أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف
كان من الآثار المباشرة لحركة نمو المدن العراقية في العصر العثماني، وبخاصة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة (الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد)، وما نجم عنه من نشاط متزايد في الحياة الاجتماعية لسائر الشرائح والفئات.
إن تعاظم دور التنظيمات الاجتماعية القائمة بما من شأنه أن يحقق نوعًا من التضامن داخل كل شريحة أو فئة، وداخل المجتمع ذاته ككل، فكان بروز دور تلك التنظيمات سمة عامة من سمات القرنين الأخيرين للعهد العثماني في العراق، لها دلالتها وأهميتها.
وتختلف مهمة هذه التنظيمات بين مدينة وأخرى اختلافات واضحة، يرجع أغلبها إلى طبيعة تكوين المدينة الاجتماعي والاقتصادي، كما تختلف أيضًا في وضوح انتماءاتها للطبقات الاجتماعية التي نشأت عنها، وعلى هذا فإن أبرز تنظيمات هذا العهد، وهي: نقابات الأشراف، والطرق الصوفية، وأصناف الحرفيين[1]، كان يفتقر إلى الحدود الفاصلة بينها عمليًّا، وهذا ما يؤكد حقيقة أن بعض التنظيمات قد فقد مبرر قيامه في بادئ الأمر، واتخذ في هذا العهد مبررات أخرى مستمدة من حاجة المجتمعات المدنية المختلفة، كما يؤكد أيضًا أن جميع هذه التنظيمات قد أمسى يمثل – في جوهره – مصالح الطبقات الدنيا من تلك المجتمعات، فالأشراف والطرق الصوفية والأصناف، كانوا يرتبطون – بصفة رئيسية – بمصالح طبقة واحدة تقريبًا، وهي طبقة العامة، بما فيها من فئات مختلفة، فكان تعاظم أهمية هذه التنظيمات، منسجمًا تمامًا مع تعاظم دور تلك الطبقة وازدياد ثقلها السياسي والاقتصادي في الحياة العامة في مدن العراق آنذاك.
وفيما يتعلق بنظام (الأصناف) نجد أن تزايد النشاط الحرفي في المدن العراقية خلال القرن الثامن عشر، وتطور العلاقات الإنتاجية بين الحرفيين من جهة، والتجار والفلاحين من جهة أخرى، قد أدى إلى تعاظم أهمية الأصناف باعتبارها تنظيمات اقتصادية – اجتماعية ذات أسس اخلاقية خاصة، تحمي أصحاب كل حرفة من التعدي، وتضمن مستوى مقبولًا للحرفة، وتحدد أسعار منتجاتها، وتنظم العلاقة بين الدولة وأرباب الحرف، وكان من الطبيعي أن تضم هذه الأصناف أكثر الطبقات في المجتمع العراقي آنذاك نشاطًا وإنتاجًا، وأن تؤدي دورها في تماسك ذلك المجتمع إلى حد كبير، وكان شيوخ الأصناف يَلون في المناسبات العامة، الأعيان والأمراء[2].
ومن المهم أن نذكر أن علاقة هذه التنظيمات بالطرق الصوفية، كانت علاقة وثيقة ومتداخلة تمامًا، وقد لاحظ بعض الباحثين مدى تأثير الطرق الصوفية في نظام الأصناف[3]، إلا أنه من غير الواضح على وجه التحديد، طبيعة العلاقة بين النظامين إبان العهد الذي ندرسه، فبينما نجد أن الطرق تحت أتباعها على امتهان الحرف واتقان الصنائع[4]، وتجعل من العمل قيمة أساسية من قيمها، وتضفي عليه عمقًا روحيًّا خاصًّا، فإننا نجد أن الأصناف تتجه لأن تكون طرقا بذاتها مستعيرة من الطرق الصوفية أغلب شعائرها وتقاليدها وروحانيتها، بل حتى شعائرها وتقاليدها المميزة لها، مثل المواكب الخاصة باتباعها، ومواسمها في زيارة قبور مؤسسيها وأوليائها وسلاسل مشايخها وإجازاتهم المتوارثة[5]، فكان للأصناف بوصفها تنظيمات اجتماعية، احتفالاتها ومواكبها ومواسمها الخاصة بكل منها، وتعد هذه الاحتفالات من أهم مظاهر الحياة الاجتماعية للصنف، ودليلًا على تضامن أعضائه، وغالبًا ما يكون الاحتفال عند وصول موكب أبناء الصنف إلى مرقد الولي (البير) الذي ينسب الصنف إليه تأسيس حرفته ويعده حاميًا له[6]، بل بلغ التداخل بين النظامين أن طريقة صوفية عرفت في القرن الثامن عشر، كانت تشتق اسمها (وهو: الشاكِردية)[7]، من الاسم الخاص بالمبتدئين في الحرف (شاكِرد)[8].
ومن المرجح أن يكون هذا التشابه بين النظامين الاجتماعيين راجع إلى تأثرهما كليهما، بنظام (الفتوة) الذي عرف في بعض أقطار العالم الاسلامي، وشهد تطورًا ونضوجًا واضحًا في بغداد في نهاية العصر العباسي، وكانت الفتوة، هذه، تنظيمات اجتماعية شعبية ضمت اليها أهل الصنائع في المدن الإسلامية، وتميزت بضوابط أخلاقية رفيعة، مثل المروءة والكرم والايثار[9]، وكان منها أيضًا من عرف بالشطار والعيارين، وتتسم فتوتهم بسمة عملية عنيفة، لها اثر اجتماعي ثوري، وسياسي في بعض الأحيان[10].
لقد أخذت الطرق الصوفية من (الفتوة) معظم تقاليدها وانظمتها الداخلية ومظاهرها الاجتماعية، وعليه فقد كان من المنتظر أن يكون لكل من الصنف والفتوة والطريقة، تأثيرات متبادلة، فتأخذ الأصناف الضوابط الأخلاقية الرفيعة من أهل الفتوة، وتأخذ الطرق الصوفية اصطلاحاتها منهم.
