د. علي فارس حميد/مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية
يعكس التفوق الذي حققته القوات المسلحة والحشد الشعبي صورة جديدة لواقع سوف تمر به العملية السياسية بعد الإنتهاء من تحرير المدن التي سيطرت عليها جماعات داعش، حيث ستكون المؤسسة العسكرية وتشكيلات الحشد الشعبي بمثابة الحامي للدولة والمدافع عن قيمها الوطنية، وهذا الأمر قد لا يحلو للبعض لأن فيه تهميش لمصالح وأجندات كان يتحرك من خلالها، وهذا ما يعكس أداء بعض الأطراف الإقليمية والدولية والداخلية أحياناً تجاه ملف العمليات التي تقودها القوات المسلحة ضد تنظيم داعش.
وقـفــة تـأمــل
ماتزال الصيغ الإستراتيجية التي تستهدف البحث عن مسارات جديدة لتعزيز الأمن الوطني غير واضحة، بل إن معظم المقاربات الأمنية ماتزال تحت رحمة التوافق السياسي، ولعله من الصعوبة بمكان أن يتعامل صانع القرار السياسي مع البيئة الأمنية المعقدة والمتداخلة من دون أن يأخذ بعين الإعتبار إزدواجية المدركات السياسية الإقليمية والدولية فضلاً عن الداخلية.
إن صيغ القضاء على التهديدات والتحديات التي تحيط بإستراتيجية الأمن الوطني ينبغي أن لاتكون بمعزل عن ما يفكر به الآخرون في المنطقة، فهناك من يحاول أن يتمكن من ضبط التفاعلات الإقليمية وصياغة أنماط جديدة لتوازنات القوى من خلال تأجيج المواقف أو تبني منهجاً ثنائياً في الأداء الإستراتيجي، وهذا ما يفسر محاولات توظيف الإرهاب في إستراتيجية البعض حيال العراق.
ولكون المصالح الإقليمية في تنافس حول النفوذ الجيوستراتيجي أصبحت الأرض من الناحية الجيوبوليتيكية مصدر التفكير وأساس رسم الإستراتيجيات المتصارعة حول المصالح، وهذا ما يجعلنا أن نكون في مورد إنتقام الجغرافيا حسب تعبير “مورتن كابلان” وبأن تكون الجغرافيا لعنة التنافس الإستراتيجي في هذا المدخل.
مكانة الحشد الشعبي في الصراع
منذ فتوى الجهاد الكفائي في حزيران 2014 والموقف الإعلامي لا يجد الحضور النوعي في البيئة الإقليمية، لابل حتى داخلياً، بإستثناء الفضائيات المحلية التي لها مساس بالحشد الشعبي من حيث التكوين أو الدعم، وهذا ما ساهم في إعطاء المقبولية الداخلية ولا سيما الإجتماعية دون أن يكون لها أثراً مساوياً على المستوى الإقليمي.
ورغم التعاطي الإيجابي في بداية الأمر من قبل بعض الأطراف الإقليمية ولاسيما الخليجية بعد مؤتمر قمة الدوحة الخليجي التي أيدت الحرب على تنظيم داعش لما فيه من تهديد لأمنها الإقليمي إلا أن المسار الخارجي لها يعكس تناقضات في الأداء وخصوصاً حيال الحشد الشعبي الذي بدأ يحتل مكانة مميزة في إستراتيجية الأمن الوطني بعد المعارك التي خاضها ضد تنظيم داعش، ولأجل تحقيق التوازن بمقابل هذه الإنتصارات كان لابد من خلق فاعلين جدد على الأرض ليساهموا في إيقاف تمدد القوات المسلحة من جهة وفرض لاعبين لإحتلال المكانة المستهدفة إستراتيجياً في هذا الشأن.
إن إفتقار الإعلام الحكومي الى مهنية إدارة الحرب جعل مكانة الحشد الشعبي تتأرجح إقليمياً، ومكانة الإعلام المضاد في تصوير الحرب على أنها عقائدية مذهبية تحاول أن تستدعي الموروث الأيديولوجي ساهم في صياغة مواقف سلبية ضد قوات وتشكيلات الحشد الشعبي داخلياً بسبب ارتباط البعض بأجندة سياسية إقليمية وبعضها إقليمياً بعد مواقف أبرزها بيان الأزهر وضعف الرد الحكومي مرةً أخرى كان له دور أيضاً في إضعاف مواقف التشكيلات المسلحة في هذا الشأن.
