المصداقية بين مطرقة بومبيو وسندان العبادي

علي الكاش

تتحدث وزير الخارجية الامريكية السابق جورج بومبيو في مذكراته عن دور ايران في افشال ‏إصلاح منظومة الكهرباء في العراق، وخلال لقائه برئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، طلب ‏بومبيو منه الإستغناء عن موارد الطاقة من ايران، فأجاب العبادي” حين تغادر سيأتي قاسم سليماني ‏لكي يراني، أنت يمكنك ان تأخذ موالي، لكن هو سيأخذ حياتي”. ‏
ملاحظات عما ورد.‏
ـ الكلام صحيح ولا عيب فيه ولا توجد حاجة الى تكذيبه لأنه يمثل واقع حال في العراق، فقد كان ‏المقبور سليماني هو الحاكم الفعلي في العراق، ونائبه السفير الايراني في العراق، وهو عادة من ‏ضباط الحرس الثوري الايراني مع جميع أركان السفارة من الموظفين. الولايات المتحدة الامريكية ‏وجميع دول العالم تعي هذه الحقيقة، ولو سئلت اي عراقي سيكون جوابه نفس جواب العبادي. ولا ‏أحد يجهل بأن سليماني كانت له حصة من النفط العراقي، وايران تبيع الغاز للعراق بأكثير من ‏قيمته في السوق العالمية، ورفضت الحكومات الولائية عرض الشقيقة السعودية الغاز بثمن أرخص ‏بكثير من الغاز الايراني، ورفضت الحكومات الشيعية عرض السعودية بتزويد العراق بالكهرباء.‏
ـ كذب العبادي عندما زعم ان الأموال التي تسلمها العراق لقاء الإفراج عن الصيادين القطريين ‏الذي اختطفتهم ميليشيا حزب اللله العراقي قد اودعت في البنك المركزي، فقد اعترف محافظ البنك ‏المركزي خلال تلك الفترة علي جعفر العلاق بأن الأموال لم تدخل ابدا الى خزينة البنك المركزي، ‏وأشارت مصادر بأن المقبور سليماني هو من وزع الفدية، من الطبيعي ان كذبة العبادي عادت اليه ‏بمبلغ جيد من الفدية القطرية، لا يوجد كذب بلا مقابل، سيما عندما يكون مصدر الكذبة رئيس ‏وزراء ولائي، وهذا يعني ان رئيس الوزراء كذاب وانكاره لا جدوى منه.‏
ـ لم يرد العبادي على قول بومبيو بل أوكل المهمة الى متحدث مغمور في ائتلافه وهو (أحمد الوندي ‏بقوله في تأريخ29/1/2023 ” أنّ وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو، لم يسعفه الكذب ‏وهو يروي بطولاته في مذكراته التي صدرت حديثاً. لا يهمنا ما يصفه أصدقاؤه قبل خصومه من ‏تعمده الكذب لتمرير أجندته وطموحه للتّرشح لانتخابات 2024، وتصوير شخصيته على أنه البطل ‏في أحداث عالمية مهمة زمن إدارة ترامب لأمريكا، لكن الذي يهمنا ما ذكره بومبيو عن لقاء مزعوم ‏لم يحدث قط مع الدكتور العبادي، ولأننا نرى في هذا التصريح تعمد الكذب والمساس بكرامة ‏الدولة العراقية وحكومتها آنذاك، يقول بومبيو في مذكراته: أنه زار رئيس الوزراء حيدر العبادي ‏عام 2017 وحذره من العقوبات الأمريكية لو استمر العراق باستيراد الكهرباء من إيران، وسأله: ‏إذا عرضت الولايات المتحدة دعماً مالياً فهل سيتوقف العراق عن استيراد الكهرباء من إيران؟ ‏ويذكر أن العبادي نظرة إليه مباشرة وقال: حضرة الوزير، حين تغادر، سيأتي قاسم سليماني ‏ليراني، يمكنك أن تأخذ أموالي، هو سيأخذ حياتي”.‏
يلاحط ان هذا التبرير غير العقلاني يثير السخرية: ‏
اولا: لأنه تضمن أكايب فضائحية، فقد التقى الوزير بومبيو بالعبادي في عدة لقاءات،.‏
