رداً على الأزمة السياسية الجارية والفوضى الحاصلة في بغداد وصف الزعيم الكردي مسعود البرزاني ما حدث في البرلمان بالأمر المضحك ، فيما أشار إلى الحكومة بـ” الصبية “. وقال البرزاني : ان من يحكمون العراق حالياً هم صبية العملية السياسية يفكرون في مصالحهم أولاً وليس لديهم أي خبرة ، والأمور كلها ترجع إلى أحزابهم وكتلهم التي تدار من قبل الدول المجاورة .

لغة الزعيم البرزاني الناضجة سياسياً والعميقة في إنتقاء المفردات الوصفية للحالة السياسية في العراق تستحق التقدير لأنها لم تخلوا من الواقعية وهي ترجمة حرفية للفرق الشاسع بين النموذجين السياسيين القائمين في بغداد وكردستان. و”الصبية” جاءت كتعبير وصفي عن حالة الفوضى التي تسببت بها الكتل السياسية في بغداد والطبقة السياسية بشكل عام.

توجه القوى السياسية الحاكمة في بغداد بشكل مستمر أصابع الإتهام للزعيم البرزاني بالمشاركة في تأزيم المشهد السياسي وإيصال البلاد لحالة الإنقسام، وذلك بهدف تنصل تلك الأطراف السياسية من مسؤولية الفوضى التي تسببوا بها في البلاد على مدار 13 عاماً، إذ لا يُستثنى أي طرف من الأطراف السياسية ( السنية والشيعية ) من مسؤولية ما يجري في العراق . أما إتهام البرزاني بأنه السبب الرئيسي للدعوة إلى تقسيم العراق فهو يفتقر للمصداقية ويندرج تحت إطار تضليل الرأي العام عن الواقع والحقيقة.

فالذي أنتج نموذج الحكم الطائفي في العراق بعد 2003 هي الولايات المتحدة الأمريكية، وساهمت إيران في تكريس المحاصصة والطائفية لضمان سيطرتها التامة على العراق من خلال الأحزاب السياسية الشيعية التي تدار من قبل طهران ، وكذلك تركيا التي وجدت مصالحها في العراق والإقليم في مواجهة حتمية مع إيران فعملت على إستخدام الحزب الإسلامي السُني ( الواجهة الرسمية لجماعة الأخوان المسلمين ) والقوى والشخصيات السياسية السُنية المحسوبة على جماعة الأخوان المسلمين في العراق ، ضمن برنامج تبنيها السياسي للجماعة على المستوى الإقليمي. فالبرزاني لم يكن سبباً رئيسياً لما وصل إليه العراق ، وان كان ينادي بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الكردية على الأراضي الكردستانية فهذا لا يعني أنه يدعوا لتقسيم العراق أو أنه خائن كما تسوق الدعاية السياسية الإعلامية ، لأن مطالبته بحق مشروع للقومية الكردية ليس عيب ، والرجل لم يطرح نفسه في يوم من الأيام على أنه زعيماً للعراقيين او قائداً للعراق كي يكون بعد ذلك خائناً في نظرهم عندما يطالب بإقامة دولة للأكراد. إنما قدم نفسه على أنه زعيماً للأكراد ، مطالباً بحقوقهم في إقامة الدولة الكردية ، وهو لم يخدع أمته الكردية أو جمهوره في كردستان كما فعل السياسيون السنة والشيعة مع الشعب العراقي ، إنما هو أستثمر الظروف السياسية المحيطة به لصالح قضيته القومية ، لكن الذين عملوا كأدوات لخلق تلك الظروف السيئة في العراق هم الأحزاب والقوى السياسية السنية والشيعية التي تدار من قبل الدول الأجنبية.

فالدعاية السياسية الإعلامية للقوى الطائفية إنما تهدف لتهميش وتزوير تلك الحقائق والزج بالبرزاني والمستوى الكردي عموماً في خانة العراق والأزمات التي تسببت بها تلك الطبقة السياسية الفاشلة بحق الشعب العراقي . الوجود السياسي الكردي في بغداد إنما هو تماشياً مع القرار الدولي في الإبقاء على الأكراد ضمن الجغرافية السياسية للعراق والدول المجاورة ، وليس تلبية لرغبة الأكراد أنفسهم والذين عبروا عنها في أكثر من مناسبة خلال الفترات الماضية ، فالكل صاروا يعرفون رغبة الأكراد في إقامة دولة خاصة بهم ، والتي لن تكون على حساب العراق كما يسوقون السياسيون في بغداد ، لأن الأكراد كانوا قبل الآن خلال التأريخ جغرافية إدارية سياسية واحدة متماسكة قسمتها المعاهدات الدولية التي أبرمت بعد الحروب العالمية والأزمات السياسية الدولية كما قسمت المنطقة برمتها. والحق القومي الكردي لا يقوم على حدود كردستان العراق فحسب ، إنما حق الدولة الكردية هو ( كردستان الكبرى ) التي تقوم على الأراضي الكردية في شمال العراق ، سوريا ، تركيا ، وإيران .

نجحت السياسة الكردية فيما فشل به الاخرون في بغداد ، النجاح الكردي في إقامة نموذج دولة والإدارة الناضجة لها في ظل بيئة جغرافية إقليمية رافضه لأن يكون للأكراد دولة مستقلة بهم ، يعتبر من أهم الإنجازات التي حققتها القوى السياسية الكردية في كردستان.

وان كنا كعراقيين نريد أن نحاسب من أرتكب الجرائم بحق العراق ، فعلينا أن نتصدى “للصبية” الحاكمة في بغداد ، تلك الكتل السياسية الفاسدة التي أدخلت العراق في دوامة من الأزمات والفتن وساهمت في صناعة الطائفية التي أوصلت البلاد لحال أقرب إلى التقسيم منه الى البقاء موحداً. ان الحل الجذري للأزمة العراقية لا يبدأ من داخل المسرح السياسي الحالي على الأطلاق ، إنما يفترض العودة للمجتمع السياسي الدولي ، لا أقول أن نذهب للدول الكبرى التي ساهمت في إيصال العراق لهذا الحال ، إنما للمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية ، للتدخل من خلال دعم حل البرلمان والحكومة معاً وتشكيل حكومة إنقاذ وطني يرأسها عسكري معروف عنه النزاهة وعدم الإنتماء لحزب سياسي أو يكون تحت مضلة دينية ، يتولى إدارة البلاد بدعم دولي كامل في فترة زمنية محدودة، تعمل خلالها الأمم المتحدة بشكل مكثف مع أطراف عراقية عابرة للطائفية على تهيئة البلاد لإنتخابات تشرف عليها بشكل مباشر ويتم إعادة النظر في جميع مفاصل وعناصر العملية السياسية التي أثبتت فشلها تماماً ، وان يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بشأن إرسال قوات لحفظ السلام الى العراق إذا تطلب الأمر ذلك ، أما الإتكال على الكتل السياسية في إيجاد حلول للأزمات في العراق فهو ضرب من الخيال و وهم لأنها عاجزة تماماً ومتورطة بشكل كبير في سرقة المال العام وإرتكاب الجرائم بحق الشعب العراقي.