القرية والمدينة في المنظور الإسلامي / 8
بقلم : عبود مزهر الكرخي

والآن بعد كل هذا السرد لمبحثنا ووصول العالم الى هذا الانحطاط الخلقي والأخلاقي لابد لنا من وقفة لنعرف هل هذا الانحطاط لا يجد صداه عند الله سبحانه وتعالى؟ والذي نهى وبأشد العبارات والأوامر، فالشريعة الإسلامية حرَّمت هذه الخبائث على الإنسان؛ وذلك لأن الإنسان هو أسمى في الوجود والله خلقه في أحسن تقويم كما يقول ذلك في محكم كتابه والله جل وعلا ولا يريد أن يهدم هذا المجد الذي خلقه في الحياة الدنيا والمكانة الرفيعة التي وهبها الله للإنسان، فلو أتبع الشيطان وأطاعه والذي طلب الشيطان من الله أن ينظره الى يوم القيامة إلا لينتقم من هذا الإنسان والذي كان سبباً في اخراجه من رحمة الله ولهذا قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }(1)، ففي الآية الكريمة تحريم للخبائث، ونبذ واجتناب لوسوسة الشيطان الرجيم، وإعلان وبيان لأسباب الفلاح والفوز برضوان الله تبارك وتعالى. والشريعة الإسلامية تريد أن تربي الإنسان على كل ما هو سامي ورفيع حيث يبعد الإنسان عن كل ما هو دنيء ومنحط وهذا ماتدعوا اليه باقي الديانات السماوية الأخرى وبالتالي يكون في دار الخلود عند الله جل وعلا وليكون أهلاً للعبودية ولهذا في حديث أمير المؤمنين حديث رائع وحكيم حيث يقول (عليه السلام): {ما عبدتك خوفا من عقابك، ولا طمعا في ثوابك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك }(2)هذه كانت عبادة علي، وهي أرقى أصناف العبادة.
وهذه الكرامة التي وهبها الله للإنسانية انما هي فيض من الألطاف الآلهية والرحمة، وبالتالي يبقى الإنسان هو عبد لله وحده لا للشيطان ولا لرفاق السوء والخسران، فتحريم الخبائث والمخدرات وكل ما يرتبط هو رفع للمكانة الإنسانية الى اعلى صورها السامية وبالتالي يكون أهلاً لجنات الخلد…وهل من طموح أعظم من أن ينعم الإنسان في ظلال رضوان الله فلا شقاء ولا عناء ولا موت؟. ومن هنا كان الله سبحانه وتعالى قد اهلك المدن الكبيرة والتي تعمل الخبائث وتتخذ الشيطان ولياً لها ليصفها بالقرى وهذا ما ذكره الله الجبار المنتقم عن القرى بقوله في محكم كتابه {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}(3).
وكل تلك المدن الكبيرة التي تعمل الخبائث فاهلكها بظلمها وعملها الفواحش وكل ما هو قبيح وظالم وهذا العتو لتلك القرى (المدن الكبيرة) هو من اشد ما يبغض الله والتي يحاسب عليها الله سبحانه وتعالى يحاسبها ويعذبها شديداً وهو مصداق لقوله جل وعلا في محكم كتابه {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا}(4).
وفي وقتنا الحاضر نلاحظ ان هذا العتو عن الله جل وعلا وعمل الخبائث والظلم قد اتسع بصورة غير طبيعية ولا يصدقها العقل والمنطق وقد اوردنا في أجزائنا السابقة ما يحدث في تلك مدن الرذيلة والفساد من نشر لكل الخبائث من القمار والدعارة ونشر المخدرات وحتى ما يسمى بتجارة الرقيق الابيض وبالبشر من اجل الدعارة وما تقوم عصابات المافيا ومن هم على شاكلتهم هو لا يتمثل فيه اي وازع ديني او اخلاقي ولا يمت للعرف الإنساني بأي شكل من الأشكال.
ومن هنا كان لابد من وقفة والتمعن فيما يحصل من معصية للخالق العظيم والخروج عن جادة الحق والصراط المستقيم. فكان الله المنتقم الجبار قد اهلك عاد وثمودا والقرون الأخرى وحتى قوم فرعون لأنهم خرجوا عن جادة الحق والصواب وعملوا الخبائث كما حدث مع قوم لوط والقرون الأولى وهذا ما يتحدث به الله جل وعلا في كتابه الحكيم فيقول {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(5).
وهذا التذكير ليذكر كل تلك الاقوام وحنى الآن أن بطش ربنا لشديد فيقول {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}(6) و{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}(7).
فكل تلك الاقوام والمدن الكبيرة كانوا جبارين ويبطشون بطشاً شديداً ولكن عند أخذ ربك كان منتقم جبار ويبطش بطش شديد فتصبح كل تلك المدن قرى ويأخذها اخذ عزيز مقتدر.
والآن لنأتي الى وقتنا الحاضر وما يجري فيه من أمور وأحداث فنلاحظ ان العالم يعيش في فوضى كارثية فظلم الإنسان لأخيه الإنسان قد بلغ حدوده القصوى وما يحدث في العالم خير دليل على ما نقول فما يحصل مع مسلمي الأيغور والروهانيغيا وحتى مع الديانات الأخرى هو مصداق على ما نقول وما يحدث من قتل وعلى الهوية وعلى الطائفة والدين وحروب هي كلها شاهد على هذا الظلم ليضاف اليها عمل الخبائث من رذيلة وقمار وتجارة وبأقذر الانواع من تجارة السلاح وكذلك بالأعضاء البشرية وبالإنسان نفسه فهل يوجد أكثر من هذا البطش والجبروت لأنه كان بطش جبارين وهذا ما أشار اليه الله سبحانه وتعالى في قوله {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}(8).
وكذلك عمل الخبائث في حاضرنا الحالي والذي لا يوجد مثله عبر التاريخ كله؟. ومن هنا كان لا بد لرب العزة والجبروت ان تكون له موقف مميز لهذا الظلم الواقع ليعرف كل جبار متغطرس وكل البشر مدى قوة وجبروت الله سبحانه وتعالى والذين يأخذ كل تلك القرى(المدن الكبيرة) أخذ منتقم جبار وان يسلط عليهم مافيه بلاءٌ عظيم وأن يكون دور المنتقم عن طرق طغاة الأرض ومفسديها فهو يقول في محكم كتابه {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}(9).
فهذا هو الدمار والعذاب الحقيقي الذي يسلطه سبحانه وتعالى على من خرج عن جادة الصراط المستقيم ومايجري الآن من حروب ودمار وقتل وعنف هو مصداق لقولنا والذي ينفذه الاغنياء ومليارديرة العالم ومن امثال روتشليد وروكفلر وحتى امبراطور المايكورسوفت بيل غيتس الذي هو من نصح بنشر فيروس كورنا المستجد من اجل تقليل أعداد البشرية من اجل السيطرة على العالم من خلال التحكم بالمال والاقتصاد والسلاح وعن إمبراطوراتهم المالية الضخمة.
ويبدو لنا وقفة اخرى وفي جزئنا القادم ان شاء الله لنقف كيف يكون عقاب الله لعباده الخارجين عن الحق والصراط المستقيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1ـ [ المائدة : 90 ].
2 ـ راجع: كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج 1، ص 119- بتصرف يسير. راجع البحار : ج 41 ، ص 14. شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد: 5/ 361.
3 ـ [الكهف : 59].
4 ـ [الطلاق : 8].
5 ـ [القصص : 43].
6 ـ [البروج : 12].
7 ـ [الدخان : 16].
8 ـ [الشعراء : 130].
9 ـ [الإسراء : 16].