الهوية الخالدة
الطبيب نوري سراج الوائلي
نيويورك

لغتي وهلْ في القولِ منها أجملُ؟ = أو في الكتابةِ والمعاني أكملُ؟
للعاشقين جمالُها متجددٌّ = للظامئين إلى البيانِ المنهلُ
للشعرِ بحرٌ لا يُحدُّ مدادُه = وإلى البلاغةِ موردٌ لا يبخلُ
عند الخيالِ إذا التصوّرُ غامضٌ = توحي إليه في الرؤى ما يمثلُ
نَدِيَ التودّدُ لو يُصاغُ بحرفها = مثلَ المشاتلِ بالندى تتبلّلُ
نوتاتها للسمعِ أروعُ نغْمةٍ = وإلى اللسانِ هي الحلا والمعْسلُ
رتِلَ الكلامُ تناسقاً فتناغمتْ = فيها المغازي كالحبالِ تُجدَّلُ
طلقاً سما وَترُ اللسانِ بنطقِها = وبها الخطابةُ كالغمائمِ تسبلُ
وإذا اللغاتُ كما النجوم تلألأتْ = لُغتي المجرّةُ نورها لا يأفلُ
كالتاجِ أحرفُها زهتْ ونقاطُها = دررٌ لأركانِ الحروفِ تُجمِّلُ
وسِعتْ بأحرفهِا الكتابَ قراءةً = ومداركاً ومعاجزاً تتفصّلُ
وسعتْ كتابةَ آيةٍ فسمتْ بها = فإذا البناءُ بلاغةً لا يُعدَلُ
نمتِ العقولُ بحرفها وبيانها = وكذا المعارفُ والعلومُ الأشملُ
العزُّ فيها للنفوسِ وجاهةٌ = والفخرُ فيها سؤددٌ ومكلّلُ
لغة الخلودِ وإن تناسى أهلُها = قولَ الفصاحةِ والقواعدَ أهملوا
منها البيادرُ لــو جَنيْتَ نماءَها = ومِنَ اللغاتِ الغير يُجْنى الخردلُ
لولا كتابُ الله ضاعَ كيانها = وانْهارَ فيها المحتوى والأمثلُ
من بدلّ الضادَ الجليل بغيرهِ = فكمنْ شرى العالي بما هو أنزَلُ
يزدانُ مَنْ لغةِ السماءِ لسانُه = فهي الوسامُ على الرؤوسِ ومشعلُ
أيّ اللغاتِ بها تساوت في البُنى = فيْحاً وأيٌّ في الفصاحة أجزلُ
حُفظتْ بقرآنِ العليمِ ولم تزلْ= لغةَ التقاةِ وفي الجنائنِ ترفُلُ
رمزُ الشعوبِ لغاتُهمْ وحياتُهمْ = ماضيهمُ والآنُ والمستقبلُ
كالماءِ للشجرِ اللغاتُ لأهلهِا = من دونهِ رغم الخصوبةِ يذبلُ
كالأمِ تبقى للشعوبِ لغاتُهم = ماتوا إذا ماتتْ كأن لم يُمهلوا
لهَفِي على العربيّ يتركُ أمَّهُ = عجباً! أمِنْ لغة النبوّةِ يخجلُ؟
عربيةٌ لغتي وفخري أنّني = بالضادِ أنطقُ عاشقاً وأُرتّلُ