لماذا إذن أسقطنا صدام حسين؟ لماذا ناضلنا ضده فمات من مات منا في المعتقلات، وفي ساحات الإعدام، وفي المقابر الجماعية المنتشرة على سفوح الجبال وفي الوديان والسهول والصحراء وعن حافات الأهوار، ورزح منا من رزح في غياهب السجون سنين طولية، وفرّ منا من فرّ إلى المنافي الصعبة؟
لماذا توسلنا إسقاط صدام بأي طريقة ووسيلة ولم نترك محفلاً دولياً دون أن نناشده المساعدة والدعم والتأييد؟ ولماذا تحمّس بعضنا لتحقيق هدف الإسقاط ولو بالحرب شاملة الخراب والدمار؟
نعم، لماذا ولماذا ولماذا، مئة مرة والف مرة، لماذا فعلنا ذلك وأصررنا على فعله، إذا كنّا سنرجع بعد عشر سنوات فقط الى المربع الاول والى “نفس الطاسة والحمام”؟
أليس الهتاف في قاعة المسرح الوطني يوم الأربعاء الماضي بـ”بالروح بالدم نفديك يا مالكي”، عودة إلى مربع صدام حسين والى طاسة وحمام النظام السابق نفسهما؟
في السابق كان المُفتدى بالروح وبالدم صدام حسين والان نوري المالكي.. ذاك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس قيادة الثورة والقائد العام للقوات المسلحة وزعيم الحزب الحاكم، وهذا رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة وزعيم الحزب الحاكم الذي صار البعض يسمّيه “حزب الدعوة العربي الاشتراكي” للمقاربة ما بين حزب حاكم سابق وحزب حاكم حالي، وتعبيراً عن نزعة الاحتكار والهيمنة على السلطة لكلا الحزبين.
المشهد في قاعة المسرح الوطني في احتفالية نقابة المعلمين يوم الأربعاء الماضي يستعيد بكل التفاصيل وأدقها مشاهد كانت تتكرر شهرياً، واحياناً أسبوعياً، في المكان ذاته وفي قاعات أخرى.. الرئيس (رئيس الجمهورية في السابق ورئيس الحكومة الآن) يقف منتصباً بانتشاء ومنفوش الريش كالطاووس، فيما يتقدم الانتهازيون المتزلفون منه حاملين دروع التكريم ومقدمين فروض الولاء، وفي الجو تتدفق الهتافات موجة اثر موجة “بالروح بالدم نفديك يا صدام” في السابق، و”بالروح بالدم نفديك يا مالكي” الآن!!
والآن إذا ما مرّ مشهد الأربعاء الماضي من دون أن نقف في وجهه من يضمن لنا أن نوري المالكي لن يكون قد وضع قدمه على أول الطريق المفضية به وبنا الى انتاج دكتاتور جديد من طراز صدام حسين.. لم يولد صدام دكتاتوراً ولم يدخل الى حزب البعث بوعد ان يكون دكتاتوراً يكون بين ضحاياه بعثيون.. كان ثمة هتاف أول “بالروح بالدم نفديك يا صدام” لم يستنكره أحد فتكرر مثنى فثلاث فمئة وألفاً، فكان أن صنع منه المرتزقة والانتهازيون المتزلفون دكتاتوراً خرّب البلاد وسبى العباد.
أنريد للتاريخ أن يعيد نفسه؟
فلنقل: لا، إذن .. ولنحل دون أن تنتقل عدوى “بالروح بالدم نفديك يا مالكي” من قاعة المسرح الوطني إلى قاعات البلاد الأخرى.
ملاحظة: اذا كان السيد المالكي غير راض عمّا جرى في المسرح الوطني فليعلن ذلك. اما اذا كان راضياً فعلى حزبه أن يعلن موقفه ويطالب أعضاءه بالكف عن تشويه سمعة حزبهم والتمهيد لإعادة انتاج دكتاتور جديد!.