الولايات المتحدة والحوثيون
تناقض المواقف

علي الكاش
الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه الحوثين يكتنفه الكثير من الغموض بسبب ‏التناقضات الكثيرة، والإنعكاسات الخطيرة على الولايات المتحدة نفسها وعلى حلفائها في ‏المنطقة، سيما دول الخليج العربي، والحقيقة ان التناقضات الحادة في السياسة الخارجية ‏للولايات المتحدة لا تقتصر على المنطقة فحسب، بل على بقية دول العالم ايضا، صحيح ‏انه لا يوجد صديق او عدو في السياسية بسبب تغيرات الزمان والمكان والمصالح، لكن ‏هذه القاعدة لا تنطبق على التحالف بين الدول إلا في حالات نادرة ومحدودة. هذه ‏التناقضات في بعض الأحيان من من الصعب فك طلاسمها، ومعرفة ما يقف ورائها. هل ‏هي رؤية ثاقبة واستراتيجية تتعلق بالمدى البعيد، او فوضى وتخبط سياسي في الإدارات ‏الامريكية المتعاقبة، ويبدو لنا ان الإحتمال الثاني هو الأرجح على ضوء افرازات ونتائج ‏الحرب الامريكية في العراق وافغانستان وتداعياتها المعروفة على البلدين والمنطقة ‏بأسرها.‏
فالولايات المتحدة كما هو معروف من أكبر الحلفاء لدول الخليج العربي ولاسيما السعودية ‏وقطر والإمارات، ولكنها اتخذت مواقفا عدائية تجاه السعودية والإمارات عندما رفعت ‏الحوثيين من قائمة الإرهاب، وصرح بايدن في حينها” الحوثيون ليسوا جماعة إرهابية”، ‏وهذا ما رددٌه وزير الخارجية الامريكي بلينكن، بل وحث جميع الأطراف العمل من أجل ‏التوصل الى حلٌ سياسي دائم في اليمن، دون ان يفرق بين الشرعية واللاشرعية بين ‏القوات المتصارعة في اليمن، ومن الطرف الذي لا يلتزم بقرارات الأمم المتحدة؟ ولماذا ‏قررت الولايات المتحدة وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب، وما السبب الذي جعلها ‏ترفعه، وما السبب ايضا في إعادة النظر في إعادة الحوثيين الى قائمة الإرهاب؟
جعلت إدارة بايدن الحوثيين والسعوديين في كفة واحدة في ميزان سياستها الخارجية، بل ‏جردت السعودية من وصف محاربة الإرهاب على اقل تقدير. فإن كان الحوثيون غير ‏إرهابيين، ماذا إذن تحارب السعودية؟ هل تحارب قوى ديمقراطية ومعتدلة ومحبة للسلام ‏مثلا؟ مع الأحذ بنظر الإعتبار رفض الحوثيين كل مبادرات السلام التي تقدمت بها ‏السعودية والأمم المتحدة، والوسطات الأخرى العربية والدولية. بل لماذا تحارب السعودية ‏جماعة غير إرهابية وفق التصنيف الأخير للولايات المتحدة؟ وماذا نسمي القرصنة التي ‏يقون بها الحوثيون في البحر الأحمر؟ وهل الدولة التي تزود الحوثيين بالطائرات ‏المسيرة والصواريخ البالستية صديقة للولايات المتحدة أم مصنفة كدولة راعية للإرهاب؟
يمكن القول ان الولايات المتحدة جردت صفة الشرعية عن الحكومة اليمنية وجعلت ‏الحرب تحمل صفة حرب داخلية بين الشرعية اليمنية والقوة غير الإرهابية وفق ‏التصنيف الامريكي.‏
لم يختلف موقف الحوثي ـ بعد رفع صفة الإرهاب عن جماعته، من قبل الولايات المتحدة ‏ـ عن السابق، بقي الوضع كما هو لا تقدم في المجال السياسي، فقد فشلت الإدارة ‏الامريكية بتوجيه الحوثي نحو الحل السلمي. بل الأغرب منه ان جماعة الحوثي إختطفت ‏موظفي السفارة الأمريكية في صنعاء من المستخدمين المحليين، وعبثت وسرقت ‏ممتلكات السفارة بعد رفع صفة الإرهاب عنهم مباشرة، دون ان يكون هناك أي ردٌ فعل ‏من إدارة بايدن سوى إدانة إعتقال الموظفين المحليين دون الإشارة الى الهجوم على ‏السفارة وسرقتها، والدوس على كرامة السيادة الامريكية المفترضة على أرض السفارة!‏
فما الذي حققته إدارة بين من رفع صفة الإرهاب عن الحوثيين؟ لا شيء مطلقا، بل ‏شجعت إدارة بايدن الحوثيين على إستمرار عمليات قصف المواقع المدنية في السعودية ‏والامارات، وعمليات القرصنة للسفن في البحر الأحمر، والتصرف بعنجهية ومخالفة ‏القرارات الدولية.‏
