لم تصل الطائفية السياسية بالعراق حدّا من الوقاحة التي الهدف منها تمزيق الصف الوطني أكثر مما هو ممزق اليوم الا على أيدي “ساسة” يريدون تصّدر المشهد السياسي دوما على الرغم من فشلهم الذريع في أدارة الدولة والمجتمع لسنوات طويلة كانوا فيه على رأس السلطة. ولم تصل الطائفية السياسية مرتبة من الأجرام حتّى بحق القرآن الذي يتباكى عليه الطائفيون من أنه والدين الأسلامي أصبحا غريبين! ما تسبب نتيجة سوء تفسيره الى أن ترتكب جماعات أسلامية باسمهما المجازر كما الصراع الطائفي الشيعي السني بالعراق وغيره من البلدان أو تلك التي ترتكبها عصابات داعش الارهابية وقبلها تنظيم القاعدة الأرهابي ألا في وقتنا هذا.

أن يركب المعممّون الموجة الطائفية ويفسروا التاريخ والأحداث الأسلامية منذ سقيفة بني ساعدة لليوم وفقا لنظرة مذهبية وطائفية ضيقّة والتي ساهمت بمعارك ومجازر كبرى بحق المسلمين وغيرهم من شعوب البلاد الموطوءة قد يكون مقبولا كونهم ” المعممّون” ليسوا سوى تجّارا يسوقون الدين بأتجاه مصالحهم الكهنوتية المرتبطة دوما بالسلطة وطبيعة نظامها. أما أن يأخذ “سياسي” في بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب والطوائف مكان المعمّم ليقوم بتناول التاريخ الأسلامي وتفسير أحداثه بشكل يؤدي الى تمزيق النسيج الأجتماعي لشعب يقول أنه وحزبه يعملون على أزدهاره ورفاهيته من خلال بناء الوطن!! فإن الأمر هنا بحاجة الى وقفة طويلة وعدد كبير من الأسئلة تبدأ بماذا يريد هذا ” السياسي”؟ وتنتهي بنتائج سياسة هذا “السياسي” وتأثيرها على المشهد السياسي الذي في حالة العراق اليوم ليس رثّا بل ممّزقا الى حدود بعيدة، وما بين هذين السؤالين من جرائم أرتكبت وترتكب وسترتكب بحق العراق شعبا وأرضا من قبل أحزاب المحاصصة التي عاثت وتعيث بالعراق فسادا وقتلا ونهبا وتدميرا.

لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل كتابة القرآن والذي كان يكتب دون تنقيط على الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ و اللِّخَافِ وجُمعَ لأول مرّة عهد أبي بكر خوفا عليه، بل أريد أن أتناول حديثا لزعيم حزب الدعوة أي المالكي في ندوة له أتّهم فيها أمام جمع من الحضور بعد أن لبس “الجلباب والعِمّة” وفي محاولة مستمرة له في تكريس طائفيته وحزبه تناول تاريخ جمع القرآن من وجهة نظر طائفية بحتة، متهما المذهب السنّي دون تسميته من أنهم منافقين قد حرقوا كل نسخ القرآن وكتبوا آخرا بدله ليس فيه تهميش أو تفصيل! علما أن القرآن كان يحفظ أول نزوله ولفترة متأخرة عند المسلمين كما كان أسلافهم يحفظون الأشعار، كما ولم تنقل لنا كتب التاريخ أمرا عن التهميش في القرآن وقتها ولا زال القرآن لليوم غير مهمّش بل هناك تفاسير عديدة لما جاء به من آيات ووقت وأسباب نزولها ومن هؤلاء المفسّرون من هو شيعي.

إنّ الآية التاسعة من سورة الحجر في القرآن هي ( إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون )، ولا أريد هنا أن انقل تفسير هذه الآية عند المفسرين السنّة كالطبري والفيروز آبادي والزمخشري وغيرهم الكثير، بل سأتناول ما جاء عند المفسّرين الشيعة ومنهم “آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي” في تفسيره المسمّى ” الأَمْثَلُ في تفسير كتابِ اللهِ المُنزَل “. وسأنقل هنا تفسير الآية من كتابه هذا نصّا لأبيّن أن المالكي يكذب على الله عندما يدّعي بشكل غير مباشر على تحريف القرآن أو العبث به لأسباب سياسية تتعلق بالعداء لآل بيت النبوة علما أن هناك حديث عند الشيعة وله جمهور واسع من السنة يقول عن لسان النبي محمد ” إني تَركتُ فِيكم الثَّقلين، ما إن تمسَّكتُم بهما، لن تضلُّوا: كِتابَ اللهِ، وعِترتي أهلَ بيتي”، ولو أفترضنا عدم صحّة هذا الحديث الذي يناقض تهمة المالكي بحذف كل أشكال التهميش في القرآن لأسباب شتّى ويؤكد على أن القرآن الذي بين أيدينا اليوم هو نفسه الذي كان قبل الحرق أو بعده، فهل علينا ان نذهب مع زعيم حزب الدعوة الى ابعد من ذلك أي الى تكذيب الله الذي يقول في القرآن ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )؟

