المستقبل للاعمال الخيرية والانسانية !
احمد الحاج
بداية أعلم بأن المقال طويل جدا ، وأنك على عجلة من أمرك في عصر السرعة ، ولكن اعتبره مباراة لكرة القدم ، مدتها 90 دقيقة باستثناء الوقت المُضاف من قبل الحكم ، والشوطين الاضافيين وضربات الجزاء ،غير الاحتفالات اللاحقة في حال الفوز حتى مطلع الفجر ،والنقاشات الحامية المشفوعة بتبادل الملامة والاتهامات في حال الخسارة ، فلاتضيقوا واسعا لطفا .
اليوم وبالتزامن مع انطلاق فعاليات ” منتدى دافوس ” وبينما كنت أبحث عن نسب الفقر والبطالة والحرمان والفاقة والجوع في أرجاء الوطن العربي أسوة بالعالم ووفقا لإحصاءات الامم المتحدة ، ووزارات التخطيط ، ومنظمة اوكسفام ” وهي اكبر اتحاد دولي للمنظمات والجمعيات الخيرية في العالم ” والذي دأب سنويا على إعداد تقرير مهم جدا عن نسب الفقر عادة ما يطلقه بالتزامن مع انعقاد “قمة دافوس”التي تستضيف مليارديرات العالم – 112 مليارديرا لهذا العام فقط بعد استثناء مليارديرات روسيا والصين لأسباب سياسية – بغية التخطيط وعقد الصفقات لسنة كاملة وخلصت المنظمة الى ان ” الـ”بقاء في هذا العالم صار للأغنى”، بعد أن كان للأقوى أولا ومن ثم للاصلح ثانيا وكشفها بأن 1% من سكان الارض فقط – يجتمع أغلبهم في دافوس حاليا – يمتلكون 63% من ثروات العالم مقابل 99% من البشر يمتلكون الـ 37 % المتبقية بوجود تفاوت طبقي مرعب بين الاغنياء والفقراء …ولاسيما في دول العالم – النائم – والمسمى جزافا وتجاوزا بـ – العالم النامي – !
أقول اليوم وأنا اقرأ وأطالع عنن كثب هذه الأرقام المفزعة والمقلقة عن نسب الفقر والتي بلغت 25 % في العراق وحده ، ومثلها أو أكثر في مصر ولبنان والسودان واليمن وسورية والعديد من الدول العربية الأخرى وسط فوضى عارمة من الفساد المالي والاداري والسياسي وفوضى مماثلة في القروض الربوية الداخلية والخارجية ، مشفوعة بالغلاء والركود والتصخم وانهيار العملات المحلية أو تعويمها وارتفاع الاجنبية ، مقابل رفع الدعم عن الاساسيات التي لاتستقيم الحياة من دونها ” صحة ، غذاء ، سكن ، نقل ، تعليم ، خدمات ، أمن وأمان ” وخلاصتها ( الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) وعن ذوي الدخل المحدود ، تبادر الى ذهني سؤال ملح وان كان بعيد ظاهريا عن المواضيع في أعلاه ، مع أنه وثيق الصلة بأجمعها ، والسؤال هو ” لماذا قصرنا مفهوم العبادة على ” الاركان الخمسة ” فيما أهملنا عن قصد ، أو عن جهل بقية العبادات الاخرى التي يستوعبها ويستغرقها مفهوم ” العبادة ” الأشمل ، فالعبادة كما عرفها العلماء الاعلام وبالنص ” هي اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبُّه الله -عزَّ وجلَّ- ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرةِ والباطنةِ” فقد تكون العبادات بدنية ، أو قلبية ، أو مالية ، أو قولية وقد كون مجتمعة في بعضها ، ومفترقة في أخرى ، وان كانت الاركان الخمسة ذروة سنامها وعمودها ووتدها.
