د. حسين احمد السرحان
لعب وضوح هدف الاستراتيجيات الدولية لدول عظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية، والمتغيرات الاقليمية والمحلية –لاسيما العسكرية والامنية منها على الصعيد الداخلي لبعض الدول مثل العراق وسوريا وغيرها- دورا دافعا باتجاه اعادة تحرك السلوكيات السياسية في منطقة الشرق الاوسط.
وهذا التحرك بدأ يُقرأ على انه تسوية اقليمية شاملة لاتقتصر اطرافها على الشرق الاوسط فحسب بل تتعداه. وهذه التسوية لن تخلو –على مايبدو– من التزامات سياسية وعسكرية وعلى اغلب دول المنطقة، لاسيما الفاعلة منها، الايفاء بها للركوب في قطار التسوية والمحافظة على دورها في المرحلة المقبلة مثل السعودية وتركيا، وكذلك لترتيب الاوضاع الداخلية امنيا وسياسيا للبعض الاخر مثل العراق وسوريا.
وبما ان العراق يمر بمرحلة مهمة تنطوي على القتال المباشر ضد الارهاب العالمي والاصرار الرسمي والشعبي على هزيمة التنظيمات الارهابية فانه يكون ساحة لهذه التسوية. ولكن ماهي المقومات التي تؤهل العراق لاستغلال الفرصة ولعب دور المحوري التسوية الاقليمية الشاملة، وماهو التحدي؟
الادارة الاميركية الجديدة بوضوح اهدافها في القضاء على الارهاب وتحقيق الاستقرار في الشرق الاوسط، هي القائدة لهذه التسوية والراعية لها والراسمة لأدوار اطرافها. وما التحركات الاخيرة من زيارة مسؤولين اوروبيين الى العراق، وزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى بغداد الا دليل على ذلك. فقد كشفت مصادر اميركية خاصة بان الزيارات الاخيرة لبعض المسؤولين العرب والاوربيين للعراق، جاءت بتوصية من الولايات المتحدة الاميركية، لإعطاء رسالة واضحة ان العراق في طريقه للاستقرار الامني والاقتصادي.
ملامح هذه التسوية تشتمل على جانبين احداهما عسكري- امني، والاخر سياسي. الاول، يتضح من اصرار الادارة الاميركية في القضاء على تنظيم داعش الارهابي في العراق وسوريا وتكليف الرئيس الاميركي دونالد ترامب وزارة الدفاع الاميركية البنتاغون بإعداد خطة ومقترحات للقضاء على داعش خلال شهر والتي قدمت يوم الاثنين 27 شباط الجاري وقد تضمنت الخطة -في خيارها العسكري- القضاء على داعش ليس في العراق وسوريا فحسب بل تتعداها الى مناطق ودول اخرى تتواجد فيها التنظيمات الارهابية.
اما الثاني، فهو سياسي يتضمن ضرورة ارساء الاستقرار في المنطقة عبر دفع الاطراف الفاعلة باتجاه سلوكيات سياسية جديدة قائمة على دعم الاستقرار والاعمار في البلدان التي تشهد قتال ضد التنظيمات الارهابية. لذا تأتي الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية السعودي الى العراق لإثبات نهجها الجديد للعراقيين ولواشنطن والمنطقة، بأن هذه المرة لن تبتعد السعودية عن العراق، ولن تبتعد عن الإستراتيجية الأميركية في العراق. كذلك ربما ارادت السعودية ان ترسل رسالة مزدوجة الى تركيا وإيران بأن هناك لاعب ثالث ومهم وهم العرب وعلى رأسهم السعودية في الملف العراقي.
هذه المتغيرات توفر فرصة لصانع القرار العراقي. ففضلا عن ما تقدم، يُفهم من تلك التسوية ان هناك ارادة اميركية لمنع التدخل السلبي لدول فاعلة اقليميا –وفي مقدمتها ايران والسعودية– في شؤون دول الصراع وهنا نقصد العراق وسوريا. وهذا يتماهى مع السياسة الخارجية التي اعتمدتها الحكومة العراقية بقيادة حيدر العبادي في التعامل مع السعودية وايران. وهدفه في ذلك، كما اعلن العبادي عند زيارته لمحافظة واسط يوم 28 شباط الماضي، هو ان تحترم دول الجوار مصالح وسيادة الدولة العراقية. ونرى ان هذه التسوية بمضامينها السياسية تشكل سند مهم للحكومة العراقية في هذا الإطار، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، نعتقد ان الدور الكبير للمؤسسة الامنية العراقية بكافة تشكيلاتها في هزيمة التنظيمات الارهابية وفي مقدمتها داعش يشكل عامل مهم لزيادة درجة الموثوقية بالدولة العراقية وحكومتها ويبرز جديتها في القضاء على داعش والتقدم تجاه ترتيبات الوضع السياسي. كل هذه تؤهل العراق وتمنحه فرصة ان يكون محور هذه التسوية الاقليمية الشاملة. وهذا الامر ربما سيّمكنه من لعب دور جيو سياسي في احداث تقارب بين طرفي الصراع الاقليمين ايران والسعودية اذا ما تم العمل على اجراء الترتيبات السياسية الضامنة لإرساء بيئة الاستقرار واشاعة مناخ السلم والامن المجتمعي في الداخل، والضامنة لانتهاج نهج سياسي خارجي واضح التوجه والرؤية وبارز الهوية والهدف على الصعيد الخارجي.
بمقابل هذه الفرصة توجد تحديات داخلية وخارجية اقليمية مؤثرة. على الصعيد الداخلي هناك جهات سياسية حتى في داخل التحالف الوطني لايروق لها المتغيرات السياسية الاخيرة وتعدها خضوع لإرادة خارجية تريد للبلاد ان تكون خاضعة لها طائفيا وهذا في اغلبه نابع من مواقفها تجاه الاطراف الاقليمية. وكذلك تحدي دمج مكونات المجتمع ككل في نظام الدولة والعمل على ازالة الفوارق الطبقية والطائفية والتأكيد على الانتماء الوطني السابق للانتماءات الفرعية سواء أكانت دينية او قومية او قبلية.
فضلا عن ذلك، التحدي الاقتصادي وتحدي التنمية الشاملة. فالوضع الاقتصادي العراقي يحتاج الكثير ليشكل دعامة للموقف السياسي تجاه الاطراف الاقليمية والدولية وحده الادنى في ذلك هو تحقيق العيش الكريم لكل افراد الشعب وبمختلف فئاته. وعليه نحتاج الى سياسات اقتصادية هدفها تنويع ايرادات الموازنة العامة للدولة وتحقيق الامن الغذائي على اقل تقدير، ناهيك عن مكافحة الفساد والتصدي للمفسدين.
نعتقد ان سياسات الحكومة الحالية ومنهجها الشامل والهادئ الواقعي في التعامل مع الازمات الداخلية والاقليمية وتحقيقها اهداف امنية كبيرة عبر انتصاراتها الارهاب تشكل عامل ساند لها. وما يعزز ذلك هو وقوفها سياسيا على مسافة متقاربة في صراع الفواعل الاقليميين. وهذا شرط اساس للدول التي تريد انهاء صراعاتها ولعب دور جيو سياسي.