قبل الخوض بالموضوع لدي ملاحظتين:
الأولى: الموضوع طويل السرد ولكن تفاصيله الشيقة لم تسمح لي بالأختصار.
الثانية: أن عرض ما حصل للفنان صباح السهل يمثل ادانة لبشاعة نظام حَكَمَ وطن بعراقة العراق، وهو ادانة لحقبة مؤثرة بتاريخ العراق ألقت بتأثيراتها على الواقع الحالي.
من مدينة الشطرة المنسية كجارتها الناصرية وبقية مدن جنوب العراق التي تعاقبت الحكومات فيما مضى ولليوم على اهمالها، وُلِد صوتٌ جنوبي يبح الوجع حنيناً والمأً مزمناً. كانت حنجرة ذات صوتٍ شجيٍ ما خنقتها رعونة ابن الرئيس ونزواته الشهوانية حيث كان رافضاً أن يكون كالكثير من الفنانين الة لعبٍ بيد ابن الرئيس وبطانته.
كانت حنجرة نبيلة لم تتسابق لمدح رئيسٍ ظالمٍ تمجد من يستحق كل اهانة، وسط تسابق الفنانين المحموم لأداء ترهات الأناشيد والأغاني ليرضى عنهم (صدام) وزبانيته ويسخط عليهم كل من لديه نبل وشرف. رفض الفنان صباح السهل الألتحاق بركب السرب الذي ينعب نعيباً متواصلاً غرضه المديح، والعائد مادياً مريح، وإن كان بنهجٍ قبيح.
الأغنية الوحيدة التي غناها السهل في الثمانينات كانت في مدح جيش العراق ولربما غناها إكراهاً لتسلم رقبته من القطع على عكس من يحوم كالغراب لينعب نعيبه المتواصل في مدح الرئيس وبطانته مثنى وثلاث ورباع وعشرات. تلك الحنجرة البريئة التي نطقت صرخة ولادة حياة متعبة في الشطرة ينتهي الأمر بها مهشمة من ضيق وصلابة عقدة أُنشوطة حبل الأعدام.
في اتصال مع (خلدون صباح السهل) ابن الفنان من زوجته الأولى بتاريخ 11/ كانون الثاني/ 2016 صرح لي عند سؤاله عن الغرض من استهداف والده فكان جوابه: (السبب هو عدم رضاه من تصرفات ابن المقبور صدام وباقي المسؤولين في ذلك النظام وعدم انصياعه لأوامرهم في امور لا نريد ان نذكرها) فسألته حول تلك الأمور فأجاب: (تعرف الفنانين لهم معجبات فيطلب المسؤولين في ذلك النظام جلب المعجبات لهم ولكن الوالد كان يرفض هذه الامور المخله). كان عمر خلدون صباح السهل عن اعدام والده 27 سنه وقال مستذكراً أباه ولحظة علمه بأعدامه: (تاثرت بشكل كبير جدا لانه كان ليس والدي فقط بل كان صديقا لي).
من هو صباح السهل؟
صباح السهل مطرب عراقي ذو صوت قوي وجميل ولد في مدينة الشطرة بمحافظة ذي قار جنوب العراق في عام 1946، برز خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، اسمه الكامل (صباح محسن محمد). برز في تقديم الأغنية الريفية حيث تميز صوته بالفخامة والسعة والغلظة مما ميّزه عن أقرانه من مطربي جيله. جاء إلى بغداد في سبعينيات القرن العشرين وعمل منشداً في فرقة الأنشاد العراقية في اول مشواره كما وعمل مطرباً في فرقة الفنون الشعبية التي احتضنت معه مجموعة من الفنانين امثال (رياض أحمد، قحطان العطار وصلاح عبد الغفور). بعد التنقلات ما بين فرقة الفنون الشعبية والأذاعة انتقل بعدها للتلفزيون وقد قاد خطاه إلى عالم الشهرة والاضواء الملحن الراحل (محمد جواد اموري) لما وجد فيه من حلاوة صوت، وحنجرة غنائية جديدة، مختلفة عن أبناء جيله وعن الجيل الذي سبقه.
