إن حقيقة تواجد ثقافة رجعية فى المجتمعات العربية هو أمر لا جدال فيه ومصادرها الرئيسية تبدأ بالنظام السياسى الذى يوفر لها البيئة المناسبة لنموها لخدمه أهدافه السياسية، ويليها المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية ثم أخيراً الجماعات والتنظيمات الإسلامية التكفيرية، تلك التنظيمات وضعت لأنفسها إيديولوجية وتعاليم إسلامية لم تأتى بها من زحل أو من المريخ، بل جاءت بها من كتب التراث الإسلامى وصمت جميع رجال الإسلام مفكرين ومثقفين ورجال دين على بروز تلك النبتة الشيطانية فى المجتمعات الإسلامية ولم يعترض عليها أحد، شيطانية لأنها تقوم بتكفير جميع من لا يريد الإنضواء تحت لواءها حتى وإن كان المجتمع نفسه مسلماً ولا يخفى على القارئ أن كلمة تكفير معناها الصريح قتل الكافر الذى أفتى رجال الدين المزعومين بقتله، إلا أن تلك التنظيمات والجماعات والحركات الإسلامية التكفيرية ، تؤمن وتعتقد إعتقاداً لا شك فيه أنها تمتلك صحيح الإسلام والحق الذى جاء به الرسول والنبى محمد وباقى أفراد المجتمع الإسلامى فى نظرهم ليس مسلمين.
 
كل هذا يحدث منذ سنوات طويلة وليس وليد اليوم وتحت سمع وبصر الجميع الذين هم بالإيمان مسلمين، التحرك سريعاً، عندما يرون ملامح خطراً مثل ثقافة الموت بدأ ينتشر فى المجتمع لهؤلاء التكفيريين أو تلك الجماعات التى فى ظاهرها تقدم مساعدات خيرية طبية وغذائية وتعليمية وغيرها، لكن فى باطنها ميليشيات حربية تكفيرية تنتظر ساعة الصفر للبدء فى جهاد وقتال المسلمين وغير المسلمين لتكوين دولتهم وخلافتهم الإسلامية الذين يعتقدون فيها، ونظراً لان الدولة والمجتمع مخترق من تلك الجماعات والتنظيمات الإسلامية التى تستضيفها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتعمل لحسابهم وفقاً لمصالح تلك الدول الإستراتيجية، لذلك نجد أن مخابرات تلك الدول الثلاث بمساعدة دولة إسلامية صديقة لهم مثل تركيا وقطر تقدم الدعم اللازم لهم أيضاً، ومن خبرة أجهزة المخابرات فى هذا المضمار نجدها تزرع أعضاء تلك الجماعات الإسلامية من سلفيين وإخوان مسلمين وداعشيين وغيرهم فى كافة أجهزة ومؤسسات الدولة لنشر ثقافة الموت التكفيرية.
 
كما يعرف الجميع أن ثقافة الموت التكفيرية تأتى من بين طيات كتب التراث الإسلامى المعترف به، ذلك التراث الذى يقدس الموت ويعتبره عقيدة أساسية مرغوبة من الإله الذى سيكرم الموتى من أجله بالجنة ونعيمها من العذارى وكل ما لا يخطر ولا يحلم به بشر، لذلك أصبح الموت وثقافته ينتشر عن طريق هؤلاء الإسلاميين بالممارسة التربوية والتعليمية، وتلك الدول ومخابراتها يصنعون من بعض أعضاء تلك الحركات والتنظيمات الإسلامية رجال أعمال يديرون شركات أقتصادية تتدفق عليها الأموال من تلك الدول الداعمة لهم لتأسيس مؤسسات تعليمية يقدمون من خلالها النموذج المثالى لعقيدة وتعاليم تلك التنظيمات الإسلامية التى جوهرها وهدفها النهائى جعل ثقافة الموت التكفيرية جزء لا يتجزأ من حياة هؤلاء الأفراد الذين تدريجياً ينخرطون فى صفوت تلك التنظيمات الإسلامية.
 
