في ظل ما تعرض له العراق من انهيارات كبرى في تدمير البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جراء سياسات النظام السابق وحروبه العبثية, ثم تلتها فترة الاحتلال الامريكي الذي أسس وهندس للنظام الطائفي والاثني المحصصاتي حيث اختلطت فيه السياسة بالدين بأبشع صورها لدرجة لا يمكن فيه تزكية النظام السياسي إلا بضوء أخضر من المرجعيات الدينية في السر والعلن وفي فتاوى للعوام والخواص من الناس حسب سنة الولاء للمرجعيات واهمية الفتاوى, واشاع فيه الفساد بما يزكم الإنوف, وبات فيه التدخل الاقليمي الايراني منه والخليجي مسلمة لا تحتاج الى المزيد من العناء لإماطة اللثام عنها في ظل غياب الدولة الحاضنة للجميع, كما اصبحت المحصصات الاثنية والقومية والطائفية قانونا وعرفا مقدسا لا يمكن الاقتراب منه وادنته !!!.

 

كان ولا يزال الفساد الاداري والمالي والاخلاقي معلما خطيرا من معالم الحياة الحاضرة في العراق حيث احتلت الميليشيات الطائفية المسلحة والمافيات المنظمة عصب ومؤسسات الدولة وباتت تنافس الدولة, بل وتحل مكانها في الكثير من الاحداث الكبرى وتفرض على مؤسسات الدولة شروط عملها, وتفرض على المجتمع الذي غابت فيه مؤسسات الدولة وضعف فيها القانون والمسائلة قيم الفساد الاسلاموية الطائفية, وفرض نمط جديد من العلاقات الاجتماعية قوامه تفتيت البنية الاخلاقية وضرب العلاقات بين الجنسين في الصميم, عبر تحويلها الى علاقات مشرعنة بعرف الطائفية والمذهب, واضفاء نمط من السرية والاختفاء عن القانون المدني الذي ينظم علاقات الرجل بالمرأة, وخاصة في موضوعات الزواج والطلاق والاعتراف بحقوق المرأة !!!.

 

لقد انتشرت في العراق في السنوات الأخيرة ظاهرة الزواج خارج المحاكم, وقد انتشرت في أوساط مختلفة من حيث التعليم والثقافة والبيئة الاجتماعية والاقتصادية, وقد أخذت هذه الظاهرة طابعا مستفحلا وتنبئ عن مخاطر جدية على مستقبل المرأة بشكل خاص وعلى المجتمع بصورة عامة, مما استدعى تدخل القضاء العراقي ومنظمات المجتمع المدني, ومنها بشكل خاص المنظمات النسائية, وبهذا القدر أو ذاك تدخل البرلمان العراقي. وقد اتخذ الجهد التعبوي الثقافي والتوعية بمخاطر ذلك مسار لا بأس به, من حيث كون هذا النمط من الزواج يغيب حقوق المرأة وأطفالها ويحرمها من الإرث, إلى جانب كون هذا الزواج يستهدف البنات في أعمار مبكرة بما فيها القاصرات إلى جانب مختلف الفئات العمرية من النساء, ويهمش دور القضاء والدولة عموما باعتبارها الراعي والمسئول الأول عن رسم ملامح الاستقرار الأسري والاجتماعي بصورة عامة. هذا النوع من الزواج لم يكن موجودا قبل عقد من الزمن وكان يعاب عليه كل العيب, إلا إن ضعف الدولة وتدهورها وغياب الأمن وانتشار الفقر والبطالة وما رافق ذلك من تفكك للنسيج الاجتماعي والقيمي, جعل من أمراء الطوائف والمليشيات والمذهبية ـ السياسية يخترقون منظومة القيم الاجتماعية لتحل محلها قيم الاجتهاد والابتذال والتفسخ بواجهات دينية وغير دينية !!!.

 

أنه عمل مافيوي يقوم به مسؤولين كبار, من اعضاء برلمان الى مدراء دوائر وقادة في مختلف المستويات الادارية وقادة محليون في مختلف أجهزة الدولة, وعناصر في قوات الامن الوطني والشرطة والدفاع الى جانب شرائح اجتماعية محتلفة, وقد ذهب ضحيته أكثر من مليونين ونصف أمرأة بزواجات غير شرعية غير مسجلة لدى المحاكم, وقد لعب رجالات الدولة الاسلاموية الطائفية في شرعنة الفساد ونشره كثقافة تسهيل أمر شرعي !!!.

 

وتبدأ جذور تلك المأساة بظاهرة التحرش الجنسي بالنساء على كافة المستويات, في الشارع, وفي الحارة, وفي المؤسسة الادارية, وفي المحلة, وبشكل خاص عند بحثها عن فرص عمل, حيث يتم ارتهانها واغرائها واغتصابها ” شرعيا ” من دون بارقة أمل تذكر, بل يتحول مستقبل المرأة لاحقا الى عزاءات وفقدان أمل في فرص للعمل والزواج. لقد تحولت نسائنا الى دروع قضيبية للاسلاموين وثقافتهم النفعية والمشبعة في غريزة الفعل الجنسي المشرعنة !!!.

 

أن تدهورا قيميا خطيرا فرضته النماذج الاخلاقية للنظام المحصصاتي الذي غاب فيه الامن وغابت فيه حرمة المواطن, وبشكل خاص غابت فيه كرامة المرأة وحقوقها واختفت وراء ألسنة المشرعين من أمراء طوائف الاسلام السياسي, فتحولت المرأة فوق كل مظلوميتها الى ضحية مدانة وقد يتم تصفيتها حسديا بسهولة وبأمر من عشيرتها او والديها !!!.

 

لقد لعبت عوامل الفقر والحرمان وانعدام فرص العمل والعيش الكريم, الى جانب تمركز المال والفساد بيد زعماء الطوائف والقادة السياسين دورا كبيرا في استمالة المرأة وتحويلها الى موضوع فعل جنسي يتم استغلاله ومن ثم شرعنته. وقد لعبت عوامل أخرى اساسية في تكريس صورة المرأة السيئة في المجتمع واعتبارها موضوعا سهلا تسهل استباحته, وهو غياب نظام تربوي وتعليمي قائم في مناهجه على فكر المساواة الصريحة والواضحة بين الجنسين, لكي يقوم ببث المنظومة القيمية واعادة توليدها في المجتمع. فقد كرست في عهد الاسلامويين اليوم فكرة الفصل بين الجنسيين الى ابعد الحدود وفروض قيود على حركتها وامتهان حقوقها مما يسهل امتهانها كانسان وكجنس !!!.

انه عمل انساني دؤوب ينتظر منظمات المجتمع المدني وفكر العدالة الاجتماعية وحركاته المعبرة ان ينتشل المرأة العراقية من براثن الفساد الاسلاموي والاستغلال الجنسي, والارتقاء بكرامتها وتأكيد حقها المطلق في الكرامة والمساواة, وتأمين ظروف افضل لها لتأمين أمنها الشخصي والاجتماعي وتخليصها من المافيات الجنسية المشرعنة !!!.