د.عامر صالح
تشير التقارير الميدانية من أرض المعارك في فلوجة العراق أن هناك نصر مرتقب صوب تحرير المدينة بالكامل, وهناك تضحيات جسام في صفوف القوات المقاتلة العراقية بمختلف صنوفها, وهناك بالمقابل صمت أعلامي عربي وعراقي عن ما تحقق من انتصارت في جبهات القتال لدوافع سياسية ومذهبية متطرفة في محاولة لإبقاء الاوضاع كماهي خدمة للارهاب والفكر الدموي التكفيري, وهناك حملة اعلامية هدفها صرف الانظار عم ما تحقق ميدانيا من ضرب للبنية التحتية لتنظيم الدولة الاسلامية ” داعش “, والتركيز حول ما يرتكب من أخطاء ميدانية أو سلوكيات مخالفة للاعراف الانسانية في زمن الحروب في الحفاظ على ارواح المدنيين وعدم انتهاك حرماتهم, وتحويل هذه الاخطاء والسلوكيات الى جرائم حرب كبرى في محاولة لتفريغ النصر في الفلوجة من محتواه, كما تلعب مشكلة احتواء النازحين من الفلوجة والاستحابة لاحتياجاتهم الانسانية الآنية دورا كبيرا في استثمارها من قبل بعض القنوات الفضائية الاعلامية وإفتعال أولويتها على تحرير الفلوجة, رغم أهمية ذلك بدون شك !!!.
لا توجد معطيات ميدانية تفيد ان هناك جرائم حرب ممنهجة ارتكبت بحق الفلوجة وأهالي الفلوجة من قبل القوات المحررة لها, من قتل وتعذيب وأبادة جماعية, أو تعمد ألحاق أضرار بالصحة الجسمية والنفسية للافراد, أو القتل المتعمد, أو ألحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون ان تكون هناك حاجة عسكرية لها, أو المعاملة السيئة عمدا للنازحين والفارين من جحيم الارهاب الدموي, أو تعمد توجيه هجمات الى السكان المدنيين, أو تعمد شن هجمات على موظفين في مؤسسات مدنية, أو تعمد توجيه هجمات الى المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية, والاثار التاريخية, والمستفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى وغيرها.
داعش ارتكبت كل جرائم الحروب هذه والجرائم ضد الانسانية, من قتل وتدمير وارتهان لكرامة الانسان وشرفه, واستخدام المدنيين كدروع بشرية, وتدمير للذاكرة التاريخية, من خلال التدمير الشامل للآثار ومنجزات الحضارة القديمة, ولكن أدانة هذه الافعال والوقوف ضدها ومحاربة مصادرها الفكرية لم يكن بمستوى الحد الادنى من أفعال داعش الهمجية, والادانة كانت دوما مشروطة بموقف سياسي أو مذهبي أو أثني. كانت الادانة تتصاعد عندما يكتوي نظام عربي بنار داعش وتكون داعش على مقربة منه. بل ان مراكز وتجمعات دينية تبحث عن دليل نصي مقدس واحاديث نبوية لتبرير همجية تنظيم دولة الخلافة الاسلامية ” داعش “, وما الحملة السعودية والتركية المفتعلة ضد داعش الا دليل أن داعش تقرع أبواب الجميع بما فيهم من تقاطع معهم في السنة والمذهب شكليا ووفر لهم غطاء في التمدد الجغرافي وتخريب البلدان !!!.
ولابد لنا القول ونحن على أبواب تحرير الفلوجة الشامل صوب الموصل الجميلة, أن تجير النصر لطائفة مذهبية سياسية, شيعية كانت أم سنية, أو لعشيرة وتجمع أثني أو ملة ما هو إلا إفراغ للنصر من محتواه الوطني والسياسي العام, والنصر أولا وأخيرا للقوات المسلحة العراقية المتمثلة بجيشها الوطني والذي ينتظره الكثير من الاعداد واعادة التأهيل على أسس مهنية ووطنية مستقلة عن الصراعات الطائفية السياسية.