ن ذلك أن شيوع استعمال لفظ (الشيخ) لرئيس الصنف قد أخذ عن حركة الفتوة، وحل محل اسم (الرئيس)، وظهور طقوس معينة مثل (الشد) وهو الاحتفال بشد المئزر على الصانع كدليل على دخوله للصنف، على نحو شبيه بشد (الخرقة) للصوفي كإشارة إلى دخوله الطريقة، ومثل انتساب كل صنف إلى أحد الصحابة أو الأولياء (بير) باعتباره حامي الصناعة أو الحرفة وشيخها الروحي الأول[11].
تميز (الصنف) عن التنظيمات الاجتماعية الاخرى، بتكوينه الهَرَمي المحكم الذي يرأسه غالبًا (شيخ) منتخب من الأساتذة (الأسطوات) البارزين في الصنف، ويجمع في منصبه أكثر من وظيفة، مثل: أمين صندوق، وكاتب، ولعل من أهم مميزات هذا التكوين إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في العراق، تأثره الواضح بالنظام العائلي السائد في تلك الحقبة، فكان أن تحولت مشيخة الصنف إلى منصب وراثي محض، تتولاه في كل حرفة أسرة معينة مبرزة في صنفها[12]، على أن ذلك كان يستلزم موافقة أساتذة الصنف مما يُبقي صفة الانتخاب، ويظل الشيخ في منصبه مدى الحياة ما لم يصدر منه ما يوجب إبداله بسواه، ومن المحتمل أن يعرف هذا الشيخ باسم كهية، أو كتخدا[13]، وهو لقب بقي معروفًا في المدن العراقية حتى مطلع القرن العشرين، ويتولى الشيخ أو الكتخدا مسؤوليات عديدة فيما يتصل بأعضاء صنفه، فهو يشرف على شؤونهم الإدارية والمالية، ويحل النزاعات بينهم، ويرأس هيئة الإدارة، ويرعى المراسيم والحفلات، ويقوم بالنظارة الدائمة على أحوال الصنف، وتمثيل مصالحه لدى السلطات، ويشكل (الأساتذة) (الأسطوات) القسم الرئيسي من الصنف، وهم أرباب الحرف وأصحاب المشاغل اليدوية، وأصحاب العمل بالنسبة إلى الفئات الأخرى من الصنف مثل الصناع والمبتدئين[14]، وقد ظلت تلك الفئة هي المسيطرة على أحوال الحرفة، حتى بعد انهيار نظام الأصناف في القرن العشرين.
ويلي الأستاذ عادة من يعرف باسم (الخليفة) 9 أو (الخلفة) وهو يندب عن أستاذه في العمل أحيانًا، ويتبعه، ويتعلم منه، ثم (الصانع)، وأخيرًا المبتدئ (الشاكِرد) الذي يلتحق بالعمل طلبًا لتعلمه فهو أشبه بالتلميذ لأستاذه، ولقد ظل المصطلحان الأولان مستخدمين في الحياة الحرفية في العراق حتى عهد قريب، بل إلى الآن أحيانًا، أما مصطلح (الشاكرد) فقد لاحظنا أنه أُطلق في القرن الثامن عشر، على طريقة صوفية، لا على فئة معينة من أهل الحرف، وفي الواقع فإننا ما زلنا في حاجة إلى معلومات عن هذه الناحية.
ولقد كفلت قوانين العصر لأعضاء الأصناف، مكانة خاصة تميزهم عن غيرهم من أهل المهن الأخرى في المجتمع، فنرى أن فقيهًا بغداديًّا من أهل القرن السابع عشر[15] يميز بين نوعين من الأجَراء، وهما الأجير المشترك (وهو الذي يستحق الأجرة بالعمل لا بتسليم النفس)، والأجير الخاص – (وهو الذي يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة المتعاقد عليها وإن لم يعمل)[16]، فالحدّاد والنسّاج والطبيب هم أجَراء مشتركون؛ لأنهم يقومون بأعمال خدمة لعدد مختلف من الناس في الوقت الواحد، وهم لذلك يتمتعون بالحقوق الهامة المكفولة لهذا النوع من الأجَراء، وأهمها توفر استقلال شخصياتهم من عملائهم، فهم – بحسب هذه القاعدة – أرباب عمل حقيقيون، وليسوا أجراء عاديين.
ويقدم الفقيه البغدادي المذكور أمثلة متنوعة على ما كان سائدًا من حقوق حرفيي الأصناف في عهده، فمثلًا لا يُسأل الحارس المستأجر لحفظ الخان إذا ما سرق ولا يطلب بتعويض؛ “لأنه يحفظ الأبواب، أما الأموال فهي بيد أربابها”[17]، وصاحب الخان المستأجر لحفظ الأمتعة غير مسؤول إذا ما سطا سارق على أمتعته أثناء غيابه، وكذلك لا يدفع الحرفي، مثل: النساج والحداد والقصار (المشتغل بقصر ألوان الملابس) والدباغ، تعويضًا عن شيء فقد من محل حرفته أو تلف بغير سبب منه، حتى لو ترك محله ذاك في وقت كثر فيه اللصوص[18]، وجعل للحرفيين الذين لعملهم أثر كالصباغ “حقًّا في الاحتفاظ بالسلعة عند مماطلته بالسعر، وهو ليس مسؤولًا عنها إذا ما تلفت أو فقدت[19] وأعفى الأطباء والجراحيون عمومًا من مغبة أعمالهم إذا ما هلك مرضاهم، دون سبب منهم واضح[20]، كما أعفى الملاحون من المسؤولية إذا ما غرقت سفنهم المحملة ببضائع غيرهم، حتى وإن كان غرقها بسبب عطب فيها[21].
أما الأجير الخاص، فهو على ما تدل الأحكام الخاصة به، تابع للحرفي، وهو في الغالب مستأجر لديه، ولهذا فليست له شخصية خاصة به عن مخدومه، وهو يستحق أجرته منه في كل الأحوال، حتى في حالة تعطله عن العمل[22]؛ لأنه محسوب عليه ولا مورد له من سواه، ويبدو أن هذا الأجير لم يكن في معظم الأحيان إلاّ تلميذ الحرفي أو صبيه، إذ يؤكد البغدادي على عدم قيام المعلم، أو الأستاذ، بضرب صبيه، أو تلميذه، إلاّ بإذن أبيه أو وليّه[23]، وإذا ما أذن للصبي بالترقي إلى مرتبة (الصانع) اختلف وضعه القانوني، فيحمل عند ذلك مسؤولية كاملة تجاه رب عمله (الحرفي)، فهو يعوّض ما يفقد منه أو يتلفه من سلع على عكس زميله غير المأذون، الذي يتحمل عنه مخدومه مسؤولية أعماله كافة[24].
