يتبع تنظيمي داعش والقاعدة سياسة إستهداف المناطق الشيعية بواسطة الإنتحاريين والسيارات المفخخة والتهجير، ليس بهدف الإنتقام من الشيعة بقدر تأليب الشارع الشيعي ضد السُنة وإشعال حرب طائفية بين الطرفين يستفيد منها التنظيمين الإرهابيين ( داعش والقاعدة ) بأن يلجأ السُنة لهما في توفير الحماية من فرق الموت والميليشيات الشيعية ، وإستخدمت الدعاية والدم في صناعة ( الشيعة فوبيا ) في عقلية ومخيلة العراقي السُني. على الطرف الآخر، أتبعت إيران بواسطة الميليشيات الشيعية وفرق الموت والأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها الأحزاب السياسية الموالية لطهران سياسة الخطف والقتل والتهجير ضد السُنة في العراق ، ليس للإنتقام منهم بقدر تأليب الشارع السُني ضد الشيعة ، لدفع الشيعة نحو اللجوء لإيران وأدواتها العراقية في التصدي ( للسُنة فوبيا ) التي عملت إيران على صناعتها عبر الدعاية والدم ايضاً.
إيران وداعش والقاعدة ينفذون سياسة واحدة ويتبعون إستراتيجية مشتركة وهناك تبادل للمصالح بينهم ، إيران تسعى لتجيير الشارع العراقي الشيعي لصالحها ، وكذلك داعش والقاعدة يسعيان لتجيير الشارع العراقي السُني لصالحهما. ولا نستغرب عندما نسمع ان بعض السياسيين السُنة لهم صلات وثيقة مع القاعدة وداعش ، كما ان بعض السياسيين الشيعة هم قادة للميليشيات وفرق الموت ، لأن تلك الأطراف السياسية ( السُنية – الشيعية ) تنفذ جانباً من الإستراتيجية الطائفية التي تتبناها إيران وداعش والقاعدة ، حيث يسوقون حالة الصراع المذهبي على المستوى السياسي والإجتماعي ، ويمولون الإعلام الطائفي لتكريس حالة الشعور بالإنقسام داخل المجتمع العراقي ، وفي المحصلة النهائية يكملون الواقع الأمني الذي فرضه الإيرانيون والدواعش على الأرض.
واقع ديموغرافي جديد
شكلت الحرب الاهلية خلال الاعوام 2005-2007 التي قادتها جماعات القاعدة السُنية وفرق الموت والميليشيات الشيعية البداية في إحداث التغيير الديموغرافي في العراق ، ولا تزال تلك الفعاليات الإجرامية مستمرة . الدوافع والأهداف لتلك السياسة تكمن في خلق حواضن طائفية عميقة ومناطق آمنة ( سُنية – شيعية ) تتحكم بها إيران وجماعات القاعدة وداعش ، نلاحظ على سبيل المثال ان محافظة ديالى التي تسعى إيران لفرض كامل سيطرتها عليها من خلال العمل على إنتاج الأزمات والقتل والتهجير للمناطق السُنية فيها ، لها حدود عميقة مع إيران ، لذلك تسعى لتأمين مجال حيوي أمن في تلك المنطقة الحدودية معها ، كما ان داعش وقع إختياره في السيطرة التامة على الموصل لقربها من تركيا التي توفر للتنظيم الدعم اللوجستي ، وعندما أعلن التنظيم حربه على الأكراد وأراد التوسع داخل المناطق الكردية كان يستند على دعم سري تقدمه تركيا للتنظيم ، وللعداء التركي ضد الأكراد تأثير في ذلك ايضاً.
الصراع على بغداد خلال تلك الفترة لم يكن أقل ضراوة وشدة ، إنما قسمت العاصمة لمناطق مغلقة طائفياً ، بسبب عمليات القتل والخطف والتهجير التي مورست ضد المواطنين ( السُنة والشيعة ) وتشكلت خلال السنوات الماضية مناطق آمنة لنشاطات الجماعات المسلحة ( السُنية والشيعية ) ، وبرز الصراع على مناطق حزام بغداد وأطرافها بين تلك الجهات بشكل كبير للغاية ، و في الوقت الحاضر مع إستفحال سيطرة الميليشيات الشيعية وداعش على المشهد الامني وتراجع الدور الحكومي في إدارة الملف الامني ، تصاعدت عمليات القتل والخطف على الهوية الطائفية ، ومن المرجح بحسب المعطيات والتطورات المتسارعة ان نشهد عودة لشبح الحرب الأهلية من جديد على نطاق أوسع من السابق ، فهي الفرصة المناسبة لإيران وداعش والقاعدة لإتمام عملية خلق الحواضن الطائفية وإستكمال مراحل الإستراتيجية الطائفية في البلاد ، خاصة في ظل التدهور السياسي الذي تشهده البلاد وإنشغال الكتل السياسية في صراعاتها.
