اسعد عبد الله عبد علي
مازال الشغل الشاغل للعراقيين هو فاجعة الكرادة, التي تسببت باستشهاد وجرح المئات, في ليلة رمضانية دامية, قد كشفت عورة الحكومة, حيث من المعيب بعد اليوم أن يتكلم أي سياسي عن الذكاء والفطنة والشجاعة, لأنها لا تتواجد فيهم والدليل مصيبة الكرادة, التي أزاحت أقنعة الخوارق ( سوبرمان السياسة العراقية), التي يتبجحون بها على الشعب المسكين, ليفتضح فقرهم العلمي والأخلاقي, فتبين أنهم من العقل والتعقل اشد فقرا, والضحية فقط الأبرياء الذين تخطفهم نيران سفلة العصر, من قرود الدواعش وبهائم القاعدة وحمير الوهابية.
عندما نشاهد الحدث تتولد لدينا شكوك كثيرة, حول بعض المرتكزات الحالية للدولة, والتي نجدها هي سبب فوضى البلد, وهذه الشكوك تضخمت لتتحول لجبال يصعب أزالتها, لان البلد يحكمه نخبة ضعيفة, لا تفهم كيف تواجه الأزمات, ولا تعرف كيف تحل مشاكل البلد, مما جعل المشاكل تتراكم إلى أن وصلنا لحال مرعبة, كمريض ميؤس من شفائه, يصعب على أي جراح خبير انجاز العملية بنجاح.
وهنا نتحدث عن ثلاث شكوك كبيرة, وهي:
شكوك حول اللجان الأمنية المسئولة
التفجيرات الأخيرة في الكرادة, اثبت أن اللجان الأمنية المختلفة يقودها أناس ثبت فشلهم, ويجب وضعهم بين قوسين, فالفشل المستمر ومن دون أن يتحقق أي انجاز, والإحداث الغريبة التي لازمت التفجيرات الأخيرة, من تسهيل مرور المركبات المشبوهة, أو سهولة حركة الإرهابيين, ضمن مناطق باتت معروفة بأنها مستهدفة دوما, مثل الكرادة وبغداد الجديدة ومدينة الصدر, مع تسريب المعلومات الأمنية, تجعل الشك كبير جدا بهذه اللجان, أعتقد يجب أن يكون هناك نظام رقابي صارم على هذه اللجان, مع تقييم شهري للأداء, مع أهمية تغيير من يهبط تقييمه أو تظهر مؤشرات سلبية على أدائه, ويجب فهم طبيعة علاقاته, وأهمية كشف الذمم لهذه اللجان, كل هذا يغيب ألان عن السلطة الكسولة.
نعلم جيدا أن رئيس الوزراء السابق, جعل المناصب حسب مقبولية الأحزاب, مما ادخل علينا جيل غريب من القادة العسكريين والأمنيين, وهم بعيدون بأميال عن استحقاق المنصب, فلا كفاءة ولا الثقافة المناسبة, ولا الخبرات الواجب توفرها في المنصب, وهذه الخطيئة تقع على عاتق الحزب الحاكم منذ 12 عام, والذي لم ينتج ألا الفشل المستمر.
في دول العالم تكون القيم الأخلاقية هي الباعث على العمل, وعندما يفشل المسئول فانه يبادر فورا للاستقالة, لكن هذه القيم الأخلاقية لا نجدها في شخوص السلطة, بسبب افتقادهم للحياء وانعدام الإحساس.
اليوم, كان على ألعبادي وكل المسئولين من النخبة الحاكمة المبادرة للاستقالة, لأنهم خيبوا توقعات العراقيين, وأضاعوا أحلام الملايين, لكن عدم الحياء يجعلهم متسمرين في أماكنهم, مما يجعل المواطن أمام ضغط الإرهاب وحده, من دون مظلة تحميه.