وجاءت الاغنية التي رسخت اسم الفنان الراحل في عالم الفن بجد وثقة عالية. (بلاية وداع) في حينها أصبحت من الاغاني الشائعة جداً لقوة كلماتها واللحن الجميل والصوت المعبر الذي استطاع ان يخترق قلوب المستمعين، وهي من كلمات الشاعر (عريان السيد خلف) والحان (محمد جواد اموري).
في هذه الاغنية كأنما كان يغني إلى قدره ومصيره، وكأنه كان يدري أنه سيغادر بلا وداع لخيانة الزوجة الثانية التي أمن مكرها فبراءة الأنسان فيه لم تستشعر هيئة الأفعى الرابضة أمامه تسجل صوته وتجر لسانه لقول كل ما سيؤدي لأعدامه لمعرفتها أنه شجاع ونبيل لا يتوانى عن ذكر الحقيقة. اغتالوه معدوماً (بلاية وداع). نقتطف منها:
مثل العود من يذبل… بلاية وداع
ومثل الماي من ينشف… بلاية وداع
تدريني هِرِش واوجرت بية الكاع
يا رخص العشك من ينشره وينباع
شلون الماي يكدر ينكر اجروفه
شلون العين تكدر شوفها اتعوفه
وأبو جفوف الحنينة شلون يرضى اتبعينا جفوفه
وبلا جلمة التنكال
كل ذاك الفرح ينشال
وظنون المحبة تظل بلاية وداع
يا رخص العشك من ينشره وينباع
الفنان صباح السهل من عائلة كريمة وقد زودني بمعلومات عنها أحد أقارب الفنان لدى اتصالي به بتاريخ 10/ كانون الثاني/ 2016 وقد فضّل عدم ذكر اسمه. سألته عن أصل العائلة فأجاب: (أن السهل هو اسم عائلة وليس عشيرة وهم سكنوا الشطرة في الربع الاخير من القرن الثامن عشر بين العام 1875 – 1880. في عام 1910 سكن القسم الاكبر منهم مدينة الناصرية وبيت (صباح) فقط هم من بقوا في الشطرة لحين دراسته في بغداد ولا يوجد منهم حاليا اي شخص في الشطرة وأخوته جميعا سكنوا بغداد منهم (رحمن –على قيد الحياة- وكريم الله يرحمه) وولد الفنان صباح السهل (خلدون) وهو في مدينة الكوت حالياً هو ووالدته -الزوجة الأولى- وبقية أخوته).
كان الفنان صباح السهل رساماً وخطاطاً ومصوراً وحلاقاً. كان بداياته معروفة وكما كان يقول متندراً عن نفسه (سبع صنايع، والبخت ضايع).
أُودع الفنان صباح السهل في سجن المخابرات بتاريخ 4/ 4/ 1993، وكانت تهمته التهجم على شخص (صدام حسين). وأعدم بتاريخ 3/ 5/ 1993 وتمت مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة ومنع بث أغانيه في الاذاعة والتلفزيون العراقي ليتم التعتيم عليه وعلى قصته فضيعوا ذكره بتقادم السنوات. هكذا بكل بساطة ينهون حياة الأنسان ويمحون ذكره. كتب (حمودي عبد غريب) مقالة في جريدة البينة الجديدة بعنوان: (لمرور 22 عاما على إعدامه.. البينة الجديدة تفتح ملف الفنان الراحل صباح السهل.. من القاتل الحقيقي دستور البعث أم زوجة غادرة؟) ذكرفيها: الأسم الكامل (صباح محسن محمد) لأن أسمه الفني انتهى هذا اليوم بقانون السلطة وهذا ما حدث في الفخ الذي نصبته له شريكة حياته التي أحبها وعشقها بجنون لكنها تنصلت فقررت بفعلتها الخسيسة مع سبق الاصرار والترصد وأودعته في دهاليز أشرس الأقبية لدى السلطة الحاكمة ومن دخل لن ينجو الا بقدرة قادر وقد واجه التهمة التي كان نصها التهجم على صدام وعائلته والقيادة السياسية).