ويحدد مؤلف عراقي مجهول، في مخطوطته عن تقاليد صنف الحلاقين كتبت في القرن الثامن عشر، ما يجب أن يكون عليه (الحرفي) الذي هو عنده (المُزيِّن) باثني عشر شرطًا، هي:
1- أن لا يخدم أستاذًا ما خدم أستاذًا ولا هو داخل في معرفة الأستاذين (كذا).
2- أن يخدم أستاذًا عارفًا بأركان الصناعة وقواعدها وشروطها حتى يضع كل شيء في موضعه من الشروط والقواعد ولا ينكر على أستاذه لئلا ينكر عليه.
3- أن يكون مع الناس حاضرًا في خدمتهم وناصحًا لهم ومحترمهم ومعزًا لهم وقائمًا بحقوقهم.
4- ان يأخذ العهد والبيعة من يد أستاذه ويستأذنه ويطلب منه الرخصة في الصنعة.
5- ان يعيش بالكد الحلال ويقنع به وإن كان قليلًا.
6- أن يكون مواظبًا على الفروض الخمسة في الأوقات الخمسة ويكون صاحب عبادة وذكر لله تعالى على كل حال وان يكون حامدًا شاكرًا ذاكرًا لله تعالى قانعًا بما قسم الله له.
7- ترك الهوى وحظوظ النفس والتكبر بل يكون متواضعًا خاشعًا خاضعًا عفيفًا لطيفًا.
8- أن يكون إذا رأى رأس أحد من المسلمين طويلًا يزينه ولا يخجله في الثمن، فإنه ربما يكون لا يملك الثمن في وقته ذلك، بل إذا أعطاه شيئًا أخذه منه بالقبول والبركة قليلًا كان أو كثيرًا، وأن يعطيه شيئًا لا يطالبه، فربما يكون صِفر اليدين.
9- أن ينظر إلى الغني والفقير بعين واحدة، ويكون في خدمتهم سواءً.
10- أن يفرق بين المؤمن والمنافق، فإذا حضروه (كذا) مؤمن ومنافق، فيقدم المؤمن على المنافق، وإذا حضر شريف وعامي، فيقدم تزيين الشريف لشرفه.
11- أن يكون إذا رأى في جسد إنسان عيبًا وخللًا، فلا يظهره على الناس بل يكتمه ويستره.
12- أن يكون عارفًا بقواعد الصناعة، عارفًا بشرائطها وأركانها، وما يحتاج إليه في صنعته[25].
ويحدد صاحب المخطوطة المذكورة طبيعة العلاقة بين الصانع الحرفي (المُزيِّن) وأستاذه، فيقول: “يجب عليه أن يكون في خدمة أستاذه كالميت بين يدي المغسل، والصانع لا يكون صاحب حجة على أستاذه، ويجب على الأستاذ أن يعلم صانعه النصيحة، وأن يذهب به إلى المرشد الكامل؛ حتى لا يبقى للصانع حق على أستاذه، وله – أي: لأستاذه – أن يمنع صانعه من اللعب والطرب واللهو، ولا يغتاض (كذا) على صانعه من غير ذنب، ولا يضربه بغير سبب، ولا يعمل في تعليمه له تقصيرًا، واذا كان عند أستاذه معرفة غريبة يعلمها لصانعه، وكلما كان عنده من الصنائع يظهره عليه، ولا يخرج الصانع من عند أستاذه إلاّ بإذنه[26].
ويبدو أن الرقابة على الأصناف والحرف ازدادت إبان العصر العثماني، فخضعت الأصناف إلى إشراف موحد، وذلك بأن جعلت تحت (مشيخة) عامة واحدة، وفرضت عليها الضرائب بالضمان أو بالالتزام، فكان للحرف ضامن ملتزم أمام حكومة الولاية بتحصيل الضرائب على أهل الأصناف، وهو أمر أدى إلى أن يُسمّى شيخ الأصناف مسؤولًا أمام الضامن مباشرة، وليس أمام الحكومة[27].
ويفهم مما أورده المؤرخ الموصلي محمد أمين العمري (توفي سنة 1201هـ/1786م) أنه كان على هذا الشيخ أن ينظم حساباته في (دفتر) خاص يبين فيه ما ينفقه وسبب انفاقه، وأنه كان عليه أن يقدم دفتره إلى الضامن؛ ليشرف بنفسه على سير الأمور المالية للأصناف بأسرها[28].
وكان لكل نوع من الأصناف قانون خاص يعرف بـ(الدستور) تتعلق أحكامه بالأمور المالية للصنف، وبخاصة ما يتصل بتحديد أجور الصناع، وتقدير كمية الإنتاج، والضرائب المفروضة على الصنف، وتكشف سجلات ولاية البصرة العثمانية (القرن السادس عشر) عن وجود عدد كبير من (دساتير العمل) هذه، فكان هناك دستور للقصابين وللدباغين وللخصافين[29] وللعطارين، ولدلالي الأقمشة والعقاقير، وكان هناك أيضًا دستور لصباغي الغزول وغيرها يحدد أسعار الصبغ، وآخر للملاحين[30].
وبقدر اهتمام واضعي (دساتير العمل) بالأمور المالية للأصناف، فانهم أغفلوا توضيح دورها الاجتماعي في المدينة، ووضعها الإداري فيها، ففي الوقت الذي كانت فيه أصناف معظم المدن العثمانية تخضع لإشراف موظف خاص يدعى المحتسب، أو (احتساب آغاسي) موكل من قبل قاضي المدينة بتدقيق الموازين ومراقبة السوق[31]، فإن السجلات العراقية العثمانية تخلو من الإشارة إلى هذا المنصب الهام، وإن تكن تشير إلى وجود ضريبة باسم (الاحتساب) تؤخذ على أساس النسبة الشرعية 1/40[32].
