بقلم اسعد عبد الله عبد علي
جنان , فتاة جامعية متمردة, تفعل كل ما يحلو لها, لا يهمها رأي الناس بها, المهم أن ترضي ذاتها, كان نهار الأمس تجربتها الأولى بتدخين الاركيلة, حيث ذهبت مع صديقها إلى “كوفي شوب”, قريب من الكلية, وطلبت اركيلة, واستمرت ساعة كاملة تدخن, شعرت أن أحاسيس كبيرة تتملكها, فهي تحس بذاتها المتمردة, عندما تفعل كل ممنوع, وطلبت من صديقها أن يصورها وهي تدخن, كي تري صورها لصديقاتها وأهلها, فهي ترغب أن يعرف الكل بما فعلت, كانت صورة بطلة الدراما التركية سمر, لا تفارق ذاكرة جنان, فمائة وخمسون حلقة أنتجت فتاة مدخنة.
تدخين الاركيلة من قبل البنات, أمر مرفوض اجتماعيا, حيث ينظر للمدخنة نظرة سوء, بسبب الصورة الملائكية التي يرسمها المجتمع للبنت, فلا يريد لها أن تهبط لمستوى اقل, لكن طبيعة المجتمع العراقي ليست واحدة, خصوصا في الوقت الراهن, فمؤكد أن تكون هنا أكثر من نظرة اجتماعية للموضوع, لكن يمكن حصر الآراء بثلاث:
“الرأي الأول: التدخين حرية شخصية”
أن الفتاة عندما تقوم بتدخين الاركيلة, لا يعتبر ذنب أنما هي تمارس حريتها, فالتدخين ليس من المحرمات شرعا, ولا يختص بالذكور فقط, لذا يعتبر تدخين البنات حق مشروع, لكن نظرة المجتمع تكون قاتلة, وممكن أن تهد سمعة عائلة بسبب اركيلة, فالمجتمع لا يشوه سمعة الموظفة المرتشية, ولا المعلمة المقصرة بعملها, لكنه يحطم سمعة البنت المدخنة, فقط لأنها دخنت, انه ميزان حكم غريب.
الحقيقة أن الفتاة هنا لم تفعل جريمة قانونية, ولم تخالف تعاليم الدين, بل هي مارست حقها, لكن أخطأت في ناحية واحدة, حيث أنها لم تهتم بردة فعل المجتمع, ومن هنا خلقت الإشكالية.
“الرأي الثاني: انحراف في السلوك”
التدخين بصورة عامة هو سلوك خاطئ, لكن من المرأة يكون اكبر, حيث يحول إلى دليل على انحطاط تربيتها, وتفكك عائلتها, فلو كان الإباء يهتمون بالشرف والسمعة, لما سمحوا لبناتهم بالتدخين, ولشددوا الرقابة على بناتهم, كي يحفظوا السمعة من الضياع, أن المرأة الملتزمة المحجبة التي تخاف الله في سلوكها, من المستحيل أن تجدها في “كوفي شوب” تدخن الاركيلة, انه سلوك كاشف لحجم الضياع, الذي تغرق فيه الفتاة المدخنة, واغلب المدخنات هن إما طالبات أو إعلاميات أو موظفات, أي في فئة النساء التي لها مساحة واسعة من الحرية, وهنا تم استغلال الحرية بشكل بشع, حيث لوثت سمعة أهلها, بسبب متابعتها للشهوات.
أن السمعة هو رأس مال البنت, لذا من المنطق أن تكون حربها الأشرس, هو في كيفية الحفاظ على سمعتها, وعدم متابعة الرغبات.
“الرأي الثالث: أنها تأثيرات العولمة”
مع الانفتاح الثقافي منذ عام 2003, ودخول الدراما العربية والتركية من دون استئذان, وبكثافة, حصل تأثير ملحوظ على العائلة, فتقليد الغرب سلوك انتهجه الكثيرون, وتحول العيب عندهم إلى أمر متاح وليس عيبا, أي إن قيم المجتمع تبدلت بفعل التلقي الايجابي المستمر, لطرح المثال الغربي عبر الدراما, ومن السلوكيات الجديدة, تدخين البنت للاركيلة, حيث تظهر الدراما لقطات لتدخين الفتيات في “الكوفي شوب”, وتتكرر هذه اللقطات كثيرا, أي أنها هي رسالة خفية, من أن الأمر طبيعي وليس عيبا, إما الرجل المتابع لسموم الفضائيات, فانه يتغير رأيه من الرفض إلى عدم الممانع, أي إن الدراما غيرت الرؤية للسلوك, وهذا يعتبر أمر خطير ومهم ويجب دراسته .
أنها حرب القيم, التي يقودها الغرب, لغرض فرض المثال الغربي,كي يتحول الفرد إلى مستهلك بقيم هجينة, وبهذا يسيطر الغرب على مجتمعاتنا لعقود طويلة.