افاد السيد (رحمن السهل) أخو الفنان (صباح السهل) في لقاء متلفز معه تابعته على اليوتيوب أن كثرة التعتيم عليه جعلت الكثير من الناس لا يعرفون ما حل به حتى بعد سقوط النظام.
توجهت بالسؤال لـ(خلدون صباح السهل) ابن الفنان من زوجته الأولى عن دافع زوجته الثانية لتصبح اداة طيعة بيد المخابرات فأجاب: (دافع التسجيل من قبل زوجته الثانيه هو الدار التي كان يسكنها، سجله باسمها واراد ان يبيع الدار فهي رفضت وارادت ان تاخذ الدار فاستعملت هذه الطريقة. وبالنسبه لجهاز التسجيل فزوجته الثانية هي كانت الاداة التي استعملوها لكي يثبتوا بالدليل القاطع ليكملو ظلمهم له).
بين خيانة زوجة وبشاعة نظام يحول بين المرء وزوجه كانت قصة تحمل شهادة للتاريخ عما حَصل لبلدٍ كامل.
دور المخابرات في اعتقاله:
يذكر المتهم (برزان التكريتي) مدير المخابرات في محاكمته ضمن مجموعة من مجرمي النظام البائد لجريمة قتل 148 من اهالي الدجيل بعد محاولة فاشلة لأغتيال (صدام) نفذها مجموعة من حزب الدعوة الأسلامية. كانت قائمة المتهمين تضم (برزان التكرتي) ورئيس الجمهورية (صدام التكريتي) ورئيس محكمة الثورة سيئة الصيت (عواد البندر) ونائب رئيس الجمهورية في النظام البائد (طه ياسين رمضان) وأربعة مسؤولين بعثيين من منطقة الدجيل، يذكر (برزان) أثناء محاكمته أن المخابرات لم تتدخل بالشأن العراقي الداخلي، ولم تمارس يوميا ملاحقة أو معاقبة أحد.
هذه الوثائق التي تناولتها جريدة الصباح وقد نقلتها من مدونة (الدكتور محمد مجيد) تدحض ما قاله المجرم برزان، فهذا الفنان صباح السهل قد حكم عليه في المخابرات ونفذ فيه حكم الاعدام فيما يسمى بالحاكمية. ولندع الوثائق تتحدث.
تشير الوثيقة التي حصلت عليها جريدة (الصباح) الصادرة من رئاسة جهاز المخابرات، الى أنه تم القاء القبض على المتهم (صباح محسن محمد) والمعروف بالاسم الفني (صباح السهل) من قبل جهاز الامن الخاص، بتاريخ 4 / 4 / 1993، ثم اودع في سجن المخابرات، وسبب التهمة كما مبين في الامر الاداري الصادر من رئاسة المخابرات السري هو تهجمه على شخص الرئيس المخلوع وعائلته والقيادة السياسية.
نورد هنا قصة احدى ضحايا ابشع نظام استبدادي عرفه التاريخ الحديث والقديم. فلم تسلم من شره وظلمه شرائح المجتمع كافة، وهذه المرة وقع بطش النظام على احد الفنانين المعروفين للسانه وذاكرته في كشف الكثير من الحقائق والاسماء التي سنوردها لاحقاً، وقد اعترف ان الكلام بصوته، لان الخطة كانت محكمة على ضياعه واعدامه. لكنه كرر انه كان في حالة سكر (ربما ليسلم من بطش المكيدة المحاكة ضده)، ومثلما هي مدونة بملف التحقيق الذي اجراه (اياد طه شهاب)، ولم تنفع توسلاته بطلب الرحمة من الرئيس السابق.
كان الفنان صباح السهل يؤكد في اكثر من مرة في التحقيق بان هذا الكلام تفوه به في بيته وامام زوجته فقط، ولكن ولات حين مناص فقد وقع بيدٍ لا تعرف الرحمة وقلوب ما سكنتها شفقة قط وعقول مستعبدة تتقرب زلفى لرأس الصنم بقرابين من الأبرياء والمظلومين الذين قضوا على ايديهم.