من أخطر الممارسات والأساليب التى تصيب دولة ومجتمعها هو إختراق ثقافتها ومؤسسات التربية والتعليم فيها، لذلك نجد أن قوى الإرهاب الذى تقودها مخابرات الدول الأجنبية تنجح فى خلق ثقافة إرهابية تساندها المؤسسات الرسمية سواء سياسية أو ثقافية أو دينية عن طيب خاطر، عن طريق خداعهم بأن تلك الحركات والتنظيمات وفكرها وثقافتها التراثية تعمل لحماية الدين الإسلامى والدفاع عن الله ورسوله ضد الإساءات والإفتراءات التى تصدر عن مجتمعات الكفار، من هنا تكون عملية الدعوة لثقافة الموت سهلة وميسرة بأعتبار أن الموت فى سبيل الدين والله ورسوله من أسمى أمنيات المسلم الذى تلقى تربية وتعليم مثالى بأن هذا هو الإسلام الصحيح الذى ينبغى أن يسود المجتمعات.
 
النتيجة الحتمية لثقافة الموت أرتفاع معدلات الأعمال والجرائم الوحشية والهمجية والدموية فى الدول العربية لأن الأنظمة السياسية الحاكمة، هى التى أغلقت أفواه التنويريين والحداثيين وفتحت أفواه جيوشاً من الدعاة والفقهاء الذين يساندون تعاليم الكراهية والتطرف والتعصب والتكفير عبر المساجد والفضائيات، حتى أصبحت واقعياً هى التعاليم السائدة للإسلام وبذلك أستولت ثقافة التخلف والظلام والعدوانية والموت على عقول صغارنا وكبارنا، وأصبح من الصعب إصلاح وتغيير تلك التربية وذاك التعليم الكاره للحياة والمحب للموت والسلطة الحالم بإقامة خلافات وإمبراطوريات دكتاتورية شمولية، تنتزع فيها حقوق وحريات البشر بأسم تعاليم دينية تراثية خادعة تستبيح دماء الجميع، فدخول الجنة من شروطها التراثية أن يكون طريقها غارقاً فى الدماء مزيناً برؤوس المخالفين الكافرين.
 
عندما تكون قضية الموت تربية وتعليم وثقافة ودين وشريعة الركيزة الأولى فى مناهجنا التربوية والتعليمية، فهذا معناه أن هناك خللاً عقلياً أصاب أفراد هذا المجتمع وأنه فى طريقه إلى الإضمحلال والإنقراض، ليحل محله بؤر جماعية وليس مجتمعية تعيش فى ظلام وتخلف البداوة وصحراء القبيلة، بؤر جماعية تمارس أعمال الغزو البدائية بصفاتهم الشخصية المتوحشة التى تضمر العداء للحجر والبشر، أفكارها صدامية إنتقامية ذكورية المبدأ والمنتهى لذلك سلوكياتهم تنتقم من المرأة بنزع إنسانيتها وإلغاء هويتها الأنثوية وإخفاءها حتى لا تصيبها نظرات الذكور الآخرين بآذى جنسى، لأنها النموذج البشرى المقابل لعذارى الجنة الموعودين بها من الله والذين يقتلون الآخرين ويموتون معهم من أجل أمتلاك ذلك الحلم العظيم.
 
إن واجب كل إنسان فى عصرنا هذا أن يراجع أفكاره ليتأكد من مصداقية أن صنع الحضارة والمساهمة فى تقدم البشرية يحتاج إلى ثقافة الحياة، لكن العكس تماماً أن ثقافة الموت والتكفير هى طريق الخراب والدمار وتدمير اى حضارة تم بناؤها وأستفادت منها البشرية، إن التحدى الكبير أمام كل فرد يشعر بمواطنته لبلاده أن لا يخضع ولا يركع أمام ثقافة التكفير والموت المدمرة للحياة الإنسانية، فهى ثقافة لا نهاية لحروبها وصراعها إلا بإنتهاء وإنقراض الجنس البشرى!!