وكان على الأصناف أن تؤدي، متضامنة، أنواعًا من الضرائب الحرفية إلى الملتزمين (الضامنين) الذين يفوّضون حق استيفائها بالمزايدة السنوية، وتعرف هذه الضرائب بالتمغا، أو الطغمة، وقد تدخل في هذه الطريقة من الالتزام دور الصناعة العامة التي يملكها الصنف برمته، كأن تكون على المصابغ (بويه خانه) ودور النسيج (ابريسم خانه) ومواقد النار لإذابة القار (القير خانه) والمخابز (يمك كارخانه) والممالح، وفرضت أيضًا على الدكاكين والأسواق[33].
وكان لتزايد النشاط الاقتصادي في مدن العراق، في أوائل القرن الثالث عشر للهجرة (أواخر القرن الثامن عشر للميلاد)، أثره في زيادة أهمية ضمان الأسواق والمرافق الاقتصادية وما يدره ذلك من أموال، فسجل (التزام) سوق الغزل ببغداد، وهو السوق المختص ببيع الغزول اللازمة للنسيج زيادة سنوية مستمرة خلال السنوات المختص ببيع الغزول اللازمة للنسيج زيادة سنوية مستمرة خلال السنوات 1212 – 1216هـ/1767-1801م على النحو الآتي:[34]
1212 | 2250 |
1213 | 4000 |
1214 | 4500 |
1215 | 5000 |
1216 | 5400 |
وبلغ من نفوذ السلطة السياسية على شؤون الأصناف، أن تولي الوالي نفسه إدارة تلك الشؤون أو الإشراف عليها من النواحي المالية، وهو ما كان يحدث في الموصل إبان القرن الثالث عشر للهجرة (القرن التاسع عشر للميلاد)؛ حيث كانت عملية البيع تجري بين الأصناف بالدين، بضمانة الوالي نفسه، ويحتفظ الأخير بسندات الصفقة في خزينة الولاية[35]، ويحدد صاحب تاريخ ماردين[36] أواسط القرن الثاني عشر تاريخًا لقيام السلطات المحلية بالاقتراض المنظم من الأصناف، ومن ثم بداية جدية لتدخلها في شؤونها المالية مباشرة، فيقول ترجمة (الخزينة كاتبي محمد أفندي) متسلم ماردين، وكانت يومذاك جزءًا من ولاية بغداد، “ثم حكم الخزينة كاتبي محمد أفندي سنة 1155هـ/1742م، وحكمه أربع سنين..، وهو الذي أبدع الدين على أهل الحرفة، وكان يعطيهم بذلك صكًّا مختومًا، فإذا أراد أداء دينه أعطى من الأموال ما أراد بمقدار ما يريد كما هو المعتاد في هذا الزمان”.
ويبدو أن للأسباب المالية والإدارية دورها في ضم عدد من الأصناف المتشابهة حرفها، ضمن صنف واحد؛ إذ تشير نصوص تاريخية[37] إلى أنه كان في الموصل سبعة أصناف، يرأسها شيخ يعرف باسم (شيخ الأصناف السبعة)، وأغلب الظن أن تحديد عدد الأصناف بسبعة فقط، لم يكن إلا تحديدًا رسميًّا، هدفه توحيد إدارة كل مجموعة من الأصناف المتقاربة المهن، في صنف واحد رئيس، تسهيلًا للإشراف على الحرف العديدة التي كانت منتشرة في ولاية الموصل آنذاك، وضم الجميع تحت (مشيخة) عامة واحدة[38].
وفي الواقع فإنه ليست ثمة معلومات دقيقة عن عدد الأصناف في المدن العراقية إبان العصر العثماني، ويقدم لنا مؤلف فقهي مهم، كتب في القرن الحادي عشر (السابع عشر للميلاد)[39] عرضا لأسماء الحرف الرئيسية القائمة في عهده والتي تبلغ الأربعين، ويمكن القول استنادًا إلى ما يصفه المؤلف من الوضع القانوني الخاص بكل نوع من الحرف، بأن هذه الحرف كانت تشكل (أصنافًا) قانونية قائمة بذاتها، وأصحاب تلك الحرف هم:
القصابون، الطباخون، الطحانون، الخبازون، النساجون، الحيّاك، الخياطون، القصارون، الصباغون، الصياغ، الصيقليون (صاقلوا السيوف)، الفصادون، الحجارون، الختانون، الكحالون (أطباء العيون) البياطرة، الملاحون، الوراقون، الغلافون، الكتاب، الإسكافيون، الخفافون، النجارون، الدلالون، السماسرة، البياعون، النحاسون، دلالو الأراضي، الحراس، الخانيون (اصحاب خانات التجار)، المكاريون والحمالون.
ومن الواضح ان هذه القائمة أغفلت أصنافًا أخرى من الحرفيين؛ مثل: السقائين والنحاسين والأطباء والحدادين.. إلخ، وأنها لم تذكر إلاّ قسمًا يسيرًا منهم فقط[40]، ويعقد الرحالة التركي أوليا جلبي، في كتاب سياحته، (وكان قد زار بغداد في مطلع السابع عشر) فصلاً خاصًّا بـ(الحرف والصناعات) ببغداد، لكنه لا يشير إلى أكثر من خمسة أصناف رئيسية، هم صناع السروج، والصاغة، والخياطون، والحدادون، وصناع السيوف[41].
وتشير قائمة أحياء بغداد وعقودها التي وضعها الكوماندز فليكس جونز في منتصف القرن التاسع عشر، إلى نحو سبعين صنفًا متميزًا مستقلاًّ[42]، وتشمل أغلب ما تحتاجه المدينة، في ذلك العهد، من منتوجات وخدمات مختلفة[43].