التسجيل الصوتي:
ورد نص الادانة للفنان صباح السهل بعد ادانته بتسجيل صوتي سَلَفت الأشارة اليه وقد تم تفريغ الأفادة من الشريط المسجل وحسب ما مدون في ملف جهاز المخابرات وفيه الكثير من التفاصيل التي تعري مسؤولي النظام السابق من رئيس الجمهورية الى ابنائه ومروراً بأخوته ووزراء العهد المباد، والذي يطلع عليها يلاحظ مدى السقوط الاخلاقي والشذوذ السلوكي والتربية المنحرفة لدى هؤلاء الذين كانوا يقودون سدة الحكم.
وبالنظر لاحتواء ملف الادانة على الكثير من التفاصيل اقتصرت جريدة الصباح (وكما نقلتها عن مدونة الدكتور محمد مجيد) على ابرز الاعترافات مع تعديلنا (والكلام لجريدة الصباح) للعبارات التي اطلقها المرحوم السهل باللهجة العامية التي تتضمن مفردات القذف والتهجم على ازلام النظام السابق بلغة فاحشة لا تتماشى مع توجهات الصحيفة ولغة الصحافة واليكم ما تضمنه التسجيل بصوت الفنان السهل وحسب ما مدون في الوثيقة:
صباح: عدي والفنانات العرب بعد انتهاء حفلة المطربة سيمون، الناس كلها تطلع من القاعة بعد انتهاء الحفلة، (طالب القره غولي) يقول لسيمون: اكعدي! يابه ليش اكعد موخلصت الحفلة اريد اروح! قال: عندنا اوامر انه تبقين! يابه طالب كلتله ليش تبقه؟! كلي صباح انت مالك علاقة!
اباوع فوك اشوف عدي والعصابة مالته فوك، اكو صالة فوك، الحماية نزلوا واخذوها. وحق هذا الماي، شاورني (ياسين الشيخلي) يتمضحك كلي صاحبك (يقصد طالب القرة غولي) ظل يكود لعدي.
بس فلتت منهم وحدة، حتى (ماجدة الرومي) اخذوها، بس فلتت (امينة فاخت)، انهزمت واخذت تكسي من الشارع وعافت فرقتها الموسيقية، هم جان عدي فوك وكال احجزوها، لكن (امينة فاخت) شلعت!
زوجته: مو اني ما اصدك ليش ينزلون سمعة العراق لهذه الدرجة؟
صباح: وداعتج هي بالضبط! ليش ما تصدكين، مو اني بالوسط الفني واعرف.
زوجته: يعني اكول معقولة! سُمعة ابوهم؟
صباح: ابوهم انكس منهم! ابوهم كله هنديات وفرنسيات، هذا صدام من يسكر يطلع الزباد من حلكه!
زوجته: منو؟!
صباح: صدام حسين، وحق هاي النعمة، ما عنده غير السكر والبنات لعد شنو هاي الصورة اللي تشوفيها انتي بالتلفزيون والاعلام تختلف عن الحياة الطبيعية. هذا (سعد) نسيب (ابو علي) هذا يكوّد لعدي، شكو بنات بالمعهد او بالاكاديمية يجيبهم. لعد شعبالج، وحق هاي النعمة البارحة كدامي اجتني وحدة، كالتلي انت موصديق عدي، بنات ياخذوهن بالكوة، الكلية تمنح شهادات لو….. شلون احنا درسنا في المعهد.
زوجته: زين شلون يفتهمون لعد هالفهم هذا؟
صباح: مو فهم هذا سياسي. العصابات الدولية يعرفوها كلش زين. (برزان) بدايته معروفة على الشقاوات اللي بغداد. بالبداية الشقاوات كلهم خلاهم يكتلون الحزبيين المعروفين اللي جانوا كبله، كلهم اغتالهم، بعدين كتل الشقاوات اللي كتلوا هذولة في النهاية. لا دراسة ولا صخام هذا بالثالث راسب.