معركة صلاح الدين.. نقطة تحول فاصلة
ساهمت الإنتصارات التي حققتها القوات المسلحة والحشد الشعبي في ديالى وجرف الصخر ومناطق حزام بغداد والتقدم بإتجاه صلاح الدين بعد الإعلان عن عمليات “لبيك يارسول الله” مخاوف كبيرة لدى بعض الأطراف الإقليمية، وبدأت محاولات البعض بتشويه هذه الانتصارات من بينها موقف الأزهر ومنظمة هيومن ووتش التي حاولت وصف هذه العمليات بأنها محاولات للحرب المذهبية.
ويبدو من منطق التحليل الإستراتيجي إن القناعة بإستمرار هذا التقدم سوف لن يخلق فرصة لدى بعض الأطراف لتوظيف الإرهاب كمتغير في حساباتهم المنطقية وسوف يكون الرابح الأكبر في هذه الصياغة هو القوات المسلحة والحشد الشعبي، والذي سيكون له تأثير كبير على القرارات السياسية العراقية في المستقبل.
ومع ذلك سوف تكون لهذه المحاولات وما سوف يلحقها من سياسات إقليمية وداخلية مضادة ذات تأثير على بعض التوجهات الداعمة للحرب ضد الإرهاب أو المساهمة فيه كالحالة مع التحالف الدولي ضد الإرهاب، حيث إن مثل هذه المحاولات سوف تساهم في تردد المخطط الإستراتيجي عن تبني موقف إستراتيجي على وتيرة واحدة في هذا الأمر، أو قد تنتقل آثاره للتأثير على التوافق العشائري مع القوات المسلحة في مناطق الحرب بسبب المواقف التي تتبناها بعض المؤسسات الدينية العليا في المنطقة، إذ أن للأزهر تأثير كبير على توجهات بعض القوى الإسلامية في العراق كالحال مع المجمع الفقهي الذي أصدر بياناً يحاول فيه الإقتراب من توجهات الأزهر في هذا الشأن.
ويلاحظ البعض من المختصين إن طبيعة هذا التحرك الإقليمي قد جاء مصاحباً للتقدم الذي أحرزته القوات المسلحة العراقية والذي ينذر بمزيد من التقدم بإتجاه كركوك ونينوى الأمر الذي لا يحظى بالقبول لدى البعض لأنه سوف يعلن عن خسارة توظيفها للإرهاب بشكل نهائي تقريباً في العراق، وهذا ما سوف يدفعها الى إنهاء حساباتها الإستراتيجية في العراق خصوصاً ووجود تشكيلات تحمل إسم العراق ينتمي إليها الحشد الشعبي بكافة تشكيلاته الى جانب العشائر والقوات المسلحة.
إدارة المقتربات: إستراتيجية وطنية للتصدي
تمارس الضغوط المالية دوراً مهماً في تغيير القناعات وخلق المواقف، فالحرب التي تمارسها بعض دول المنطقة حيال العراق هي بالأصل حرباً إعلامية ومواقف مضادة غير موثقة، ومن هنا فإن إدارة الحرب الإعلامية بمقترباتها بيد الحكومة العراقية لأنها الأقرب الى أرض الحرب. ولعل هنا من الواجب أن تكون لدى الحكومة إستراتيجية إعلامية واضحة في هذه الحرب، فضلاً عن أنها ينبغي أن تصور المعركة على أنها حرب أمة.
قد يكون الإعلام الحكومي مناسب لتغطية أرض الحدث من الناحية العسكرية، فشبكة الاعلام الحكومي تغطي كافة العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة في مناطق الحرب، بيد أن هنالك فرقاً بين تغطية الحدث وإدارة الحدث بحيث يكون الإعلام الحكومي الرسمي خصوصاً قادراً على خلق المواقف الجديدة من خلال توظيف الإنتصارات التي تقوم بها القوات المسلحة وتشكيلات الحشد الشعبي.
ومن هنا فإن الإدارة تفترض إيجاد مداخل جديدة تفترض التوظيف والدعم لهذه الإنتصارات المتكررة من خلال أعمال ومواقف إجتماعية تساعد في بناء قناعات بقوة العراق الجديدة وشدة التلاحم بين الشعب والجيش في رص الصف الداخلي ضد اي تهديد.