ثانيا: انه يتحدث عن كرامة الدولة العراقية، ولا علاقة لكرامة الحكومة بكرامة عميل، ربما تجسدت ‏كرامة العبادي من خلال زيارته لواشنطن وجلوسه قرب الرئيس السابق اوباما الذي تجاهله، ولم ‏يقم له وزنا، فلم يلتفت اليه ويكلمه، مما اضطر العبادي الى النظر في ساعته وترك مقعده. بل نظر ‏اوباما الى حذائه اللامع عدة مرات، ولم ينظر الى وجه العبادي المُحمَر خجلا من الفضيحة.‏
ثالثا: العبادي ليس دكتور، واتحدى اي نائب في ائتلاف الفتح ان يقدم لنا وثيقة تخرج العبادي من ‏جامعة بريطانية ومنحه شهادة دكتوراة، كان الرجل مصلح مصاعد كما افصحت الصحف ‏البريطانية، ثم افتتح مطعما للكبة والصور منشورة في عدة مواقع.‏
رابعا: اليس من الأجدر ان يظهر العبادي بنفسه ويكذب الخبر بدلا من نحميل المسؤولية لعضو ‏مغمور لا قيمة له في تحالفة ليخلي مسؤوليته من تكذيب الخبر؟
خامسا: لا يوجد في المذكرات بطولات لصاحبها كما زعم الوندي الكاذب كرئيس ائتلافه، وانما هي ‏وقائع عاشها وكتب عنها بصدق ومهنية، سيما انه مرشح خلال الإنتخابات القادمة، لذلك فقد توخى ‏الصدق في ما كتبه ليكسب الناس اليه، وليس من المنطق ان يكذب على ناخبيه في فترة حساسة، ‏وهو يعرف ان مثل هذه الكذبة تطيح بترشيحه.‏
ـ لو قارنا بين بومبيو والعبادي من ناحية المصداقية، سنجد ان العبادي ملأ اسماعنا بأكاذيبه، مثلا ‏قائد النصر على داعش لا يعرف ان يمسك بندقية، ولم يخدم في الجيش العراقي، والنصر المزعوم ‏لا حقيقه له، فداعش الإرهابي ما يزال في قوته بإعتراف الولايات المتحدة والحكومات العراقية، ‏ونشاطاته لم تتوقف لحد الآن، وكذبة العبادي (بروسلي العراق صاحب القبضة الحديدية) بأنه ‏سيضرب الفاسدين بيد حديد كانت فضيحة بعد ان حصل على تأييد كامل من الشعب العراق ‏ومرجعية النجف، وتبين ان يد الحديد كانت يدا من ورق، ثم لأنه فاسد فلا يمكنه ان يحارب الفساد، ‏ولا أحد ينسى تورطه في صفقة اتصالات فاسدة وحصوله على رشوة بمبلغ (5) مليون دولار، ‏علاوة على كذبة الصيادين القطريين والمئات من الأكاذيب.‏
ـ ان كان بومبيو كاذبا في قوله، الا يعرف العبادي الذي عاش في انكلترا بأن من حقه ان يقاضيه في ‏المحاكم الامريكية ويطالب بتعويض كبير بسبب الإساءة لشخصه؟ الم يقي العبادي الدعوى على ‏صحيفة بريطانية أشارت بأنه عمل كمصلح مصاعد في بريطانيا، وفشل في كسب الدعوى، لأن ما ‏نشرته الصحيفة كان حقيقة؟
ـ سواء كانت الزيارة عام 2017 او 2019 فهذا الإلتباس في التواريخ يحدث في المذكرات، ولكن ‏المهم هو القول، وليس تأريخه، وبدلا من مطالبة بومبيو” إثبات ما ذكره رسمياً، من خلال جدول ‏الزيارات وارشيف المحادثات”، ليخرج العبادي بنفسه ليكذب الخبر، ويقيم دعوى، وينهي ‏الموضوع.‏
ـ أما قول الوندي الأمعي عن الإنتصار والسيادة الوطنية، فهذا أمر مثير للسخرية، عن أية سيادة ‏وانتصار يتكلموا هؤلاء العملاء والجبناء، استروا عرواتكم قبل ان تتحدثوا عن السيادة والكرامة، ‏هل يوجد لعميل كرامة؟ هل يوجد لبلد محتل من قبل ايران وتركيا والولايات المتحدة سيادة.. ‏هزلت وربٌ الكعبة.‏
ـ كان كلام بومبيو مؤلما بقدر ما كان حقيقة، وهو ان العراق كان بإمرة الولي الفقيه، وان رئيس ‏الوزراء لا يمكنه ان يتخذ قرارا دون الرجوع الى المقبور سليماني، فعن اية سيادة واستقلال ‏وكرامة تتحدث حكومة الولائيين؟

علي الكاش