زوجته: معقولة؟!
صباح: هذولة عصابة، عزايمهم سهر وليل. عدي ما له علاقة بالاذاعة والتلفزيون، اله علاقة بـ(عادل عكلة ومحمود انور) وهسه هل الايام (كاظم الساهر وعلي العيساوي) يومية حفلات وهو كاعد بيها.
كنا انا و(قيس) -المقصود هو الفنان (قيس حاضر)- كاعدين وراح عدي للتواليت، (قيس) كال كوم نطلع احسن، ولما كانا في الممر لاكينا ابن رئيس الجمهورية عدي الكلب. (قيس) كال ما نسلم عليه راح يسلم علينا، سألني؟ لو لازم نسلم عليه؟! كتله قابل نحتقره ونطلع منسلم عليه. لاكاني بوجهي، كال: ها صباح شو انت ماكو، كتله الشغلة يمكم، شما اسأل التنسيق يكولولي يمكم الفوق انتم الفوق. فقال –عدي-: لا ما يكون الا خاطرك طيب.
من طلعنا كلي قيس بغضب موكتلك، لاتسلم عليه، كتله قابل يلاكينا ابن رئيس الجمهورية بالممر ومنسلم عليه. هم الهم كعداتهم وكحابهم، اني ليش انهزمت.
زوجته: الرئيس يسمع هيج يسوي ابنه؟
صباح: لا… يسمع الرئيس ويدري بأبنه ويسكتله، قتل المرافق ماله، الخادم اللي يشيل سترته ويداريه، كتله وعفه عنه، مو قتل (كامل حنا)، على اساس سجنه، كلاوات، بعدين وزارة العدل تطلب الرحمة من صدام حسين بخصوص عدي، شنو ها الكلاوات. يخطفون المرأة، ذولة كرايبهم واخوان الرئيس وولد خير الله (يقصد خيرالله طلفاح).
كما يسترجع الفنان صباح السهل شيئاً من ذكرياته ضمن الشريط المسجل والمدون في ادانة في ملفات المخابرات، على صعيد التربية التسلطية وبعض ما خلّفوه من عقد سادية لدى ابنائهم. ومعاملة الاخرين وحتى الفنانين وكأنهم عبيد، اقتداءً بآبائهم. يذكر الفنان صباح السهل في نفس التسجيل:
انه رحت لتكريت أغني بحفلتين، رادوا يكتلوني اني و(امل خضير وسهام محمد)، نجدة اجت حمتنا رادوا يبوكون (امل وسهام)، اطفال بعمر 14 ـ 15سنة، بايدهم مسدسات، وفي نيتهم ان ياخذوهن، صدام حسين كلاوجي وسختجي. يغارون من كل الشعب ومن المحافظات، لانهم عشائر وعندهم اصل، وهـم ماعدهم اصل.
يستطرد السهل وهو يكشف عن واقع الفن في العراق، وان دائرة الاذاعة والتلفزيون صارت بيد ابناء المسؤولين، وكذلك يتنبأ بأعدامه ويذكر ان ولد خير الله طلفاح: (أكو واحد يحجي وياهم، بالنعال يضربون مدير التلفزيون ومدير الاذاعة).
زوجته: معقولة ينزلون هل نزلة؟!
صباح: معقولة شنو، انت شعبالج، هذوله سفلة كاولية، جان يدكون بالربابة، هذولة عصابة بالجعيفر والله اني مستعد ان انعدم واحجي هذا الحجي واموت، احجي وارتاح، خلي يعدموني روحي كليلهم، واني اواجه هذولة السفلة. انه موعندي علاقات ويه ناس بالمخابرات والقصر ويحجولي، حجي يخبل من يسكر صدام يخر من حلقه الويسكي والزباد، وجلساته بيه بنات هنديات واسبانيات وفرنسيات… (الله اكبر) كلها كلاوات.