العراقيون الشيعة يربكون طهران
الهتافات التي رفعها الشارع العربي الشيعي مؤخراً خلال التظاهرات أربكت على ما يبدوا الحسابات الإيرانية في العراق ،عندما تعرضت تلك الهتافات بشكل مباشر لإيران وكانت تقول : ( إيران بره بره ..بغداد تبقى حرة ) وكذلك تعرضت لقاسم سليماني القيادي في الحرس الثوري الإيراني ، وهذا الأمر يدل على نقمة الشارع العراقي الشيعي على إيران ، مما أدى بالقيادات السياسية والميليشياوية الشيعية الموالية لطهران بالتصدي لهتافات الشارع العربي الشيعي ورفضها.
بالتزامن مع تلك التطورات وقعت سلسلة تفجيرات ضربت مناطق شيعية في بغداد المحصنة أمنياً من قبل الأجهزة الامنية والميليشيات الشيعية ، كما تزامنت مع تصاعد عمليات استهداف السنة بشكل متفرق في البلاد وفي منطقة الحصوة شمال محافظة بابل على وجه الخصوص ، تأتي تلك الأحداث بهدف التغطية والتعتيم على التطور النوعي في الرسائل التي تبناها الشارع العربي الشيعي خلال تظاهراته الاخيرة وعبر خلالها عن إستيائه من إيران ورفضه لتدخلها في العراق.
أتضح الإرتباك الإيراني عقب تلك التظاهرات عندما غادر السيد مقتدى الصدر لإيران ، وبحسب تسريبات إعلامية أن النظام الإيراني أستدعى الصدر على خلفية الهتافات التي رفعها المتظاهرون الصدريين ضد إيران وسط العاصمة بغداد ، بينما صعدت الدعاية السياسية والإعلامية والدينية الموالية لطهران في العراق من حدة الدفاع عن التدخلات الإيرانية ، وطالبت المتظاهرين بترك الشعارات التي رفعوها ضد إيران.
سياسة تكريس الطائفية
بناءاً على ما تقدم فالمصلحة المشتركة بين إيران وتنظيمي داعش والقاعدة تقضي بضرورة إستمرار حالة الإنقسام الطائفي في المجتمع والحفاظ على إدارة الصراع وفق هذا المنظور ، لضمان إستمرارية السيطرة على مسار الأحداث لتحقيق الإستراتيجية الطائفية لتأسيس واقعا ديموغرافيا جديدا ، وخارطة إقليمية جديدة.
فنلاحظ تصاعد العمليات الإرهابية ( الخطف ، القتل ، التفجيرات ) في المناطق الشيعية والسُنية على حد سواء ، كلما برزت ظاهرة تقارب بين السُنة والشيعة في المجتمع العراقي ، وذلك بهدف تأجيج الأحقاد بين الطرفين والحفاظ على إستمرارية ” فوبيا ” السُنة من الشيعة ، و”فوبيا ” الشيعة من السُنة ، التي تؤدي بطبيعة الحال للجوء الشيعة لإيران وميليشياتها ولجوء السُنة لداعش والقاعدة وتركيا على المستوى المناطقي واللوجستي. وألا كيف نفسر الاعمال الارهابية التي إستهدفت مناطق شيعية وسط العاصمة بغداد في ظل سيطرة أمنية تامة عليها من قبل الأجهزة الامنية والميليشيات الشيعية الموالية لطهران والتي وقعت عقب تظاهرات رفعت شعارات وهتافات ضد إيران؟ كيف تمكن الإرهابيون من إدخال المتفجرات لتلك المناطق مع وجود إجراءات أمنية مشددة؟ ، قابلها تصعيد إرهابي خطير قامت به الميليشيات الشيعية ضد المواطنين السنة في مناطق متفرقة من البلاد وفي منطقة الحصوة على وجه الخصوص؟ ، فالهدف وراء تلك الأعمال جر الشارع العراقي لمزيد من الإحتقان والتخندق خلف الجماعات المسلحة ( السُنية والشيعية ) في الحرب الطائفية ، وعدم الخروج من الإطار الطائفي .