شكوك حول السفارة الأمريكية
أي قرار امني أصلاحي من قبل النخبة الحاكمة لا يمكن أن يمر, ألا بعد مباركة جهة خارجية, هكذا تبدو الصورة, فالسعي للإصلاح يحتاج لموافقة جهة معينة, تعطي للحكام صك الرضا, أنها السفارة الأمريكية, ذات النفوذ الكبير على المشهد العراقي, بل أن هنالك ربط بين ما يحصل من أحداث سياسية, وبين السفارة الأمريكية, فيستشعر الناس أن للسفارة الأمريكية يد في الإحداث, فالإحداث الأخيرة ليست بعيدة عن السفارة, خصوصا أن الإحداث جاءت بعد غضب أمريكي من قضية الاستعراض في البصرة, والذي تم فيه المشي بالأحذية على علم أمريكا, وشارك في الاستعراض أفراد من الشرطة وبالملابس الرسمية, في خطا ساذج يدلل على خواء فكري فاضح, فكانت الأحداث التالية والمتزامنة هي اثنين, فتح ملف اخو وزير الداخلية, ثم الانفجار العجيب في الكرادة, الانفجار الذي لا يشبه الانفجارات السابقة التي تقوم بها العصابات الإرهابية, بل هو يشبه تأثير القنابل التي ضرب بها المطار في عام 2003, فالنار المستعرة والحرارة العالية والانفجار القطري الأفقي , مما يجعل دائرة الاتهام تتوسع.
أما عن مصالح أمريكا من الانفجار والفوضى والصراعات السياسية, فالحدث الأخير مهم لهم, حيث يكرس الخلافات, ويشعل الاحتقان الطائفي, أي أن الانفجار يدفع نحو تحقيق حلم أمريكا في العراق وهو التقسيم.
والأمر يكشف لنا هشاشة حكومة ألعبادي ويعريها من أقنعتها, فلو كانت حكومة ألعبادي قوية, لما تجرا الغريب بان يتحكم بالمشهد, ويقوم بتسيير الأحداث حسب ما يرسم هو, ولا اعتقد أن الأحزاب الحالية يمكن أن تنتج قائد قوي, فما معروف من أسماء حالية, لا يمكن الوثوق بإمكانيتهم في تحقيق أحلام الناس.
شكوك حول سيادة حقيقية للسلطة العراقية
الأحداث التي تحصل, والقرارات الغريبة التي تنتج من النخبة الحاكمة, وكمية التفريط الكبيرة بحقوق العراقيين, والإذعان الرهيب للسيد الأمريكي, كلها تقودنا إلى نتيجة واحدة, ان السيادة وهم, فهنالك قوى هي من تتحكم بالقرارات المهمة للبلد, وهي من تضع شروط على الساسة, فما قضايا التسليح الفاشل والتفريط الغريب بمرتكزات البلد, والمساهمة في نشر الفساد, ألا بأمر من قيادة قوى عظمى, تنحني أمامها النخبة الحاكمة, أن قضية السيادة تم التفريط بها نتيجة تخبط الساسة وعدم وجود منهج صحيح, وعمالة الكثير منهم لإطراف خارجية.
فالسيادة وهم زرعه الحاكم السابق, لغرض الضحك على الناس, وكسب الشعبية على حساب الحقيقة, والتمهيد لولاية ثالثة, فالحقيقة انه إلى ألان القرار بيد السفير الأمريكي, وما النخبة الحاكمة ألا فزاعات من القش, فالخلل في قمة الهرم , والحكام ينتهجون أساليب الدعائية والأوهام, للسطوة على الكرسي أطول فترة ممكنة, وما الديمقراطية ألا أكذوبة كبيرة نعيشها منذ سنوات.
علل ستقصم ظهر البعير ( السلطة), لان البعير تحمل كثيرا على ظهره, من دون أن يسعى ويفكر لحل مشاكله, أو إزالة الإثقال (الأزمات), لأنه بعير لا يملك أمره, والقشة الصغيرة ستقصم ظهره حتما.