وكأي انسان رافض لظلم صدام وحكم عائلته، كان صباح السهل ناقماً على الوضع المزري للعراق، الذي تحول الى اقطاعية يتصرف بها الصداميون والبعثيون بمجون واستهتار، فهو يذكر في حوار مع زوجته العشائر العراقية وكيف اخضعها الى سيطرته، فيقول:
صباح: بالروح بالدم نفديك ياصدام، لسان رؤساء العشائر مستولي عليهم، ماكو رؤساء العشائر، كتل وذبح الشرفاء منهم، يطعمهم ويطمهم فلوس، الانسان طماع، كل رئيس عشيرة، يشعر بضعف من صدام، واي واحد يثير غضبه يكتله ويكتل عائلته. طريقة انكليزية مضبوطة، يعني هم ازمايل الانكليز.
زوجته: بس العشائر يجونه من كل مكان؟!
صباح: صدام حول البلد الى اقطاعية وعشائرية، وانطاهم سلاح، شلون مختار المحلة ترشيه بالفلوس، اتكله جيب فلان وفلان، تطلبهم الدولة. حوّل البلد الى مجموعة اقطاعيات في كل مكان، وكل واحد يؤذي الحكومة، يؤذوه ويؤذون عائلته ويجيبوه، وهو ضد الحرية والوحدة الاشتراكية، هذا مبدأ الحزب، عبد الكريم قتلوه لأنه بنى بيوت للفقراء. احمد حسن البكر ما قبل يعتدي على ايران ويعمل حرب، استولى عليه وكتله بالابر، والاميركان سهلولة المهمة.
واخر كلمات قرأناها في ملف الفنان المرحوم صباح السهل كانت في افادته ومنها:
ان صدام حسين حقير، بس عدنان خير الله شريف، وان صدام اميركي ومتفق مع اسرائيل على ضرب النجف، خطة اميركا واسرائيل هم اللي انطوه الحبل مثل ما انطوه الحبل واعتدى على ايران.
سبعاوي، هسه دكتور ومدير الامن العامة وجان مدير مخابرات، وهو كان بنجرجي في تكريت، كلهم لا شهادة ولاشيء. هذولة لازم يخلوهم في ساحة التحرير ويقطعونهم بمنشار كهربائي، معقولة الطماطة تصير 250 دينار ابو اللحم عدي وابو الدجاج عدي، والاراضي اخذها خير الله طلفاح واشتراها بالقوة.
(انتهى الأقتباس من التسجيل الصوتي)
حيكت هذه المكيدة ضد الفنان صباح السهل من قبل جهاز المخابرات وبالتعاون مع زوجته الخائنة (الزوجة الثانية) بعد ان وعدوها بمغانم كثيرة لم تهنأ بها. حيث المُلاحض طريقة استغرابها من كلامه وكيفية محاولة تبرئة منطقتها بأن تبدي استغراباً.
يذكر الكاتب (حمودي عبد غريب) في مقالته التي اتيت على ذكرها سابقاً في جريدة البينة الجديدة: (كان الراحل يريد التعبير أمام زوجته لشعوره بالأمان ولكنه لم يع انها غادرة تكرر عليه الكلام لتقول له: آني ما (أصدك) ينزلون سمعة العراق بهذا الشكل! وأرادت أن تضرب عصفورين بحجر تهلكه وتبيض سمعتها المنحرفة أمام المنحرفين بأنها تحب السلطة والعراق وتستمر اللعبة مع صباح ليسترسل والكمين منصوب له مسبقا لتنتهي الحكاية بقول صباح :أنا أعرف كل شيء عنهم هم فاسقون منحرفون ليكرر كلامه قائلا: (لحد يصدك ما يقولونه بالتلفزيون هم بالحقيقة العكس) وهكذا رحل الى السماء بعيدا عن دنياه مغدورا).