اما ما عبر عنه وزير الخارجية الامريكي (انتوني بلينكن) مع نظيره الإماراتي (الشيخ ‏عبد الله بن زايد) بالقول” سنعمل مع الإمارات والشركاء لمحاسبة الحوثيين”، فهو اشبة ‏بنثر الرماد في العيون، سيما بعد أن وصف الهجوم بالإرهابي، متناسيا ان حكومته رفعت ‏صفة الإرهاب عن الحوثيين، فكيف لتنظيم غير إرهابي يقوم بعمل إرهابي وفق المفهوم ‏الأمريكي؟ وكان مجلس الأمن القومي الامريكي قد وصف الهجوم الحوثي على الإمارات ‏بالإرهابي، ولا بد من محاسبة الحوثيين، ولا أحد يجهل ان هذا التهديد كالنفخ في قربة ‏مثقوبة.‏
بل ان الولايات المتحدة حذرت السعودية من مغبة إستهداف ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه جماعة ‏الحوثي، وادارة بايدن على علم تام بأن كافة الأسلحة التي ترسلها ايران الى الحوثي تتم عبر ميناء ‏الحديدة، كما ان المندوبة الامريكية في الأمم المتحدة صرحت بأن تهريب إيران الأسلحة للحوثيين ‏يعتبر إنتهاك صارخ، ويطيل أزمة اليمن. ‏
السؤال المثار: لما ترفض الولايات المتحدة ـ رغم مطالبات الأمم المتحدة ـ تحرير ميناء الحديدة أو ‏إستهدافه من قبل قوات التحالف؟ علما ان نفس السيناريو الامريكي جرى مع مطار صنعاء وهو ‏معبر رئيس لتهريب الأسلحة الايرانية للحوثيين عبر الجو. حيث رفضت الولايات المتحدة ‏إستهداف المطار مع علمها ما يجري في أروقته. ‏
بل ان الأمم المتحدة عبرت عن قلقها من عسكرة ميناء الحديدة الذي ترسو فيه سفن المساعدات ‏الدولية للشعب اليمني. وسبق أن قام الحوثيين بسرقة المساعدات الإنسانية للشعب اليمني الموجودة ‏في الميناء. كما طالبت الأمم المتحدة بتفتيش ميناء الحديدة، لكن الحوثي رفض الإنصياع لطلب ‏الأمم المتحدة. وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص الى اليمن (هانس برودنبرغ) في تصريح له ” ان ‏ميناء الحديدة يستخدم لأغراض عسكرية، ونطالب بإجراء تحقيق”.‏
المطلوب من قوات التحالف معالجة ميناء الحديدة ومطار صنعاء بإعتبارهما الشريانان ‏الرئيسان لإمداد الحوثي بالأسلحة والصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، انها ثكنات ‏عسكرية وليست مدنية كما يزعم الحوثيون، وترك بايدن يتخبط في قراراته غير الملزمة ‏لقوات التحالف العربي، الى ان يستقر رأية على أعتبار الحوثيين تنظيم ارهابي او غير ‏إرهابي. سيما بعد الإنتصارات المتلاحقة التي تحققها قوات التحالف وفيلق العمالقة، ولم ‏يبقَ الكثير لتحرير كامل الأراضي اليمنية من أيدي حوثيي الولي الفقيه.‏
السؤال الأخير لإدارة بايدن: هل القرصنة في المياه الدولية شكل من أشكال الإرهاب أم ‏الأمن والسلام؟ ‏
حيث سبق للحوثيين ان قرصنوا السفينة الإماراتية المدنية في البحر الأحمر، وقبلها ‏قرصنوا السفينة صافر التي تتواجد حاليا قرب ميناء الحديدة، وتعاني من تسربات نفطية ‏ستؤدي الى كارثة بيئية خطيرة.‏

نقطة نظام
كلمة لرئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي: انك تقوم بالتوسط بين ‏ايران والسعودية، على الرغم من ان الوساطة في طريقها الحتمي للفشل، بسبب تناقض ‏مواقف ولاية الفقيه دول من الخليج العربي، فهو يمد يد للسلام، وفي الأخرى يحمل ‏خنجر. اعتقد انه من الأفضل للحكومة العراقية القادمة ان توسِط دولة أخرى لتحسين ‏العلاقات بين العراق من جهة، ودول الخليج العربي من جهة أخرى، سيما بعد تورط ‏الحشد الشعبي بقصف منشأة ارامكو السعودية والهجوم الأخير على الإمارات العربية من ‏قبل حزب الله العراقي، الذي سبق ان تبرع للحوثيين بمليار دينار عراقي لشراء طائرات ‏مسيرة وصواريخ لضرب الإمارات والسعودية.‏

علي الكاش