف سكان العالم !!” .
– هل إن تحريم الاجهاض الا بشروط وضوابط ضرورية ملجئة مهمة الاسلام والمسلمين فحسب ؟
وهذه منظمة الصحة العالمية في تقريرها المنشور على صفحتها في ايلول من عام 2017 يكشف عن 25 مليون حالة إجهاض غير آمن حول العالم حدثت سنويا في الفترة بين عامي 2010 و2014،بما يعادل 45% من إجمالي حالات الإجهاض في العالم!
– هل تحريم وتجريم الانتحار مهمة الاسلام والمسلمين وحدهم ؟
وهذه محطة بي بي سي الاخبارية البريطانية في تقرير لها عام 2021 تكشف نقلا عن منظمة الصحة العالمية ، بأن ” 700 ألف شخص حول العالم ينهون حياتهم انتحارا كل عام، وان شخصا واحدا يفقد حياته، من جراء الانتحار كل 40 ثانية، بينما تتجاوز محاولات الانتحار الفاشلة التي يتم تداركها في اللحظات الاخيرة هذا الرقم بكثيرحتى عد الانتحار رابع سبب للوفاة بين اليافعين من الفئة العمرية بين 15 – 19 عاما !!”
– هل الاسلام والمسلمين وحدهم من تقع عليهم مسؤولية تحريم وتجريم والتحذير من الجنس المحرم والعلاقات الاثمة ؟
وهذه منظمة الصحة العالمية في تقريرها المنشور على صفحتها في حزيران / 2019 يكشف لنا بأن اكثر من مليون اصابة جديدة بأحد الامراض الجنسية الفتاكة تقع يوميا …اكرر يوميا ..حول الارض بمعدل يزيد على 376 مليون حالة جديدة سنوياً للإصابة بأربع أمراض منقولة عن طريق الجنس هي الاخطر والاكثر شيوعا يقتل واحد منها فحسب اكثر من 200 الف شخص سنويا للاعمار بين 15 – 49 عاماً!!
– هل الاسلام والمسلمين وحدهم من تقع عليهم مسؤولية التحذير من العلاقات المشبوهة خارج اطار الزوجية ؟
والتقرير الذي نشرته دويتشه فيله الالمانية قبل بضع سنين يشير الى، انه ” وفي جمهورية استونيا وحدها وصلت نسبة للأطفال المولودين خارج نطاق الزواج،عام 2009 فقط الى 59 % ، علما بأن نفوس هذه الدولة وهي من دول البلطيق لايتجاوز 1.331 مليون بحسب احصاءات البنك الدولي لعام 2021 ، فيما تقدر النسبة نفسها الولادات خارج اطار الزوجية في المانيا بما يقرب من 38 % من نسبة الاطفال الجدد ..وان مدينة فيزبادن الألمانية سجلت عام 2011 وحده ولادة طفل من علاقة غير زوجية من اصل كل ثلاثة أطفال ولدوا في ذلكم العام …فيما كشفت البي بي سي، ان نسبة الولادات غير الشرعية في بريطانيا قد ارتفعت الى 47.5 بالمئة عام 2012 بعد ان كانت 4% فقط قبيل الحرب العالمية الثانية ، وان النسبة مرشحة للزيادة بإطراد لتبلغ اكثر من 50% مستقبلا ..اما في فرنسا فنسبة الولادات خارج اطار الزوجية يبلغ 60 % ..اما عن اليونان واميركا وقبرص وايطاليا وبولندا وكرواتيا واوكرانيا فحدث ولاحرج حتى ان المفوضية الاوربية وفي تقريرها المنشور عام 2018 كشفت عن أن 43% من المواليد في عموم دول الاتحاد الأوروبي لسنة 2016 وحدها ولدوا خارج إطار العلاقات الزوجية !!
– هل على عاتق الاسلام والمسلمين وحدهم تقع مسؤولية التحذير صباح مساء من مخاطر التلوث البيئي والمناخي والاخلاقي والفكري والمجتمعي والعبث بالجينات والاستنساخ البشري والحيواني ، والامهات العازبات وعمليات تحويل الجندر ، ومغبة الاسراف والتبذير والرشوة والبخل والتزوير والاختلاس والقتل والابتزاز والسرقة والسطو والغش والخداع والقمار والاغتصاب والشذوذ والتهور والظلم والطغيان والامبريالية والاستبداد وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم والخيانات الزوجية والتفكك الاسري والتمزق العائلي، والانانية والفردانية ، وضحاياها مجتمعة بمئات الملايين حول العالم ..أم ان مسؤولية احياء الفضائل وكبح جماح الرذائل مسؤولية اخلاقية وانسانية ودينية واجتماعية عالمية مشتركة تتظافر فيها كل الجهود للحد من تداعياتها الكارثية على المناخ والاخلاق والاسرة والمجتمع والتربة والمياه والهواء والبشرية جمعاء ومن دون استثناء…؟!
وعلى “إتحاد المحامين العرب”، فضلا عن نقابة المحامين العراقيين والمصريين خاصة ، وكل نقابات المحامين العرب عامة ، تشكيل لجان متخصصة من خيرة المحامين الملتزمين والمعروفين بكفاءتهم ونزاهتم تتولى ملاحقة “اي مخلوق على وجه الارض يتطاول على الذات الالهية، او على الرسل والانبياء ، او على المقدسات والثوابت والرموز الدينية قضائيا في المحاكم المحلية والدولية ” ولتبدأ اولا برفع دعوى قضائية على الناطق بلسان حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف والعنصري الحاكم في الهند …” .
ولله در البوصيري القائل فيما اثبتته الايام بالدلائل القطعية والمتواترة :
إنْ أنْكَرُوا فضلَ النبيِّ فإِنما ..أَرْخَوْا عَلَى ضَوْء النّهارِ سُدُولا
الله أكبَرُ إِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ….وكتابهُ أقوى وأقومُ قيلا
طلعتْ به شمسُ الهداية ِ للورى …وأبى لها وصفُ الكمالِ أُفولا
والحقُّ أبلجُ في شريعتهِ التي …جمعتْ فروعاً للورى وأصولا
لاتذكروا الكتبَ السَّوالفَ عندهُ ..طلعَ النهارُ فأطفِئُوا القنديلا
أودعناكم اغاتي