عدنان الصالحي :
خطوة اقل ما يقال عنها بالمفاجئة تمثلت بدخول زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إلى المنطقة الخضراء في بغداد مساء الأحد 27 مارس، التي تضم المجمع الحكومي وسفارات دول عربية وأجنبية، ونصب خيمة للاعتصام في داخل المنطقة لدفع رئيس الوزراء العراقي باتخاذ خطوات عملية للإصلاح، وفي إجراء مفاجئ أقدم مجلس النواب العراقي في اليوم التالي لتحديد يوم الخميس المقبل كموعد أخير لعرض أسماء الكابينة الوزارية الجديدة كفرصة أخيرة لرئيس الوزراء للحضور لمجلس النواب مع الأسماء للتصويت عليها، بعد أن كان الاتفاق المعطى لرئيس الحكومة أقصاها أسبوعين.
لعل أهم الخلافات التي تموج بها الأزمة العراقية تتمثل في:
1- إن اغلب الكتل السياسية ترى بأن ترشيح وزراء تكنوقراط خارج إرادتها يعني خروجها من لعبة الحركة الحكومية وفقدان سيطرتها على أهم مورد لقواعدها الانتخابية وهي التوظيف الحكومي واستخدام المناصب الحكومية للخدمة الحزبية.
2- بقاء رئيس الوزراء من حزب ولون معين وخروج باقي الكابينة الوزارية من سيطرة الأحزاب والكتل المختلفة يعني تفرد جهة وحزب معين بالسلطة واحتمالية عودة التعيينات بالوكالة للمقربين.
3- خضوع الكتل السياسية ونزولهم لرغبة المعتصمين بزعامة مقتدى الصدر والتيار المدني قد لاينتهي بحركة الكابينة الوزارية بل قد ينتقل إلى الضغط لتقديم الرؤوس الكبيرة المتهمة بالفساد إلى القضاء وحتى تغيير القضاء وهذا يعني مأزق كبير لبعض الكتل السياسية المتخوفة من تقديم رؤسائها للقضاء بشبهات فساد.
4- سير الإصلاحات وفق مشروع داخلي عراقي وخصوصا وفق رؤية شيعية معينة ترى فيها بعض الجهات الإقليمية تهديدا لمكتسباتها السياسية في العراق ونهاية لمسيرة قيادات مهمة مدعومة من قبل تلك الجهات.
5- القبول السهل لرغبات المتظاهرين والضغوطات الداخلية قد يشجع المعتصمين لرفع سقف المطالب وهو ما يشكل هاجسا كبيرا للكتل السياسية بإحتمالية خروجها بشكل كامل من المسير السياسي العراقي بتشكيل كتل عابرة للون والطائفة والقومية.
هذه وغيرها من الإشكاليات مطبات كبيرة تعرقل مسيرة الإصلاحات التي يتفق الجميع علنا عليها ويختلف الكثير حولها سرا، وفي ظل هذه الأجواء يبقى الوقت سيفا مسلطا على الجميع في التسابق للوصول إلى النهاية أولا.
سيناريوهات القادم
يبدو أن السيد الصدر انطلق من النجف التي قل ما يخرج منها بتفاهم أو بعلم مرجعية النجف على اقل تقدير (حسب رأي بعض المحللين) فقد شهدت السنوات الأخيرة تنسيقا واضحا بين المرجعية الشيعية في النجف والمتمثلة بمرجعية السيد السيستاني الزعيم الأعلى للطائفة الشيعية في العالم والقائد الشاب السيد الصدر، والخطوات التصعيدية للأخير أمر لايمكن أن يتجاوز فيها رأي المرجعية بشكل شبه مؤكد، كما انه يدرك بأن وعده ووعيده في حال عدم موافقة المرجعية عليه فأنها ستسبب له إحراجا أو مأزقا في عدم قدرته على السير في الطريق لنهاية المطاف.