أن زف نصر الفلوجة من بعض الفصائل المسلحة الى مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية خامئني يثير السخرية والغضب ويخل في الثوابت الوطنية, ويكون عندها من حق الطرف السني ان يزف النصر الى خادم الحرميين الشريفيين وهو راعي للارهاب الدولي وعندها فأن شر البلية ما يضحك. ان تلك السلوكيات السايكوباتية المرضية والتي لا تفهم معنى الانتصار الوطني ودلالته في تكريس وعي الانتماء الى الوطن العراق سيلحق افدح الاضرار في المصلحة الوطنية العليا إن لم يعيد دورة الارهاب والاحتقان مجددا !!!.
كما يجب التذكير أن تنظيف الفلوجة من الداخل وفك أسر أنتماء ألآف من افرادها الى تنظيم داعش قسرا او طواعية هو أمر في بالغ الاهمية والخطورة لأستقرار المدينة والحول دون عودة الارهاب بشكل اعنف بكثير من داعش وبمسميات مختلفة, فهناك حسب المعطيات, قيادات مقاتلة ومضحية ميدانيا ضد داعش لها من افراد أسرها ما ربط مصيره بداعش, , كما هناك ايضا قيادات أدارية خاصة بالموصل والفلوجة موجودة في كردستان تخطط لإنهاء داعش ولها أخوة في داعش أنه تعقيد من خاص في نسخة داعش العراقية المتحالفة مع البعث الساقط. !!!
أن تجربة تحرير الفلوجة عندما يكتب لها النجاح بالكامل وتصفية جيوب ما تبقى من داعش, والموصل لاحقا يحمل في طياته دروس بليغة للعملية السياسية في العراق, ويجب استلهام الدروس من ذلك كي لا تعود لنا داعش في المرات القادمة وبثوب جديد متخلف أشد جرما من داعش اليوم, وعلى السياسيين الشرفاء في العراق ان يضعوا نصب أعينهم الاتي:
ـ أن نظام المحاصصة الطائفية والاثنية هو شر البلاء والمسبب الاول والاخير في اهدار اموال شعبنا وقدراته الذاتية وهو المعوق الاساسي في نشوء أجهزة أمنية ومخابراتية وعسكرية مهنية قادرة على حفظ أمن البلاد واستقلاله وسيادته الوطنية. وبالتالي إعادة بناء العملية السياسية بعيدا عن المحاصصة هو الضمانة الاكيدة لعدم عودة داعش واخواتها.
ـ اعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يضمن النهوض باقتصاديات البلاد وبما يوفر فرص العمل والتشغيل لشعب يعاني من البطالة والجوع والحرمان وانعدام الخدمات من كهرباء وماء وصحة وتعليم, فأن داعش واخواتها تنتعش على عوامل الفقر والفاقة والعوز والاندفاع نحو الشللية وارتكاب مختلف صنوف الانحرافات, من ارهاب وجرائم منظمة ومافيات اقتصادية وسياسية تدفع الى مزيدا من الفساد.
ـ تعزيز سيادة العراق واستقلاله وصيانة أرضه وشعبه من التدخلات الخارجية الاقليمية ذات الصبغة المذهبية والطائفية والتي تزرع الفرقة والشقاق والتشتت في النسيج الوطني والاجتماعي العراقي. اليوم يعيش العراق حالة من الاحتلال غير المعلن لدول الجوار السيئ, ثقافيا وطائفيا وسياسيا, فالبلد يعاني من الاستباحة والتدخل في شؤونه الداخلية, وان مرحلة ما بعد تحرير الفلوجة والموصل وغيرها يجب ان تكون ماثلة أمام الأعين لصيانة العراق واستقلاله من كل التدخلات.
ـ العمل النزيه لاعادة بناء منظومة التربية والتعليم والثقافة على أسس من الابتعاد عن الثقافة الطائفية والاثنية الشوفينية, والعمل على تحديث نظام التربية والتعليم والثقافة العامة بما يسهم في اعداد جيل متعاقب يحمل قيم التسامح والاحترام المتبادل بين مكونات المجتمع العراقي الثقافية والاجتماعية والاثنية والدينية والمذهبية, والعمل الدؤوب على احترام قيم العمل والمواطنة والانتماء للعراق كمظلة تحمي الجميع وبعيدا عن الخندقة الجغروطائفية والقومية المتعصبة !!!.