وزاد من أثر الأصناف في الإدارة وفي توجيه الحكام، انضمام معظم الحرفيين إلى أورطات (فرق) الجيش الانكشاري المرابطة في المدن العراقية[44] وأداؤهم من خلال تلك الأورطات أدوارًا سياسية هامة، ففي عام 1191هـ/1777م، عرض (عامة البلد) في ماردين، على السلطان عبدالحميد الأول، إعادة تشكيل أوجاغ للانكشارية كانت الدولة قد استحدثته في البلدة في أول عهدها فيها ثم ألغته “والتمسوا أن يخرطهم في سلك الينكجارية (الانكشارية)، ويراعوا شروطها العرفية كما هو القانون المعتاد، ويكونوا من عسكر السلطان كسائر البلاد، وغرضهم من ذلك أن يكونوا على الاتفاق؛ لئلا يجور عليهم أهل البغي والنفاق، مع أن التدابير لا تغلب التقادير..، فأجابهم السلطان إلى ما طلبوا وأدخلهم في هذا الأوجاغ، ثم أنهم شرعوا بالزنا وشرب الخمور، وتعاملوا بأنواع الفسق والفجور، فمنهم من كان يمنع حقوق العوام، وبطل بينهم الشرع وحكم الحكام، وصاروا كأنهم عمالقة من بني حام..، ثم إنهم هجموا يومًا على الويوده (متسلم وحاكم) عرب علي اغا وقتلوه وقتلوا خزينة داره سليمان أغا”[45]، وفي عام 1225هـ /1810م لبس أهل الأسواق ببغداد سلاحهم وعزموا على قتل قائممقام المدينة، ولم يثنهم عن عزمهم سوى استعانة القائممقام المذكور بقوات القبائل المجاورة[46].
وربما زادوا من قوتهم بالتحالف مع قوى محلية أخرى، معلنين تمردًا عامًّا، فيغلقون الأسواق، ويتقلدون السلاح[47].
على أنه تجدر الإشارة هنا ان الأصناف لم تستطع أن تبلغ في فعاليتها السياسية حدًّا يمكنها من الاستحواذ على السلطة السياسية في المدن، حقيقة أنهم كانوا دومًا عنصرًا له أهميته من الناحية الاقتصادية، إلا أنهم لم يتمتعوا بنفوذ سياسي مؤثر على نفس المستوى[48].
ولقد بقيت طبقة التجار، بما لها من تحكم في تصدير السلع المنتجة وتوريد مواد التصنيع الخام، تمارس سيطرتها على السوق المحلية، ومن ثَمَّ على وضع الأصناف الاقتصادي نفسه، وبوصول تلك الطبقة، في بعض المدن العراقية إلى السلطة السياسية[49]، وتمكنهم في البعض الآخر من التأثير على تلك السلطة[50]، فإن سيطرة التجار على الأصناف أصبحت ذات مدلول سياسي أيضًا، ومن ثم يمكن القول بأن طبقة التجار بقيت تشكل حائلًا فعالًا يقف بين الأصناف وبين السلطة السياسية ويمنعها من نيل امتيازات رئيسية كالتي نالتها مثيلاتها في أوروبا، وهو أمر كان من شأنه أن يجعل نظرة هذه الأصناف إلى السلطة البلدية والمركزية مشوبة بكثير من الشك والريبة[51]، وأن تتضافر مع التنظيمات الاجتماعية الأخرى، كالطرق الصوفية والتجمعات الشعبية التي تقودها نقابات الأشراف، في الوقوف أمام تلك السلطة.
على أن مثل هذا الموقف لم يكن يمنع أحيانًا من أن تتخذ الأصناف موقفًا مؤيدًا للسلطة المحلية المتمثلة بنظام المماليك، وبخاصة عند تعرض هذا النظام لمحاولات السلطة المركزية العثمانية في التدخل في شؤون الولايات العراقية الداخلية.
من ذلك ما حدث سنة 1192هـ/ 1778م، حينما انضمت أحياء هذه التنظيمات، وهي باب الشيخ (مركز قيادة الطرق الصوفية ونقابة الإشراف) والشورجة (مركز تجمع التجار والحرفيين) ورأس القرية (مركز الأسواق)، إلى جانب القيادة المملوكية البغدادية، مناوئين بذلك محاولة الدولة العثمانية فرض وال دخيل على الولاية[52].
لذلك لم يكن غريبًا أن تفرض الدولة الضرائب الفادحة، بل الغرامات، على الأصناف إثر سقوط نظام المماليك، عقابًا لها على موقفها المساند لهذا النظام، ويذكر المؤرخ عبدالرحمن حلمي العباسي السهروردي (توفي 1287هـ/1870م)، ناقلاً عن أبيه الذي عاصر زوال المماليك ودخول علي رضا باشا بغداد أن الأخير” وضع ضرائب على التجار والبزازين والخفافين والحدادين والعطارين وغيرهم من الوجوه والأغنياء، فالذي لم يدفع يحبس ويضرب”[53].
وعلى الرغم من الطابع الديني الصوفي الذي كان يسود الأصناف إبان هذا العهد، فقد ضمت الأصناف المذكورة مختلف الطوائف الدينية دونما تمييز إداري يذكر، وذكر عبدالرحمن السهروردي في نصه المتقدم أن علي رضا باشا لم يميز في فرضه الضرائب بين” [أهل] الإسلام واليهود والنصارى”، وكان معظم تلك الأصناف كان منظمًا بحسب التخصصات المهنية المميزة للطوائف الدينية المختلفة، فمهنة الصيدلة والصياغة، إلى جانب معظم التجارة في المواد الغذائية، كانت حكرًا على المسلمين، في حين كانت الصيرفة والتجارة في الذهب والفضة من نصيب أصناف يغلب عليها الذميون، وبلغ هذا التخصص في الأصناف حد أن كانت مهنًا معينة، مثل صياغة الفضة والتطعيم بالمينا حكرًا على طائفة الصابئة، بينما بقيت صياغة الذهب بيد المسلمين، وظل نحت الرخام مهنة خاصة بالنصارى في الموصل، في حين اختص المسلمون بعملية البناء والعمارة.
ويبدو أن للعلاقات القبلية دورها أيضًا في تنظيم التخصصات المختلفة للأصناف، وهو أمر معقد اختصت به مدن العراق إبان العصر العثماني، وبخاصة في القرن التاسع عشر، حين اشتدت الهجرة القبلية والريفية إلى المدن نسبيًّا، وفيما يأتي نماذج لهذه الحالة الاجتماعية إلى مدينة بغداد[54]:
الحمالون: عشيرة البو مُفرِّج.
العَلوَجية (وهم أصحاب مناثر المنتوجات الزراعية، أو أسواق الجملة):َ عشيرة الكُرْوية.
