شكرا للشباب الذين أعياهم الجوع وأضنتهم البطالة، حتى ضاق بهم الصبر، واجتمعوا ودقوا نداء الصحوة من غير ميعاد لتستيقظ بعض المرجعيات “بعد خراب البصرة” فأين كانت قبل ذلك؟ وطيلة هذه السنوات العجاف التي أذابت الشحم، وأكلت اللحم، وأتت على الصغير والكبير، محنة تبرأ فيها الأب من ابنه، والمرأة من وليدها، فكم من الآباء باعوا فلذات أكبادهم، وكم رجلا طلق فيها رفيقة دربه، وكم امرأة هجرت بيت زوجها لفاقة وحاجة، وكم حبيبة تخلت عن حبيبها وفتى أحلامها بسبب الضنك، وكم مواطنا هجر فيها الأهل والوطن، وكم عانى المهجرون من العذاب والأسى خلال هذه السنوات، فهل غاب قول الإمام الأول علي ابن أبي طالب “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، فماذا نقول، إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
ويتبادر إلى ذهني على سبيل العتب، أين كانت المرجعيات من استغاثة ست محافظات عربية انتفضت وتظاهرت قبل سنتين وظلت معتصمة سنة ونصف السنة، تشكو ربها ظلم الساسة وتجبّر رجال الحكم؟ ألم يشتك العرب السنة لرب السماء ظلم المليشيات وقوى الأمن، ترى بعد الذي نراه اليوم، وبعد اعترافات بفساد الحكومات السابقة، وبعد أن حملت الساسة السابقين وزر ضياع الأموال، ومسؤولية الفساد المستشري وطلبت محاكمة الفاسدين ومحاسبتهم ومعاقبة من يدان منهم، لماذا لم تساعدهم المرجعيات، ألم يشتك المتظاهرون من قبل فساد القضاء، وأحكام الإعدام الجائرة؟ وانعدام الأمن وكثرة حالات الدهم والتهجير القسري؟ ألم ينبهوا الدولة إلى اغتصاب الحرائر واعتقال العذارى؟ ألم يصرخوا ألما وويلا من التطرف الطائفي والمحاصصة؟ ألم ينكر المالكي وقفة أهل الأنبار والمحافظات المساندة لها المبكرة وانتفاضتهم على الظلم والفساد، ولم تلتفت المرجعيات لمظلومية المعتصمين بالأمس؟ فلماذا تنتصر اليوم لفريق من الشعب!
ترى لو ساندت المرجعية المتظاهرين في الأنبار والموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى وأيدت مطالبهم العادلة، ودعت الحكومة آنذاك للاستجابة لمطالبهم، واحترام مشاعرهم، وأعطت كل ذي حق حقه، أكان لداعش أن تجد لها مكانا أو موطئ قدم في هذه المحافظات، ويحصل ما نراه اليوم؟ فمن دفع الشباب إلى تأييد داعش أو الجري خلفها او احتضانها؟ وفسح لها المجال باحتلال نصف مساحة العراق؟ ألم يقولوا: “ما يدفعك للمر إلا الأمر منه”، أما كان لنا، أن نوفر الدماء والأموال والأمن والأمان لبلدنا؟ بوقفة حق قبل فوات الأوان، وقبل أن يقع الفأس بالرأس، فهل ستحاسب المرجعية نفسها وتتحمل جزءا من مسؤولية ضياع العراق في دوامة داعش؟
كان بإمكان المرجعية تلافي كل الضحايا، كم فقدنا في اجتياح داعش للموصل؟ وكم فقدنا من شبابنا في معسكر سبايكر وفي مصفاة بيجي وفي تحرير صلاح الدين؟ وكم سندفع في الأنبار والموصل وديالى، لن أفرق بين من غررت بهم داعش ولا بالحشد الشعبي ولا برجال الجيش والشرطة ممن ظلموا الناس وظلموا أنفسهم، فهم ضحايا الجهل والعصبية، وليعلم من يعلم أن الأعراض أغلى من الأموال، والدماء أنفس وأعز على الله من الأموال وحسابها أقسى “فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ*يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ*وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ*لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ”.