عند أتصالي بأحد اقرباء الفنان صباح السهل الذي فضل عدم ذكر إسمه ذَكَر: (أن الزوجة الثانية للمرحوم السهل هي التي وشيت به بتسجيل صوتي وبعد اعدام صباح أُلقِي القبض على اولادها الاثنين حيث كانت متزوجة قبل زواجها من صباح وعندها ولدين من زواجها السابق وأعدموا في نفس السنة لحيازتهم المخدرات – شوف الله اشسوه بيهه-).
قرار الاعدام:
تشكلت محكمة المخابرات ببغداد بتاريخ 2 / 5 / 1993 برئاسة القاضي (ابراهيم سهيل نجم) وعضويه (راضي سعد احمد وصلاح مهدي كريم) المأذونين بالقضاء واصدرت قرارها الاتي:
القرار: حكمت المحكمة على المدان (صباح محسن محمد السهل) بالاعدام شنقاً حتى الموت استناداً لاحكام المادة (225) من قانون العقوبات الشق الثاني الفقرة الاولى، مع احتساب مدة موقوفيته اعتباراً من 4 / 4 / 1993 ولغاية 3 / 5 / 1993 ومصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة.
إطلعت على وثيقة مصورة بنص المادة القانونية 225 التي ادين بها الفنان صباح السهل ابان حكم النظام البائد فكان نصها:
(استناداً الى احكام الفقرة (أ) من المادة الثانية والأربعين من الدستور قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/11/1986 مايلي:
أولاً: يعدل نص المادة 225 من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 على الوجه الاتي:
المادة (225):
1- يعاقب بالسجن المؤبد ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة من أهان بأحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أو مجلس قيادة الثورة أو حزب البعث العربي الأشتراكي أو المجلس الوطني أو الحكومة. وتكون العقوبة الأعدام اذا كانت الأهانة أو التهجم بشكل سافر وبقصد اثارة الرأي العام ضد السلطة.
2- ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بأحدى طرق العلانية المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من السلطات العامة أو الدوائر أو المؤسسات الحكومية.
صدام حسين / رئيس مجلس قيادة الثورة).
يالسخرية الأقدار أن تكون هكذا وحشية قانوناً وهكذا عنجهية دستوراً يحكم بلداً بملايين النفوس؟!
والمضحك المبكي أن حتى هذه المادة (225) والتي تسمى قانوناً بعرف استهتار النظام البائد، هي لا تنطبق على ما فعله الفنان صباح السهل حيث أن الكلام الذي تفوه به كان امام زوجته وداخل بيته وهي من سجلت صوته بإتفاق مع المخابرات. فالأعدام وحسب هذه الفقرة البائسة هو لمن اهان وتهجم بشكل سافر وبقصد اثارة الرأي العام ضد السلطة. ولكن المستهترين بأرواح الناس ومن سرقوا وطناً عقوداً من الزمن لا يفقهون قانوناً ولا يعرفون العيش وسط تشريعات تحدد نزواتهم ففي فهمهم أنهم هم القانون وكل من يمسهم ببنت شفة تلفه عجلة مسننة بنصال سموها قانوناً شاء من شاء وأبى من أبى.
الذي يدقق النظر بتاريخ اعتقال صباح السهل وهو يوم 4 / 4 / 1993 وصدور حكم الاعدام وهو بتاريخ 2 / 5 / 1993 سيجد ان المدة بين استجماع فصول التحقيق في جهاز المخابرات وتشكيل المحكمة واصدار الحكم هو مدة أقل من شهر واحد فقط! لان التهجم على شخص الرئيس بألفاظ نابية تعد في عرف النظام السابق جريمة لاتغتفر ومن الكبائر التي تؤدي بصاحبها الى حبل المشنقة، لذلك طويت صفحة الفنان السهل بشكل سريع وسهل ايضاً.
ليس هذا فحسب بل مصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة، وماهو المبرر القانوني، لشخص اساء بالكلام الى الرئيس السابق بمصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة؟!
يذكر السيد (حسن الزرفي) الموظف في دائرة الضريبة بمحافظة ذي قار في اتصال معه بوصول تعميم لكتاب رسمي في وقتها تم توزيعه على الدوائر المالية بمصادرة أموال المرحوم الفنان صباح السهل.
