كان ومازال للمرجعية الدينية دوراً مهماً في مستقبل العراق القديم والحديث، ومواقف تاريخية بطولية لمراجع الشيعة الكبار بدءً من الشيخ الطوسي وانتهاءً بعلماء عصرنا من الامام الحكيم الى الامام الخوئي (قدس)، وحتى يومنا الحاضر.
المرجعية الدينية أدلت بموقفها في الكثير من الأزمات التي عصفت بالبلاد بعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣، وبيان موقفها الواضح من الاحتلال وحرمة التعامل مع المحتل، وكيف ان رجالات البيت الأبيض حاولوا عبر وسطاء من سياسي العراق اللقاء بالمرجعية ولكن جوبهت جميع المطالبات بالرفض، كما انها استطاعت من تغيير المعادلة السياسية التي حيكت خيوطها في الليل الدامس عبر عقد اتفاقات وإيجاد دستور كتب في لندن، فهناك من يعتقد ان المرجعية الدينية لا تهتم لمصالح الشعب العراقي او انها أدارت ظهرها لما يحصل في الشأن العراقي الداخلي، او انها تهتم فقط بالمسائل العبادية من حلال وحرام وغيره، ولولا حكمة المرجعية الدينية والتي استطاعت من قلب الطاولة على أصحابها الذين رسموا مستقبل العراق ودستوره دون النظر الى موقف واردة شعبه.
المرجعية الدينية لم تتحرك لطائفة معينة فحسب بل تحركت من اجل العراق بكل طوائفه وقومياته، بل كانت وما زالت اللسان الناطق والمعبر عن جميع اطياف الشعب العراقي، ولايجادل احد ان المرجعية الدينية لعبت دوراً كبيراً في اعادة الحياة الى الدولة وبناء مؤسساتها الدستورية وفقاً للقانون ومبادى العدل والمساواة واحترام الآخرين وتفعيل دور المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي.
المرجعية الدينية اكدت على ان العراقيين يجب ان يكون لهم دوراً مهماً في نوع النظام الذي يريدوه من دون التأثير على قراراته او اختياره من القوى الخارجية، كما انها اكدت في الكثير من البيانات التي صدرت او التي ألقيت من على منبر الجمعة في الصحن الحسيني المطهر ان السنة والشيعة أخوة، ومهما حدثت من احداث مؤسفة اثارها الأغراب، والتي تحاول التأثير على النسيج الاجتماعي للشعب العراقي، الا ان التعايش السلمي هى القدر الذي على شعبنا ان يعيشه بمختلف انتماءه.
المرجعية الدينية وعلى امتداد تاريخها الطويل كان لها الأثر في تحويل مسار العراق عبر الحقب التي مرت به، حيث كانت وما زالت تمثل مركز الثقل والبوصلة الحقيقية التي إشارات وتسير اليوم الى الوجهة الصحيحة، وعندما نقرا التاريخ جيداً نجد ان المرجعية الدينية ومنذ مائة عام كان لها فتوى بالجهاد ضد المحتل الغاشم.
ما يمر به بلدنا اليوم دليل واضح على أهمية ودور المرجعية الدينية في الوقوف بوجه التحديات التي تريد الشر للعراق وشعبه، والانزلاق الى حافة الحرب الأهلية، فقد كان موقفها الواضح من فتوى (الجهاد الكفائي) بعد ان حددت وشخصت العدو الحقيقي رغم وجود الكثير من الايادي الخبيثة والتي تحاول التغطية على العدو الحقيقي للعراق وشعبه.
من المؤسف اليوم نرى الكثير من التشويهات والمغالطات لهذه الفتوى، من قبل جهات ارادت التشويه والتشويش عليها، وبالتالي يدخل في خانة الاجندات التي تحاول تمزيق اواصر الشعب العراقي وبث الفرقة بسن ابناءه.
هذه الفتوى التي اعادت الحياة لشعب عانى الويلات والاضطهاد والظلم على يد حكام الجور، واليوم تعود قوى الظلام الإرهابية (داعش) لتكمل دورها في الظلم عبر عمليات القتل والذبح والتهجير والسبي، هذه الفتوى التي غيرت موازين القوى، تمثلت في وجال الحشد الشعبي الذين هبوا تلبية لنداء المرجعية الدينية في الدفاع عن عموم العراق وشعبه، والوقوف بوجه القوى الظلامية من داعش والتحالف الارهابعثي.
المرجعية الدينية اليوم امتداد طبيعي الى تاريخ العراق وهي البوصلة في بناء مستقبله، لانها مارست الدور الأساسي في الوقوف وتشخيص الخلل والدفاع عن حقوق الشعب العراقي، وكيف وقفت موقفاً كبيراً معالجة الأزمات التي عصفت بالعراق إبان حكومتي المالكي التي اضرت كثيرا بالعمل السياسي، وكادت ان تصل بالعراق الى آتون الحرب الأهلية والتقسيم لأكثر من مرة.
لا شك ان اغلب الكتل السياسية اليوم تحترم رؤى وتوجيهات المرجعية الدينية حيث مشاهد يومياً الوفود السياسية وهي تتزود النصح، لانها تمثل صوت جميع العراقين بمختلف طوائفهم وقومياتهم، لهذا على الجميع ان يعي أهمية وجود المرجعية الدينية، وضرورة الالتزام بوصاياها لانها تمثل السند الحقيقي وهي الحل الوحيد الذي جنب العراق الوقوع في منزلق الحرب الأهلية.
بقلم:محمد حسن الساعدي