الحماميون والحمالون: عشيرة البو عَجيل.
الطباخون: عشيرة بني عِز.
العكامون (وهم خدم القوافل وحراسها) عشيرة البو صقر والجنابيون والسواكن.
صناع الحُصر: عشيرة الجعيفر
أهل الأطعمة (الأكمكجيون): جماعة الفلاحات.
المكاريون: جماعة الوشاحات.
القصابون: عشيرة المهدية.
الفحامون: عشيرة جميلة.
بوابو (حراس) المخافر: عشيرة البو شِبل.
ولم يقتصر هذا الوضع على بغداد فحسب، بل تعداها إلى مختلف المدن العراقية كالحلة[55] وكركوك[56] وغيرها.
ولم يقف نمو طبقة التجار وسيطرتها على السوق المحلية عند حد ممارسة نفوذها على الحياة السياسية فحسب، بل تعداه، في القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي)، وبخاصة في النصف الثاني منه، إلى أن يوسع أولئك التجار نشاطهم متعاونين مع الجاليات الأجنبية، أو من يرتبط بمصالحها كالأرمن واليهود وبعض الأسر النصرانية الحلبية، فيفتحون بذلك الأسواق المحلية على مصراعيها، أمام البضائع الصناعية الأوروبية الرخيصة، وهكذا فقد احتلت تلك البضائع الأسواق منافسة الإنتاج المحلي على نحو خطير، وانخفض في الوقت نفسه، استيراد الخامات نصف المصنوعة التي يحتاجها الحرفيون عادة في أعمالهم، وخاصة منها الغزول والأصباغ (النيلة)؛ مما أدى إلى ركود مضطرد في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأصناف عمومًا، فانخفض مثلًا عدد ورش النسيج في بغداد من 12,000 معمل في منتصف القرن التاسع عشر إلى بضع مئات في بداية القرن العشرين[57]، ومثل ذلك ما حدث في البصرة؛ حيث اختفت تقريبًا صناعة أنواع من النسيج المحلي عرفت بها، وفي الموصل أيضًا، التي طالما اشتهرت بقماشها (الموصلين) الثمين، وبازدياد استيراد الأواني المعدنية المطلية من أوروبا، تقلصت صناعة النحاس المحلية إلى حد كبير[58]، بعد أن وصفت في القرن الثامن عشر بأنها تفوق المصنوعات الأوروبية اتقانًا وجودة[59]، وعجزت صناعة النفط المحلية والأسفلت في (مندلي) و(هيت) من منافسة نفط باكو والولايات المتحدة، فأغلقت سنة 1901 العين النفطية في مندلي، وهي التي كانت تبعث بمنتجاتها حتى ذلك الحين إلى بغداد.
ولقد أضر هذا الوضع بمصالح طبقة الحرفيين بشكل عام، وأضعف من تنظيماتها إضعافًا شديدًا. وشهدت أواخر القرن التاسع عشر ضمورًا بالغًا في دور الأصناف، وفي أوائل القرن العشرين قامت بعض الأصناف بإضرابات عامة مطالبة بزيادات في الأجور، ولعل أول إضراب نسمع به في بغداد، حدث في أواخر سنة 1912، حين اجتمع دباغو الأعظمية قرب بغداد في أحد الردهات مطالبين – فيما يبدو- بزيادة في الأجور؛ إذ ما أن زاد رئيسهم (الكتخدا) رواتبهم حتى “عدلوا عن غايتهم شاكرين له”[60]، ويلاحظ أن هذا الإضراب لم يكن ضد السلطة أو من يمثلها، وإنما ضد رئيس الصنف؛ مما دل على أن حالة من التفجر أخذت تعمل على تدمير ما تبقى من نظام الأصناف التقليدي، تاركة المجال أمام تنظيمات جديدة، أكثر تمثيلًا لظروف المرحلة التالية وحاجاتها، لتحل محلها في قيادة حركة العمل في العراق الحديث.
[1] الصنف لغة: الطائفة من كل شيء، وكل ضرب من الأشياء صنف على حدة، وقد أورد المؤرخون القدامى كلمة (صنف) على نحو يدل على أنها استخدمت للتعبير عن الجماعات الحرفية في المجتمعات الإسلامية، وهي ما كان يشار إليه بأصحاب المهن، وأهل الصنائع، وأرباب الحرف. ينظر عبدالعزيز الدوري: نشأة الأصناف والحرف في الإسلام، مجلة كلية الآداب ببغداد، 1(1959) ص141.
[2] المصدر نفسه والصفحة.
[3] Lewis, B, Islamic Guilds, Economic History Review vol. VII, PP. 28, 29
[4] لاحظ النظام الداخلي للطريقة الرفاعية في: أبو الهدى الصيادي: الطريقة الرفاعية (بغداد 1969) ص 88- 92، وقد عرف هذه الطريقة بأنها “اتخاذ حرفة للمعيشة من طريق حل، وقد عد ذلك الامام الرفاعي رضي الله تعالى عنه سلوكا وأوصى أتباعه بذلك وبالغ بالوصية” ونقل عن الشيخ سكران البعقوبي (نسبة إلى بعقوبا قرب بغداد) قوله: “اعمل ولو ببيع الإبرة والجرة، واقصد بها الطاعة لأوامر نبيك يبارك لك في عملك وتثاب وإياك والكسل” ونقل عن أحمد الرفاعي قوله: “احترف بما تصل إليه قوتك ويبلغه إمكانك أدنى حرفة من الأعمال والصنائع..، انسجوا وشى صنعاء وبز فارس وخز إشبيلية بين سواري أروقتكم بهذه القرية، وأجمعوا بين صنائع العرب والفرس والروم..”، وانظر أيضًا عبدالمجيد الخادمي: شرائط النقشبندية (مخطوط في مكتبة جامعة القاهرة) وإبراهيم فصيح الحيدري، عنوان المجد في أحوال بغداد والبصرة ونجد (بغداد 1961) ص 130.
[5] أوليا جلبي سياحتنامه سي، استانبول 1314هـ، ج1 ص 513 و 499 – 500.