ولكن الذي لفت انتباهي من الإحصاءات المذكورة وفي حال افترضنا جدلا بأن العبادات محصورة ” بالصلاة والصيام والزكاة والحج ” فقط لاغير كما نشيع بين الناس ، فإن نصف المسلمين المتدينين والعابدين – ولا اقول الملحدين واللادينيين واللا أدريين والوجوديين فضلا على المتقاعسين وأمثالهم – في هذه الحالة لايطبقونها ، إن لم يكن أكثر …فالفقراء من المتدينين على سبيل المثال ممن لايمتلكون نصاب الزكاة ( في العراق وحده وبحسب وزارة التخطيط 11 مليون نسمة هم تحت خطر الفقر أو عنده = 25% من إجمالي عدد السكان ) وبالتالي قد خرجوا وان كانوا كلهم من المتدينين من دائرة ” فرض وركن الزكاة ” اساسا وبدورهم قد خرجوا من دائرة الحج ” لمن استطاع اليه سبيلا ” لكونهم لا يملكون نفقات الحج وإن ظهرت أسماؤهم في القرعة …علاوة على أن ملايين من هؤلاء – الملايين – بدورهم مرضى يعانون من أمراض مزمنة وبالتالي فقد خرجوا من دائرة – صوم رمضان- ” فمن كان منكم مريضا ..”ولم يبق عندهم وفي جعبتهم من العبادات في هذه الحالة غير الشهادتين والصلاة المفروضة اذا استثنينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يعده كثير من الفقهاء والعلماء ،ركنا سادسا من اركان الإسلام ..ولكن قد تم رفعه ، وتغييبه ، واقصاؤه وتهميشه في ثقافة الناس وفي أذهانهم ، ونادرا ما ينتهي الى سمعك خلال المحاضرات والمواعظ ، أو تطالع شيئا عنه في الكتب و المناهج – ولأسباب جيو ..سياسية – لاأريد الخوض فيها هاهنا حاليا ، فبهذا الركن السادس وحده تنعقد خيرية هذه الأمة لتميزها عن بقية الامم والى يوم الدين ، وهو الحصن الحصين ، والركن الحامي للدين ، مصداقا لقوله تعالى في محكم التنزيل { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } ،لنمر على نساء الامة – نصف المجتمع – واذا بهن معفيات شرعا من الصلاة ، والصوم ، وتلاوة القرآن الكريم ، ومس المصحف ، وصوم رمضان ، طيلة فترات الحيض والنفاس وبعضهن عند الحمل والارضاع ايضا ، واذا ما كنَّ من الفقيرات والمعدمات ومن ذوات الدخل المحدود ، فقد اعفينَّ في هذه الحالة من الحج والزكاة ايضا اضافة الى اعفائهن من الصلاة والصيام خلال فترات العذر، فقل لي بربك ماذا بقي لهن ليعبدن به الله تعالى في حياتهن مصداقا لقوله تعالى ” وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ” ، اذا كانت العبادة قاصرة عندنا على مفهوم الاركان الخمسة فحسب ؟ وذلك بعد الغاء وتعطيل الركن السادس في العقل الجمعي للامة هنا أو هناك بمباركة كل من يضيره ويزعجه ويقلقه هذا الركن الأبرز والآهم وقد قُدم على الصلاة والزكاة في سورة التوبة { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم }.
ياجماعة الخير إن الاركان الستة ولا اقول الخمسة في الإسلام هي أساس الدين وعموده ووتده وسنامه ، وبما يشبه ” الأكل والشرب والنوم والتنفس ” في الحياة البشرية والتي لاتصلح من دونها ، إلا أن ذلك لا ينفي بأن الاكل والشرب والنوم انما غايتها هي أن تحيا وتعيش ..أما لماذا نعيش ؟ فهنا يأتي الجواب ” لكي نعبد ..ونتكاثر ..وننتج ، ونبني ” وتعمر، وننشر الخير ، ونقف في وجه الباطل وووالخ ” ، وبالتالي فإن الاركان الخمسة أو الستة في الدين هي أشبه ما تكون بـ ” ما لاتستقيم الحياة من دونه ” من اكل وشرب ونوم ونحوها ” ، بمعنى ، أن ” مجمل العبادات لاتستقيم من دونها ، إلا أنها لا تقتصر عليها ” لتأتي بقية العبادات مكملة لما تقدم ، فبر الوالدين عبادة ، وصلة الأرحام عبادة ، وطلب العلم عبادة ، والكدح والعمل بالحلال عبادة ، وتربية الأبناء عبادة ، وحسن الجوار عبادة ، والصدقة عبادة ،وكفالة الأيتام عبادة ، والسعي على الارامل والمطلقات عبادة ، ورفع الاذى عن طريق الناس عبادة ، اغاثة الملهوف عبادة ، قضاء الدين عن المدينين عبادة ، اطعام الجياع عبادة ، سقي العطاش عبادة ، كسوة العراة عبادة ، رفع الظلم عبادة ..تعليم الأميين عبادة ….ووووو عدد ما شئت من عبادات تحقق منظومة ” وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ” بمعناها ،ودلالتها الأعم و الأكمل والأشمل …اما محاولة قصر مفهوم ومنظومة العبادة بالاركان الخمسة وقد اعفيت الامة من بعضها لهذا السبب او ذاك – العراق انموذجا – كما بينا في أعلاه سلفا فنحن بذلك نضيق واسعا وندعو الأمة الى مزيد من الدعة والاستكانة والركون و التقاعس والكسل ….وانوه الى أن ” هذه الأرقام والإحصاءات الدولية كلها تؤشر وتصدح بلسان الحال وليس المقال ، وإن لم تفصح عن ذلك بأن أفضل وأجل العبادات في قابل الأيام ستكون من نصيب” الصدقات والأعمال الخيرية والانسانية والتكافل الاجتماعي بكل اشكالها وصورها بعد أداء الفرائض والأركان الستة ” ولقمة في بطن جائع ” خير من إنفاق المليارات و الترليونات على الكماليات والملذات والمتع والسفاسف والترهات والمحرمات في كل قصر وملهى وكباريه وبار ومول وسوق وكازينو وكافيتريا ومطعم ومرقص وحي وزقاق …وشارع “.أودعناكم اغاتي