د . فالح الكيلاني :

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحب عاطفة انسانية ثابتة في القلوب لاصقة بالانفس مالئة للارواح والافئدة فلا يغادرالحب قلوب البشرية بل يشغلها ويعتبر اساس العلاقة الروحية بين الذكر والانثى قال تعالى : ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) سورة الروم الاية \ 21 . فهو السبيل الى المودة والرحمة التي جعلها الله تعالى اساسا للعلاقة الزوجية . والغزل هو الحب ذاته . و الانسان العربي عرفه منذ فجر تاريخه كبقية الاقوام في العالم او اشد عاطفة وشوقا فقد كان شغوفا لطيفا، سمحا كريما، والشعراء اكثر الناس احساسا وشوقا وتاثرا لذلك فقد بان ذلك فيما وصل الينا من الشعر الجاهلي، حيث شفَّت مقدمات قصائد الشعراء عن لوحات فنية غزلية عذبة شدية، فيها من الرقة والاحساس والانس والشوق والتيم ما يوحي ان العرب وضعوا المرأة في مكان عال في حياتهم على الرغم مما كان من شأنهم من الوأد. ( لاحظ كتابي (في الادب الفن ) – المرأة في الشعرالجاهلي ) فهو – مع قلته- يعود لاسباب كثيرة منها :خوفهم الفقر او العار. الا ان ما ورد في شعرهم، وفصيح قولهم، يدلل على أن القوم ذاقوا لوعة الحب والشوق وعرفوامرارة العشق،وتشربت أفئدتهم بشذى النسيم والهوى ،وعرفوا لوعة الفراق والهجر فبكوا في حبهم وأطالوا المكوث على الاطلال ، حتى كان الوقوف عليها لازمة من لوازم ابداعهم الشعري . شعر الغزل تربع على عرش الشعر في كل العصور فقد بدأ في العصر الجاهلي او قبله وتكاد لا تخلو قصيدة من الغزل حتى وإن لم يكن الغزل الغرض الأساس فيها , فلا بد للشاعر ان يذكر الغزل في مطلع قصيدته، واقتصرت بعض القصائد الغزلية على وصف الجمال الخارجي للمرأة كجمال الوجه والجسم وكانوا يتفننون بوصف هذا الجمال لكنهم قلما تطرقوا إلى وصف ما ترك هذا الجمال من اثر في عواطفهم ونفوسهم . وقد نشأ من هذا التاريخ الطويل لحب المرأة والتشوق بمحاسنها، ووصف نفسيتها، ورصد ملامحها ومداراتها ما بين وصل وهجر وبذل وبخل، وجرأة وحياء ونزق ومعاناة ، فن من فنون الشعر العربي، هو الغزل. ولقد نمى هذا الفن وترعرع، لأنه وجد بيئة خصبة لنضج الإبداع، فالعرب في تلك العصور كانوا يبيحون أن يتحدث الرجال للنساء والنساء للرجال، وكانت أماكن اختلاط الرجل بالمرأة متعددة، فهما يلتقيان في المرعى والسهر، وفي التزاور والاستسقاء وفي الحج والمعارض، وفي أسواق الأدب، فتندرج العواطف وتزداد الالفة والتوفق بينهما من الإعجاب، إلى الحب و الغرام. هناك تشابه كبير بين تعاريف الغزل والنسيب والتشبيب وتمازج وتقارب حتّى أنّ المؤرخين وكذلك النقاد اختلفوا على تعاريفها فمنهم من قال إنّها بمعنى واحد، ومنهم من اقر باختلافها مع صعوبة التفريق بينها. وقد جعل الغزل – في الاغلب – خاصّاً بذكر الأعضاء الظاهرة في المحبوب، ثمّ في وصفها والتغزل بها وفي مدحها أيضاً، بينما جعل النسيب خاصّاً ببثّ الشوق والهوى وتذكّر ماضي الأيّام الخلية بهم ، وتمنّي التمتّع السائق الى اللهو. أمّا التشبيب فقد توقفوا عنده لما فيه من اضطراب في المعالم؛ ففي تاج العروس للزبيدي عُرّف التشبيب أنّه ذكر أيّام الشباب واللهو والغزل . و الغزل في الشعر الجاهليّ يكاد يكون قليلا لو قارنا بينه وبين ما قيل في الفخر والمدح ، وتعود قلّته لأسباب كثيرة منها : الاول – وجود الحجاب : فقد كانت المرأة محتجبة في الجاهلية لا يظهر منها إلا وجهها وأجزاء قليلة من جسمها، كما كانت متسترة دائماً داخل خدرها، لا تخالط الرجال الأجانب ويستدل على ذلك بقول امرئ القيس: وبيضة خدر لا يرام خباؤها. وقول الأعشى: لم تمش ميلا ولم تركب على جمل ولا ترى الشمس إلا دونها الكِلل ( والكلل : بكسر الكاف -ستر ينصب على الهودج) منها الى الان تستعمل الكلل – واحدتها ( كلة ) ستر لا تزال تستخدم اثناء النوم فوق أسطح المنازل في المناطق الريفية لحماية النائم من الناموس وغيره او للستر فيه ليلا . وقول عنترة: رفعوا القباب على وجوه أشرقت . فيها فغيب السّهى في الفرقد القبة: غرفة مستورة السّهى: نجم ضئيل النور جدا الفرقد: نجم القطب الشمالي شديد النور وبهذا يكون قليل من الرجال ينعمون برؤية النساء من غير أقاربهم وهذا احد اسباب قلّة الغزل في الشعر الجاهليّ. اما السبب الثاني فهو تضايق العرب في الجاهلية ( وحتى الان ) ونفورهم من ذكر أوصاف نسائهم او اسمائهن اوالتعريف بهن في الشعر التي تتناقلها الألسن والرواة. ( يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع )