د. خليل الفائزي :

قبل التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية الدولية كانت معظم دول المنطقة ومن ضمنها السعودية وإسرائيل تتعاملان بكل حذر وخشية مع إيران لانها كانت على شرف إنتاج القنبلة النووي وانها اذا واصلت برنامج النووي كانت ستحصل عليها في غضون 6 أشهر وفقا لتقارير استخباراتية غربية الا ان القيادة الإيرانية أعلنت عدم رغبتها بإنتاج هذه القنبلة بل وأدانت استخدامها شرعا وانتقدت بشدة الدول التي تمتلك أسلحة دمار شامل ولم تتخل عن هذا السلاح الفتاك والمحرم إنسانيا ودوليا، ويبدو ان إسرائيل والمتشددين في أمريكا ومن في ركبهم في المنطقة مهدوا لإيران التخلي تماما عن الأسلحة النووية التي مع الأسف منحت عنوة وغصبا حق النقض الفيتو والكلمة العليا النهائية للدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة ان الغرب ظل يخشى من كوريا الشمالية لامتلاكها أسلحة دمار شامل وحتى ان القيادة الكورية الشمالية ورغم الحالات البائسة الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها ويعيشها الشعب الكوري الا إنها أكدت عدم تخليها عن هذه الأسلحة مهما حصل ولن تكرر إخطاء أنظمة في الشرق الأوسط سقطت فور إعلانها عدم امتلاكها او تخليها عن برامجها النووية، وبعبارة أخرى ان الدول الغربية وغيرها أطاحت بأنظمة كانت معادية لها او تتشدق على الأقل بالعداء لها فور تيقن الدول الغربية عدم امتلاك تلك الأنظمة أسلحة تهدد مصالحها وأنظمة عملائها في المنطقة.

 

قد يكون الوضع مختلفا بالتعامل مع إيران ونحن أساسا من دعاة إزالة أسلحة الدمار الشامل لكن للجميع دون استثناء وفي آن واحد وليس من حق ان تمتلك دولة مئات بل آلاف الرؤوس النووية فيما تحرم دول أخرى حتى من امتلاك مفرقعات الأطفال والألعاب النارية بذريعة ان أنظمتها لا تستطيع التحكم بغضبها!.

 

إيران كانت دولة قالت عنها أمريكا انها تهدد امن إسرائيل وأنظمة تدور في فلكها في المنطقة وكان لابد من انتزاع كل إمكانيات أسلحة الدمار الشامل وهذا ما حصل بالضبط وحصلت أمريكا وإسرائيل على ما خططتا له لعدة أعوام من الزمن مقابل ليس دفع إتاوة مالية كبرى لإيران او الحفاظ على نظامها بل الإفراج فقط عن جزء من أموالها التي من حقا والتي كانت مجمدة في دول وبنوك عالمية بسبب فرض العقوبات.

 

ايران التي كانت في عهد شاهها وحسب ادعاء تقارير إعلامية وسياسية تتحكم بمصير أنظمة في منطقة الخليج وان أي سفير لها كان بمثابة المندوب السامي لدول عربية خليجية صارت اليوم مهددة من جانب تلك الدول وان أي مشيخة صغيرة بل دول كانت في الماضي القريب لا تميز اليمين من الشمال ولا تتجرأ على ذكر اسم الحرب او إسالة الدم من انف مريض بالرعاف وأفضل ما شاهدته طيلة تاريخها القتال بالخناجر والسيوف على عنزة او حمار لمائة عام أو أكثر بين قبائلها وشيوخها أضحت في الوقت الراهن (تلك الدول والمشايخ) تتدخل في دول لها ماض عريق وحضارة كبرى محفورة في التاريخ مثل العراق وسوريا واليمن وتحتل البحرين وتتحكم بمصير لبنان وتهدد بتشكيل أحلاف سياسية وتكتلات عسكرية من دول معظم أنظمتها يباعون ويشترون بحفنة من الدولارات وحتى تركيا صاحبة التاريخ العثماني العريق! أضحت ألعوبة بيدها بل وإنها تحرض أيضا باكستان المهددة دوما باندلاع حرب أهلية او قومية ومذهبية لتوريطها في حروب المنطقة وإرسال جيوشها كما فعلت السودان المنبطحة تماما لسلطة الدرهم والدولار !

 

وعودة لجوهر حديثنا فان إسرائيل والسعودية وغيرها من دول في المنطقة وعندما أدركت نجاح مخطط انتزاع القدرة النووية من إيران ارتفعت صيحاتها وصارت تتبطر على نعمة النفط وتهدر أموال ومدخرات أجيال المنطقة ليس بتهديد إيران غير النووية ! فحسب ، بل تخطط علانية وبصلافة لاحتلال سوريا والعراق ولبنان كما تفعل الآن مع اليمن والبحرين دون أي رادع دولي ولا اعتراض إقليمي بل دون أي اعتراض من أنظمة وجماعات هتكت أعراض المنطقة والعالم إعلاميا في السابق على قطعة ارض انتزعت من فلسطين! بل والأكثر من ذلك تم الكشف وفقا لتقرير أمنية غربية واعترافات مسئولين سعوديين ان نظام الرياض حصل بالفعل على أول قنبلة نووية (رأس نووي من إسرائيل وقنبلة نووية من باكستان وإنها ستقوم بتفجير نووي تجريبي خلال الأسابيع القادمة!) وان السعودية تخطط لمزيد من امتلاك هذا النوع من سلاح الدمار الشامل مع صمت غربي رهيب وخسيس لاسيما ان الغرب ظل دوما يندد بامتلاك ما يسميها دول العالم الثالث أسلحة تقليدية حتى للدفاع عن نفسها.

 

الى جانب ذلك ان السعودية التي  كانت حتى الأمس لا تعرف ألف باء الحروب والقتال صارت اليوم ترسل طائراتها وجنودها الى تركيا لإجراء مناورات عسكرية مشتركة تحت غطاء محاربة الإرهاب ولكن في الحقيقة لإنقاذ الجماعات الإرهابية لاسيما القاعدة (النصرة) وداعش التي تتعرض اليوم لضربات موجعة في سوريا والعراق واليمن و..

 

وأخيرا نستغرب كل الاستغراب صمت ما تسمى منظمة الأمم المتحدة على كل هذه الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية التي تقوم بها الجماعات الإرهابية والأنظمة الداعمة لها عسكريا وماليا وبشريا في حين ان هذه المنظمة السخيفة والمنحطة أخلاقيا وإنسانيا ترسل وفودا بالعشرات! وتنفق المليارات لإنقاذ مثلا نوع من الحيتان والأفيال والقرود او الخنازير من على شاكلة زعماء ومسئولي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من الانقراض والزوال!.

 

فهل حقا انه من الصعب جدا بل المستحيل على الأمم المتحدة او الدول التي تطلق على نفسها العظمى (بالأسلحة النووية طبعا) ان تجبر الدول والجماعات المتنازعة في المنطقة القبول ولو قسرا بمبدأ إجراء الانتخابات العامة وتحت إشرافها لحل معظم تلك الأزمات وإغلاق ملفات الحروب التي أحرقت الأخضر واليابس وقتلت ملايين البشر وشردت وهجرت عشرات ملايين من الأسر ولم تبق من ثروات المنطقة وحضاراتها الا الأطلال والخرائب فقط ، أم ان مصالح الغرب والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والأطراف المتناحرة تكمن مصالحها في الواقع وبالتأكيد في استمرار الحروب والمتاجرة بأرواح البشر والحجر من اجل بيع المزيد من السلاح المدمر ونهب ثروات امة خلق الله؟!.