قبل اكثر من قرن كانت هناك ثلاث ولايات مستقلة في بلاد النهرين وهي ولاية بغداد وولاية البصرة وولاية الموصل، وحينما سقطت دولة ال عثمان بعد مرض عضال قام جراحان سياسيان لئيمان هما سايكس وزميله بيكو بعملية جراحية لرسم حدود كيانات جديدة من بقايا ارث ال عثمان، وتحويله الى امارات وممالك وفيما بعد جمهوريات.
وفي البدء دمجوا ولايتي البصرة وبغداد ليؤسسوا منهما مملكة الهواشم الثانية بعد امارة شرق الاردن، بعد ان احتاروا في تسمية ملك على عرش الكيان الجديد من كثرة المرشحين العراقيين لهذا المنصب، حتى سئموا فارتحلوا صوب الحجاز، فاختاروا احدهم ليكون اميرا او مليكا على العراق وكان فيصل بن الشريف حسين الذي وصف هذا الكيان وما يحتويه بانه ليس شعب او وطن بل هو مجموعات من المكونات المختلفة والعشائر المتنافسة.
في حينها لم تنتم الموصل الى ذلك الكيان الهاشمي الجديد حيث كانت تضم كل الاقليم الكوردستاني الحالي حتى شمال بغداد، بل ان التاريخ وحقائق الامور تقول إن اغلبية سكانها الكورد هم الذين منحوها عراقيتها ورفضوا الانتماء الى الدولة التركية مقابل الاعتراف بحقوقهم واقامة دولة المواطنة، ولقد صدق الكورد في وعدهم وكذب الاخرون في عهودهم، فما أن اصبحت ولاية الموصل جزءً من المملكة العراقية حتى تنصلت حكوماتها عن تعهداتها تجاههم عبر ثمانين عام واكثر، جُربت فيه كل النظريات والعلاجات واستخدمت كل الاساليب والطرق لالغاء المكونات او تهميشها، وحينما فشلت استخدمت الاسلحة المحرمة والابادة الجماعية للسكان، وبعد ملايين الضحايا والاف المليارات من الخسائر وبمجرد انهيار قوة الطغيان، اصبحت بلاد النهرين ثلاث دول في واقع حالها وان لم تعلن رسميا، الاولى في اقليم كوردستان ذي النهج الديمقراطي المدني، وقد استقل منذ ربيع 1991م واصبح بقرار اممي ملاذ امن ومحمي، وهو اليوم لا يحتاج الا الى هوية انتساب الى نقابة او جمعية الامم المتحدة، والثانية دولة ولاية الفقيه التي تمثل الشيعة، وقد اكتملت مؤسساتها تقريبا بتشكيل جيشها ( الحشد الشعبي والميليشيات ) وتستخدم المؤسسات الاتحادية للتغطية والحصول على مكاسب اخرى قبل رسم الحدود، والثالثة دولة الخلافة السنية الداعشية، وقد سيطرت على معظم الاراضي التي تسكنها اغلبية سنية عربية وارادت التمدد في مناطق اخرى لتخفيف الضغط عليها او الضغط باتجاه الحصول على مكاسب اخرى.
هذا واقع الحال بعيدا عن المزايدات والمهاترات هنا وهناك، وخاصة في موضوعة التسليح ومشروع القانون الامريكي في تسليح السنة والاقليم بالاسلحة مباشرة بعد أن ايقنت ان الفعاليات الشيعية تؤسس قوتها العسكرية مستغلة المال العام والمؤسسات الاتحادية والمساعدات الايرانية الوفيرة على حساب اضعاف وتهميش المكونين الاخرين بذريعة محاربة داعش، وللاسف لم يتحدث أي مسؤول في هذه الدول الثلاث بصراحة عن واقع الحال غير مسؤولي كوردستان، المتهمين دوما في ثقافة المزايدات والدولة العراقية المفترضة بالانفصاليين، ليس اليوم بل منذ تاسيس هذا الكيان المفروض على سكانه غصبا وحتى يومنا هذا، وغير ذلك ربما هناك فرصة للابقاء على اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي عراقي حقيقي بين دول واقع الحال الثلاث، ولكن بالابتعاد عن الكذب والتحايل والاستغلال، والتخلي عن المزايدات والمكبرات، ومحاولة استغلال تلك الشعارات المستهلكة لكسب مزيد من الامتيازات او النفوذ او الهيمنة على الاخرين.
ان الاتحاد العراقي اختياري ولن يكون اجباريا ابدا الا بمزيد من بحور الدماء والدمار واضاعة أي فرصة للتقدم والازدهار.