السيد الصدر حضر إلى بغداد رغم خطورة الوضع وسبقه إليها عشرات الآلاف من مناصريه وأتباعه كمعتصمين ومما زادهم حماسا ظهور زعيمهم في هذه الساحة التي تحمل رمزية كبيرة كونها تمثل قلب العاصمة العراقية، وحضوره بعد ثلاثة عشر عام من التغيير السياسي كانت بمثابة إعلان عن موسم جديد من العمل الميداني للتيار بشكل يظهره قوة محلية تتفوق على الجميع وتنافس قوة تدخلات الإقليم، ولعل قادم الأيام ينبأ باحتمالات متعددة أهمها يتمثل في:
الأول: أن تستجيب الحكومة العراقية لمطالب الصدر والقبول بأغلب مشروعه الإصلاحي الذي طرحه، وهذا يعني فقدان اغلب الكتل السياسية لمصالحها وامتيازاتها خصوصا الحزب الحاكم بل وقد يعني ذلك سوق العديد من الصقور في تلك الأحزاب إلى المحاكم بتهمة الإثراء على حساب المال العام أو سوء استغلال السلطة، وهذا يبدو امرا غير وارد لحد كتابة هذه الأسطر لأسباب عدة أهمها شدة تأثير النفس الحزبي والكتلوي على شخصية رئيس الحكومة وتمسك رؤساء الكتل بوزرائهم، ومن جانب آخر فان إجراء إصلاح حقيقي يعني رفع يد الكثير من الكتل السياسية عن مال الدولة وهذا يمثل نهاية بعض الكتل السياسية المعتاشة على المال السياسي.
الثاني: أن لا تستجيب الحكومة لما أطلقه الزعيم الشيعي وتتجاهله وهذا يعني تنفيذ تهديده بالتصعيد لإجراءات (أخرى) كما ورد في بيانات سابقة له أشار فيها إلى انتظار خطوات لاحقة في حال عدم الاستجابة، وهنا تكمن خطورة الموقف، فالرجل عرف بشدة تعنته وصلابته في رأيه وقدرته الهائلة للتأثير في أتباعه وانصياعهم المذهل له، مما سيقود لمواجهة سياسية ميدانية حتمية مع حكومة تواجه حربا عسكرية مع تنظيمات مايعرف بداعش في غرب وشمال البلاد وأزمة مالية خانقة تهدد بنية الدولة برمتها، وخلافات سياسية عاصفة حتى داخل الكتلة الواحدة وهنا فان السيد الصدر لا نعتقد انه يغفل ماستؤول إليه الأمور كون انهيار الوضع في العاصمة قد يؤدي إلى انهيار في جبهات المواجهة مع تنظيم داعش والتي يملك هو فيها ثلاثون ألف مقاتل إلى جانب القوات الأمنية العراقية بما يعرف بقوات (سرايا السلام) التابعة له.
كما أن الصدر لم يغفل وجود مقر السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء وهي محمية بقوات مدربة خاصة أمريكية تبلغ قوامها الأربعة ألاف عسكري حسب بعض المصادر وهؤلاء لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال أحست الولايات المتحدة الأمريكية باحتمالية تكرار سيناريو سفارتها في طهران في نهاية السبعينات من العقد المنصرم عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وهو مايهدد بانفجار دموي في البلد وهذا ما لايرغب الصدر برؤيته كونه قد شدد على سلمية ومدنية حركة الإصلاح التي تبناها إلى النهاية.
الثالث: التدخل من أطراف محلية أو إقليمية لحلحلة الأمر والتوصل إلى صيغة وسطية للخروج من الوضع المتفاقم كما حدث في الأزمات السابقة مع القوات الأمريكية أو مع الحكومات التي سبقت الحكومة الحالية، وهنا يبدو أن الصدر وضع في حسبانه دور المرجعية الذي يختلف عن موقفها في السنوات السابقة من الحكومة التي كانت تحسب عليها وهي الآن تبدي تذمرها من سوء إدارتها للبلاد وعدم نجاحها في مكافحة الفساد، وعودا على بدء فهناك احتمالية وجود تنسيق مسبق للمرجعية مع الزعيم الصدر في خطواته التصعيدية.
السقف قد يقع على الجميع
موضوع البحث الذي يؤرق الزعيم الشيعي إن أي خطا في سلوك أي الطرق قد يكون قاتلا بل قد يسرع في إسقاط السقف ومضاعفة آثاره بدلا من تقويته وهنا تظهر مهارة السيد الصدر وقدرته على المناورة من عدمها.
