ادهم ابراهيم
نحن ننظر الى القرآن الكريم ككتاب وحي وهداية منزل من الله الى نبيه الكريم ليبلغ رسالته السماوية الى الناس كافة ، وهو اعظم واسمى من اي انجاز علمي ، وبالتالي لايمكن تفسيره على وفق العلوم التطبيقية التي تتصف بالتغيير المستمر .
فقد ارسل لي احد الاصدقاء تسجيلا يشرح فيه صاحبه الاعجاز العلمي للقرآن الكريم بعدد ايات سورة البقرة . وقد جمع آخر آيتين ليصبح الرقم 571 وهو تاريخ ولادة النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد غالى في تفسير ذلك وعزاه الى الاعجاز العلمي للقرآن .
وقد فاته بان هناك اختلاف في ترقيم الايات .
قال الشاطبي ان عدد ايات سورة البقرة عند البصريين؛ مئتان وسبعةٌ وثمانون آية، وأمّا عند المدنيين والمكيّين والشاميين؛ مئتان وخمسةٌ وثمانون آية، وأما عند الكوفيين؛ مئتان وستةٌ وثمانون آية .
ان هناك بعض المفسرين يحاولون اثبات تنزيل القرآن بالعلوم الوضعية وهذا النهج ليس جديدا ، فقد استخدم المفسر فخر الدين الرازي العلوم الكونية في تفسيره للقرآن الكريم من باب الاجتهاد والتوسع في شرح آيات القرآن .
لم تقتصر دعاوى الإعجاز العلمي على المسلمين فقط، بل شاركهم فيها العديد من الباحثين اليهود والمسيحيين، واصدروا كتبا عديدة بهذا المعنى مثل “الكتاب المقدس والعلم الحديث” يتحدثون فيها عن إعجاز علمي في مسائل عديدة منها مدة خلق الأرض وعمر الكون، واليوم عند الرب وغيرها كثير .
وفي العصر الحديث انتشرت مثل هذه الدعوات في محاولة متهافتة لإثبات صحة الدين الإسلامي من خلال تحميل النص اكثر مما يحتمل ، ومازالت مستمرة رغم ظهور تناقضات عديدة فيها .
وكان على رأس حركة التفسير العلمي الحديث محمد فريد وجدي، وطنطاوي جوهر، والرافعي ومصطفى محمود، وعمر الراوي وزغلول النجار وكثير غيرهم، كما تم تأسيس منظمات عالمية وعربية للإعجاز العلمي، مثل الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة وغيرها .
مثل هذه المحاولات قد تعطي مفهوما عكسيا لما اريد بها . حيث تسببت في إشكاليات عديدة بين النص القرآني والعلم حيث بالغ بعض المفسرين في تأييدها اعتقادا منهم بأن القرآن يحوي كل العلوم والمبتكرات الحديثة .
إنّ انتشار دعوى الإعجاز العلمي أعطت فكرة خاطئة عن التفسير العلمي لآيات القرآن ، حيث يفترض ان من يفسر القرآن هم العلماء والمختصين بما فيهم علماء اللغة والفلاسفة من دون توسع ولا غلو .
علينا التمييز بين الدين والعلم ، فلكل منهما منهجهما البحثي والتفسيري المستقل ، ولايمكن الخلط بينهما ، مما يضر بالعقيدة الايمانية ذاتها.
ان منهج تفسير القرآن بالإعجاز العلمي قد لاقى معارضة العديد من العلماء والباحثين ، منهم العلامة الشاطبي إبراهيم بن موسى المكنى بابي اسحق ، المتوفى سنة 1388م ، 790هـ . الذي اعترض على المبالغة والتجاوز ، ورفض استخدام المعارف الكونية في تفسير القرآن الكريم .
واستمر الرفض إلى يومنا هذا من بعض العلماء المسلمين مثل
رشيد رضا صاحب تفسير المنار .
والشيخ / محمود شلتوت وتلامذته حيث يقول عن التفسير العلمي: إنهم طائفة المثقفين الذين أخذوا بطرف من العلوم الحديثة ثم نظروا في القرآن وتأوّلوا على نحو زيّن لهم أن يفتحوا في القرآن فتحاً جديداً،
فأفسد ذلك عليهم علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صور من التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله .
وكذلك عباس محمود العقاد الاديب والمفكر المصري الذي رفض الربط بين القرآن والعلوم، قائلا : ( فلا يطلب من كتب العقيدة أن تطابق مسائل العلوم كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر ولا يطلب من معتنقيها أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم كما تعرض عليهم في معامل التجربة والدراسة) . وكثير غيرهم .
تبدو اشكالية التفسير العلمي للقرآن شديدة الوضوح عند محاولة تحريف الوقائع واختلاق الحقائق في اثبات صحة الاراء بشتى الطرق فتخرج نتاجات نظرية مرتبكة تعطي مردودات معاكسة للايمان .
ويظهر ذلك جليا في كتاب “آيات الإعجاز العلمي، الحيوان في القرآن الكريم”، حيث لا يجد مؤلفه زغلول النجار حرجا” في اختلاق ما أسماه بالحقائق العلمية، عندما تحدث عن عالم الغربان متساؤلاً لماذا بعث الله غراباً، ليعلم بني آدم دفن موتاهم ولم يبعث طائراً آخر؟
فيجيب ان الغــراب أذكى الطيور وهي كائنات عاقلة لديها منظومة محاكم سماها محاكم الغربان !
وذهب بعيدا في الخيال عندما ذكر إن لكل جريمة عند الغربان عقوبتها فجريمة اغتصاب طعام الفراخ عقوبتها نتف ريش الغراب المعتدي، حتى يصبح عاجزاً عن الطيران كالفراخ !
وجريمة هدم العش تقتضي إلزام المعتدي ببناء عش جديد للغراب المعتدى عليه.
وجرائم اغتصاب إناث الآخرين تقتضي بقتل المغتصب ضربا بالمناقير حتى النهاية ! !
القرآن ليس مطلوباً منه ولاينبغى له أن يكون كتابا مرجعيا فى الطب أو العلوم او الرياضيات .
القرآن كتاب دين وهداية وليس كتاب علوم ، يقول عز من قائل :
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ سورة النحل .
يبدو ان هناك عقدة ناتجة عن الفجوة العلمية بيننا وبين الغرب ويحاول البعض ملء هذه الفجوة بادعاءات ماانزل الله بها من سلطان .
ان العلم في تغير مستمر بينما القرآن ثابت ومعجز في كل زمان ومكان ، فقد يكتشف العلم اشياء ثم تظهر حقائق جديدة تثبت عكسه
ان من يلجأ الى مايسمى الاعجاز العلمي لاثبات صحة القرآن او الوحي ينقصه الايمان الصادق النابع من القلب ، ويبحث عن برهان يسنده بالعلوم الرياضية او التطبيقية الحديثة .
اما نحن فاننا نؤمن بقوله تعالى
الٓمٓ (1) ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ (2) ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ (3) وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ .
اذا” نحن نؤمن بالغيب وكفى من دون الحاجة الى برهان او تعليل ، هذا هو الايمان الحقيقي ، وعلى الله قصد السبيل .
ادهم ابراهيم