لنرى هنا ما يقوله الشيرازي في تفسيره للآية أعلاه ولنرى هل أن الله حافظ على وعده من خلال الآية المكّية هذه والتي تعني ان الله بشّر المسلمين بحفظ كتابهم في حياة النبي وقبل ان يُجمَع القرآن مرّة عهد أبي بكر واخرى عهد عثمان، وهل علينا تصديق الله أم زعيم حزب الدعوة الأسلامية نوري المالكي؟

يقول المفسّر ” الشيرازي ” في تفسيره للآية ما يلي :

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـفِظُونَ “9 “
التفسير
حفظ القرآن من الحديث
بعد أن استعرضت الآيات السابقة تحجج الكفار واستهزاءهم بالنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن، تأتي هذه الآية المباركة لتواسي قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة ولتطمئن قلوب المؤمنين المخلصين من جهة أُخرى، من خلال طرح مسألة حيوية ذات أهمية بالغة لحياة الرسالة، ألا وهي.. حفظ القرآن من أيادي التلاعب والتحريف (إِنا نحن نزلنا الذكر وإِنا له لحافظون).. فبناء هذا القرآن مستحكم وشمس وجوده لا يغطيها غبار الضلال، ومصباح هديه أبدي الإِنارة، ولو اتحد أعتى جبابرة التاريخ وطغاته وحكامه الظلمة، محفوفين بعلماء السوء، ومزودين بأقوى الجيوش عدّة وعتاداً، على أن يخمدوا نور القرآن، فلن يستطيعوا، لأنّ الحكيم الجبار سبحانه تعهد بحفظه وصيانته.
وقد اختلف المفسّرون في دلالة (حفظ القرآن) في هذه الآية المباركة:

1 ـ قال بعضهم: الحفظ من التحريف والتغيير، والزيادة والنقصان.
2 ـ وقال البعض الآخر: حفظ القرآن من الضياع والفناء إِلى يوم قيام الساعة.
3 ـ وقال غيرهم: حفظه أمام المعتقدات المضلة المخالفة له.

بما أنّه لا يوجد أي تضاد بين هذه التفاسير وتدخل ضمن المفهوم العام لعبارة (إِنّا له لحافظون) فلا داعي لحصر مصاديقها في بُعد واحد، خصوصاً وإِن «لحافظون» ذُكرت بصيغة مطلقة وليس هناك ما يخصصها.

والصحيح، وفقاً لظاهر الآية المذكورة، أنّ اللّه تعالى وعد بحفظ القرآن من جميع النواحي: من التحريف، من التلف والضياع، ومن سفسطات الأعداء المزاجية ووساوسهم الشيطانية.
أمّا ما احتمله بعض قدماء المفسّرين بأنّه الحفظ على شخص النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبار أن ضمير «له» في الآية يعود إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدلالة إِطلاق لفظة «الذكر» على شخص النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض الآيات، فهو احتمال يتعارض مع سياق الآيات السابقة التي عنت بـ «الذكر» «القرآن»، بالإِضافة إِلى إِشارة الآية المقبلة لهذا المعنى.

إذن فأن الله الذي يكذّبه المالكي لأسباب طائفية وعد بحفظ القرآن من التحريف والتلف والضياع وسفسطات الأهداء المزاجية ووساوسهم الشيطانية وفق تفسير “الشيرازي”، فهل المالكي محّرف أم شيطان أم طائفي أم الثلاثة مجتمعة. وماذا سيكون رد فعل تجار الدين “المعممّين” وأتباعهم لو أن رجلا غير أسلامي قال ما قاله المالكي ؟

الى متى سيدفع شعبنا ثمن طائفية الأحزاب الأسلامية الشيعية والسنّية دما وكرامة؟
الى متى سيدفع شعبنا ثمن طائفية المالكي وحزبه وأمثالهما قتلا وتهجيرا؟
الى متى سيدفع شعبنا ثمن صراع الطائفيين الغبي موتا وأيتاما وأراملا وثكالى؟