قد تعطي إشارات الصدر شيئا من الحل لهذا التعقيد في المسألة فالمتتبع لخطاباته الأخيرة وما يقرب منذ أكثر من الستة اشهر تركز على محاولته دعم المؤسسة العسكرية واعتبار المساس بالقوات الأمنية مساس به شخصيا في خطبته الأخيرة التي سبقت دخوله للمنطقة الخضراء للاعتصام وخصوصا الجيش وإبعادها عن أي صراع سياسي أو كتلوي ولقاءاته المتكررة مع قادة عسكريين ومنهم وزير الدفاع خالد العبيدي مؤشر مهم في ذلك، فعلى ما يبدو إن محاولته فصل العمل العسكري والقتال في مناطق تنظيم داعش الإرهابي عن الأداء الحكومي أو التشكيلة الحكومية ووضعها (الخضرائي) في بغداد أصبح جليا واضحا، تهيئة لاحتمالية السير في الطريق للنهاية مع حكومة السيد العبادي بما توعد به وفي نفس الوقت التشديد على بقاء المؤسسة العسكرية بعيدا عن أي اضطراب يحدث وإدامة زخمها في المعارك الجارية ضد داعش في مناطق شمال وغرب البلاد.
ماهو المطلوب؟
وضع لا يحسد عليه يعيشه السيد العبادي فبين منافسين مقربين من حزبه ينتظرون سقوطه لمحاولة العودة للمشهد السياسي كبديل أقوى وبين كتل سياسية تعتاش على محاصصة لا تريد مغادرتها، وبين ضغوط شعبية يقودها زعيم شاب عصي على المواجهة لم تفلح كل المحاولات السابقة لثنيه أو احتواءه، وبين مرجعية ممتعضة من الأداء الحكومي إلى حد (بحة الصوت) في هذه الأجواء العاصفة نرى إن الأمور يمكن تداركها بالسير في طريق الإصلاحات المعقولة والتي تتمثل في:
1- أن يعلن رئيس الوزراء تجميد عضويته في حزب الدعوة وكتلة دولة القانون لإحراج الكتل الباقية وإيقاعهم في كماشة القرار الصعب بمنحه فرصة اختيار الوزراء التكنوقراط ضمن الكفاءة والقدرة على الإدارة.
2- منح البرلمان الثقة للكابينة الوزارية التي يقدمها رئيس الوزراء وتحديده بفترة زمنية ضمن جداول معينة لإنجاز كل مهمة يتم بعدها مراجعة الأداء والمحاسبة وبشكل دقيق بعيدا عن التسقيط السياسي.
3- إعادة النظر بالسلطة القضائية والادعاء العام وملاحقة وفتح جميع الملفات التي تشوبها شبهات فساد منذ عام 2003 ولحد الآن وعدم وضع خطوط حمراء أمام القضاء على أي شخصية سياسية سواء رئيس كتلة أو حزب أو وزير.
4- إطلاق يد هيئة النزاهة والرقابة المالية ووضع شخوص في إدارتها لهم قدرة على المتابعة والمحاسبة والمراقبة ودعمها بشكل واسع وعدم التدخل في شؤونها.
5- الاتفاق بين جميع الكتل السياسية على دعم المنظومة العسكرية من جيش وقوى أمنية وإدامة زخم المعركة في خطوط المواجهة مع تنظيم داعش وجعلها بعيدة عن أي احتراب وصراع سياسي وتامين العدة والعدد والموازنة الخاصة بها وعدم إشغالها بأي مشاكل داخلية.
6- تفعيل دور الإعلام المستقل ومنحه القدرة على المتابعة وجعله شريكا حقيقيا في الإصلاحات ضمن شفافية وسهولة الحصول على المعلومة والتأكيد على معيار الاستقلالية فيه وعدم التأجيج والتحريض.
7- الاتفاق على مشروع وطني يشمل جميع ماذكر وان تكون المصلحة العليا للبلاد هي الهدف الأساس للجميع وان أي هدف دون ذلك يكون قابلا للنقاش وان يكون في كل ماذكر للمعتصمين والجهات المتظاهرة رأي وممثل في كل ذلك وان تعتبر طرفا مهما في رفض أو قبول الآراء وتحديد المدد الزمنية وتغيرها مع وجود الضابطة التي تحدد معيار كل جهة في التمثيل.
عند الاتفاق على مثل هذه النقاط بين المتظاهرين والشارع العراقي العاصف والممتعض والكتل السياسية ورئيس الحكومة نرى بان إمكانية الوصول إلى حلول معقولة، وان الجميع سيصل إلى خط النهاية في نفس الوقت وبأقل الخسائر وعبور بشكل أفضل للازمة وببلد متماسك، وبخلاف ذلك فان الجميع سيصلون للنهاية ولكن نهايتهم السياسية التي لم يكن يتمنونها.