[6] من ذلك مثلًا أن جميع قصابي بغداد كانوا يحتفلون، في مواسم معينة، بزيارة الضريح المنسوب إلى (جومرد القصاب) في أحد أحياء بغداد الشرقية. وأن صنف الخياطين ببغداد، كان يزور بكامل هيئته، كل عام، قبر من يدعى بالسيد ادريس (في الكرادة الشرقية وسط مزارع خارج بغداد) على أساس أنه كان رئيسًا للخياطين أو حاميا لهم، فكانوا على ما وصف بعض معاصريهم ” يحجون إليه وهم بكامل ملابسهم الجديدة المزركشة، بما كانت تجري عليه سنن الأزياء في ذلك الوقت”. وكان ثمة زيارة عامة يقوم بها عدد من الأصناف إلى ضريح الصحابي سلمان الفارسي في بلدة سلمان باك (عند المدائن القديمة) وهي احتفال يظهر التضامن العام بين أهل الحرف، على اختلاف اختصاصاتهم، فسلمان، على ما يذكر أوليا جلي، الحامي الرئيس لعموم أهل الحرف، ومنه تسلسلت إجازات الأصناف إلى أصحابها.
[7] Niebuhr. C.. Voyago en Arabie, II. 242
[8] أوليا جلبي سياحتنامه سي، ج1 ص604.
[9] يؤكد محمد بن أبي المكارم ابن المعمار البغدادي على أهمية قيم الفتيان وأخلاقهم، ويجعل من المروءة شرطًا أساسيًّا للفتوة، ويذكر مائتي خصلة يندب الفتى لفعلها ونقل عن الجنيد البغدادي التعريف الآتي: (الفتوة كف الأذى، وبذل الندى، وترك الشكوى)، (كتاب الفتوة، تحقيق مصطفى جواد وآخرين، بغداد 1960 ص 153 و 168 و 256 – 261) وهذه الأخلاق هي التي دفعت بعض الباحثين، مثل (Hammer) إلى القول بأن نظام الفروسية الأوربي مقتبس من هذا النظام. انظر Lewis, op. cit, 30 ويرى تشنو أن حركة الفتوة بدأت كحركة فروسية ارستقراطية، ثم تحولت فصارت حركة الطبقة المتوسطة في القرن 13 الميلادي، وأخيرًا هبطت في القرن 15 إلى أن أصبحت حركة العوام، وهكذا اندمج الفتيان بنقابات الحرف (عبدالعزيز الدوري: الأصناف والحرف الاسلامية، مجلة القضاء، (بغداد 1952) ص 12 ويرى كوبرلي أن الفتوة هي التي قلدت الطرق الصوفية في أركانها ومواسمها، وذلك قبل أن يغلب عليها طابع الصناعة بانضمام (صبيان أرباب الحرف) اليها . انظر محمد فؤاد كوبرلي: قيام الدولة العثمانية، ترجمة أحمد السعيد سليمان، القاهرة ص 110 – 111.
[10] ثمة تفاصيل مهمة عن صلة الفتوة بحركة العيارين والشطار التي ظهرت في العراق منذ القرن الثاني للهجرة (الثامن للهجرة) وحتى أواخر العصر العباسي في: عبدالعزيز الدوري: نشوء الأصناف والحرف في الإسلام، مجلة كلية الآداب (بغداد 1959) ص 157.
[11] جب وبوون: المجتمع الإسلامي والغرب، ترجمة أحمد عبدالرحيم مصطفى، القاهرة 1971، ج2 ص 123.
[12] نيقولد سيوفي: مجموع الكتابات المحررة على ابنية الموصل، تحقيق سعيد الديوه جي، بغداد 1956، ص 57 حاشية.
[13] الكتخدا، وتخفيفه: كهيه: كهيا، كاهية، اصطلاح فارسي مركب بمعنى صاحب الدار، وهو يطلق على وظائف متعددة متنوعة، منها مساعد الوالي ومعاونه. ويلاحظ ان محلات المدن العراقية الرئيسية، مثل بغداد والموصل والبصرة، كان يرأسها، في العصر العثماني، رؤساء يحملون لقب كتخدا هذا. سجلات الدولة العثمانية Tapu Defteri، سجلات ولاية بغداد، دفتر 1028، ورقة 361 وولاية الموصل دفتر 195 و 660 ومدينة البصرة دفتر 282 ورقة 442.
[14] انظر جب وبوون ج2 ص124 – 125 وكوبرلي: مصدر سابق 101 و Massignon مقالة sinf في Enc. Of Islam
[15] غانم بن محمد البغدادي الحنفي المدرس في المدرسة المستنصرية (توفي سنة 1620م/1030هـ): مجمع الضمانات في مذهب الامام ابي حنيفة النعمان (مخطوط في مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد).
[16] مجمع الضمانات، الورقة 10
[17] المصدر نفسه، الورقة 15.
[18] مجمع الضمانات، الورقة نفسها.
[19] المصدر نفسه، الورقة 22 (ضمان الصباغ).
[20] المصدر نفسه، الورقة 25 فصل (ضمان الفصاد ومن بمعناه).
[21] المصدر نفسه، الورقة 26 فصل (ضمان الملاح).
[22] المصدر نفسه، الورقة 14 فصل (في الأجير).
[23] المصدر نفسه، الورقة 22 فصل (ضمان المعلم ومن بمعناه).
[24] المصدر نفسه، الورقة 14.
[25] مجهول: رسالة في حلاقة الرأس، مخطوط في المكتبة القادرية ببغداد، الورقة 12-18.
[26] المصدر نفسه، الورقة 21.
[27] عماد عبدالسلام رؤوف: الموصل في العهد العثماني، النجف 1975، ص 291.
[28] منهل الاولياء ومشرب الأصفياء من سادات الموصل الحدباء، تحقيق سعيد الديوه جي، الموصل 1967، ج1 ص132.
[29] الخصاف المشتغل بكبس التمور.
[30] الأرشيف العثماني، سجلات ولاية البصرة، دفتر 282، الورقة 425- 429.