ضيعوا ذكر الفنان وغيبوا اسمه حتى ان الكثيرين لم يعرفوا باعدامه ألا بعد سقوط الصنم كما افاد بذلك (رحمن) اخو الفنان صباح السهل في لقاء معه موجود على اليوتيوب، فبعد اعدام الفنان صباح السهل اتلف النظام البائد كافة اغانيه وتسجيلاته في الأذاعة والتلفزيون لمحو ذكره من الذاكرة الشعبية.
والسؤال هنا لماذا استهداف الفنان صباح السهل وتسجيل صوته بمؤامرة مع زوجته؟!
الجواب: فنان قربه عدي اليه، من الشطرة جنوب العراق، ابدى اعتراضه على افاعيل الوسط الفني وسياسة الحاكم وعصابته، فكيف لا يتم رصده والنيل منه.
ان اعدام الفنان صباح السهل يمثل ادانة لعنجهية نظام تحكم برقاب العباد وأرزاقهم. نظام حول العراق لدوائر أمنية ولمنظمات سرية. اعدام وسجن ومصادرة اموال وتعتيم رهيب ومتابعات أمنية لمجرد التفوه برأي داخل منزل بين زوج وزوجته.
في الأتصال الذي اجريته مع (خلدون صباح السهل) سألته عن كيفية معاملة السلطات له عقب اعدام والده فأجاب: (اول ما قاموا به هو نقلي الى الموصل بعد ماكنت اداوم في بغداد ووضعوني تحت المراقبه وكل فترة يرسلون في طلبي في دائرة الاستخبارات والحزب. كانوا دائما يطلبون مني الانتماء للحزب وانا اراوغهم).
كانت اموال الفنان صباح السهل المصادرة سيارة ورصيد ضئيل في البنك فحسب ما أفاد به ابنه خلدون عن سؤاله حول هذا الموضوع فأجاب: (الدار كان مسجل باسم زوجته الثانيه ولا يوجد بيت اخر بأسمه والسيارة لم نعثر عليها والمبلغ الذي كان في المصرف بسيط).
وعند سؤاله عن أية تعويضات وحقوق اوفت الحكومة الحالية لهم بها بعد سقوط نظام صدام فأجاب: (الدولة اعطتنا تقاعد كل شهرين وقطعة ارض في مدينة الشطره بعناها بملغ قليل).
هذه المرحلة البعثية في تاريخ العراق القت بأثرها الصميمي إجتماعياً ونفسياً لما حَصَلَ ويحصل في العراق بعد سقوط صنم الدكتاتورية.
وفي الختام وددت نقل اقتباساً حول اعدام الفنان صباح السهل بعنوان: (صباح السهل شيصبرني على فراكة): يتذكر شقيق الفنان الشهيد اللحظة التي دخل فيها غرفة الطب العدلي لأستلام جثة أخيه، يقول: لقد عرفته وميزته من بين عشرات الجثث المغطاة. بيده التي تكاد تلوح لي وتقول أخرجني! هذه اليد الجميلة التي تبدو في تناسق وكأنها خُلقت على هواه صارت الدلالة اليه في زمن أغبر يُعدم فيه حتى الفنان لو شتم الشيطان في غرفة نومه. كانت رقبته التي قدمت لنا بكرم هذا الصوت الجنوبي الهادر كانت ويا لهفي عليه محزوزه ومدماة من أثر الحبل الذي –ولعدالة السماء- عاد والتف على رقبة قاتله الجبان بعد أعوام لم تطول كثيراً. رحل صباح عنا لكنه ما مات وها هي جذوة صوته لم تطفأ وستبقى تذكرنا أن فجر الحرب ات وإن طال ليل الطغاة).
هب الهوى والتوى من عدكم يحبّاب
وعيني كحلهه الدمع ماطولكم غيّاب
كالو تجون الصبح وإتنّطرِّت عالباب
أولو جيتوا يضحك حزن وإيضيع كل عتاب