[31] الظاهر أن أولئك المحتسبين كانوا لا يعينون في مناصبهم إلا في المدن التي فيها قاض، وبتحصيل مختلف الرسوم على السلع والصفقات التجارية، كما كانت له سلطة القضاء في شؤون الأصناف بسرعة تأخير خلافًا للقاضي الذي تخضع أحكامه لإجراءات شرعية، أنظر جب وبوون: المجتمع الإسلامي والغرب ج2 ص130-131 ونقولا زيادة: الحسبة والمحتسب في الاسلام، بيروت 1963، ص 31- 41 ويلاحظ شابرول ان بعض الطوائف (الاصناف) في القاهرة كان يخضع لاشراف آغا العزبان والمحتسب، وللأخير حق الإشراف الخاص على المواد الغذائية . انظر: شابرول: دراسة في عادات وتقاليد سكان مصر المحدثين، ترجمة زهير الشايب القاهرة 1976، ص 288.
[32] عباس العزاوي: تاريخ الضرائب العراقية ، بغداد 1959، ص 50.
[33] سجلات ولاية البصرة، دفتر 282 ورقة 425.
[34] المحكمة الشرعية ببغداد، سجل 6 قديم، ورقة 34.
[35] مجهول: القوانين السلفية، مخطوط في المركز الوطني للمخطوطات ببغداد، الورقة 18.
[36] عبدالسلام المفتي المارديني: تاريخ ماردين، مخطوط في دار الكتب المصرية، الورقة 141.
[37] امين العمري: منهل الاولياء 1/142- 143.
[38] كان عدد الاصناف في حلب المجاورة (72) صنفًا، وعلى كل واحد شيخ (توتل: وثائق تاريخية عن حلب، بيروت 1958)، ويذكر الجبرتي نحو 70 أو 72 (صنف) في القاهرة، وهو يماثل ما كان موجودًا في حلب (جب وبووز 2/139) ومن المحتمل ان يكون هذا الرقم عددا تقليديًا للاصناف في أكثر من مدينة، منها الموصل ذاتها، وذلك على افتراض ان وجود سبعة اصناف فيها يمثل اختزالًا شكليًا للعدد المذكور، أما القسطنطينية فقد كان فيها (1001) صنفًا، وهو عدد رمزي كما يبدو، يشكلون 57 شعبة. انظر أوليا جلبي سياحتنامه سي ج1ص604 الى 669.
[39] غانم البغدادي: مجمع الضمانات، الورقة 7- 25.
[40] ثمة أنواع من الحرفيين، اشار اليهم المؤلف، لا يدخلون -فيما يبدو- ضمن الهيئة الاجتماعية للمدينة، وانما هم ريفيون، وان كانوا يؤدون خدمات معينة لأهل المدن، مثل: الرعاة، ورعاة البقر، ويشير أوليا جلبي الى اختصاص الفلاحين باستانبول بصنف مستقل، ينتسب الى احد الاولياء (الأبيار – جمع بير) وهو منصور القطان المدفون في المدائن جنوب بغداد (اوليا جلبي سيا حتنامه سي 1 ج1 ص589) على ان هذا الصنف كان لا يشمل –فيما يبدو- الا الفلاحين القاطنين في المناطق المحلية من العاصمة (جب وبوون ج2 ص213).
[41] أوليا جبي سبا حتنامه سي ج4 ص422.
[42] Jones. F.. Selection from the Rrcord of Bombay
Government (Bombay 1954) pp. 312. 338
[43] ذكر الشيخ جلال الحنفي في كتابه (الصناعات والحرف البغدادية) بغداد 1966، جملة كبيرة من تلك المهن والحرف، تؤلف نحوًا من ثلاثين مجموعة حرفية، اغلبها مما كان معروفًا في القرن التاسع عشر.
[44] يذكر روسو (Rousseau) أن سكان بغداد كانوا يتكونون بأسرهم من الانكشارية الذين يقومون بممارسة التجارة والصناعة (جب وبوون ج2 ص140) ويمكن القول: إن الوضع نفسه كان موجودًا في كل من الموصل والبصرة، حيث يذكر الأب دومنيكولانزا (Lanza) في معرض كلامه على الموصل، أن “كل الأتراك (يقصد المسلمين) تقريبًا ينتسبون إلى إحدى الأورطات ليحتموا بواسطتها من الغير” (مذكرات دمنيكو لانزا، ترجمة روفائيل بيداويد، الموصل 1952، ص 58 حاشية).
[45] تاريخ ماردين، الورقة 144.
[46] ياسين العمري: غرائب الأثر في ربع القرن الثالث عشر، الموصل 1940، ص120.
[47] تاريخ ماردين، الورقة 142.
[48] Bonne, Alfred : state and Economic in the Middle East. P, 50.
[49] وهو ما حدث في ولاية الموصل في عهد آل الجليلي.
[50] وهذا ما حدث في ولاية بغداد إبان عهد المماليك.
[51] Bonne, A. OP. Cit., P. 51
وللمقارنة بين الاصناف في أوربا والشرق الاسلامي، أنظر: ماسنيون، لويس: الهيئات الحرفية والمدنية الاسلامية. مجلة المورد 3 (بغداد 1973) ص 18-19.
Economic history of the Middle East, P. 30 Hersbiac, Z.Y.. Introduction to the Modern
[52] عبدالرحمن السويدي: تاريخ حوادث بغداد والبصرة، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف، بغداد 1978، ص51
[53] تاريخ بيوتات بغداد في القرن الثالث عشر للهجرة ، تحقيق عماد عبدالسلام رؤوف، بغداد 1996، ص71.
[54] محمد خورشيد: سياحتنامه حدود ، ط. حجر استانبول، ص213- 216.
[55] خورشيد باشا ص 300.
[56] المصدر نفسه ص 228.
[57] كوتولوف، ل.ن: ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق، ترجمة عبدالواحد كرم، بغداد 1971، ص81
[58] المصدر نفسه ص81.
[59] جاكسون: مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1767، ترجمة سليم طه التكريتي، بغداد ص 105 ويذكر هنا الرحالة أنه شاهد في الموصل عددًا كبيرًا من مصانع النحاس والحديد، وأن كميات كبيرة من مختلف المواد التي تصنع من هذه المعادن كان يتم إرسالها عبر نهر دجلة نحو الجنوب حتى البصرة، بالإضافة إلى كميات هائلة من النحاس غير المشغول ترسل من المناطق الجبلية إلى الجنوب.
[60] مجلة لغة العرب 1912.