شكل قرار الكونغرس الأميركي بتسليح الأكراد والعرب وهم من المسلمين السنة الذين فشلت الحكومة باحتوائهم، وفشلوا بكسب ثقتها وإثبات وجودهم، لإثبات وطنيتهم وطرد داعش من مناطقهم، فهم الأقدر على ذلك وثبت من قبل مع القاعدة فيما مضى بحسب التعليل الشائع، اختبارا للساسة العراقيين بكل مكوناتهم. وبدءنا نتساءل هل أميركا جادة بمساعدة العراقيين للخلاص من داعش وأوضاعهم السيئة ومأساتهم المؤلمة؟ أم هي مداخل شيطانية لدق إسفين الفرقة وتكريس الانقسام، وفرصة لمزيد من التدخل بشؤونهم خدمة لمصالح الصهيونية؟ وأين كانت من مظالم العرب السنة طيلة اثنتي عشرة سنة مضت؟ وأين أقمارها واستخباراتها من داعش وجحافلها تعبر الحدود وتقطع مئات الكيلومترات بأرتال من الناقلات وضح النهار؟ وهل ولدت داعش من رحم الأرض بأطراف الصحراء؟ (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).
أما ساسة العراق وأركان الحكومة التي تتوشح كذبا بالوطنية وتتشبث زورا بالسيادة وحرية القرار والاستقلال، فقصيدة الرصافي في الحكومات العراقية التي تلت الاستقلال بعد إنهاء الانتداب البريطاني خير وصف لهم: (أنا بالحكومة والسياسة أعرف.. أ أُلام في تفنيدها وأعنَّف – سأقول فيها ما أقول ولم أخف.. من أن يقولوا شاعر متطرِّف – هذي حكومتنا وكل شُموخها.. كَذِب وكل صنيعها متكلَّف – غُشَّت مظاهرها ومُوِّه وجهها.. فجميع ما فيها بهارج زُيَّف – وجهان فيها باطن متستِّر… للأجنبيّ وظاهر متكشِّف – والباطن المستور فيه تحكّم.. والظاهر المكشوف فيه تصلُّف – عَلَم ودستور ومجلس أمة.. كل عن المعنى الصحيح محرف – أسماء ليس لنا سوى ألفاظها.. أما معانيها فليست تعرف – مَن يقرأ الدستور يعلمْ أنه.. وَفقاً لصكّ الاحتلال مصنَّف – من ينظرِ العَلم المرفوف يلقَه.. في عزّ غير بني البلاد يرفرف – من يأتِ مجلسنا يصدّق أنه.. لمُراد غير الناخبين مؤلَّف – أفهكذا تبقى الحكومة عندنا.. كلماً تموَّه للورى وتُزخرَف – كثرت دوائرها وقلّ فَعالها.. كالطبل يكبُر وهو خال أجوف – تشكو البلاد سياسة مالية.. تجتاح أموال البلاد وتُتلف – تُجبى ضرائبها الثقال وإنما.. في غير مصلحة الرعيّة تُصرف – أيُعَدّ فخراً للوزير جلوسه.. فَرِحاً على الكرسيّ وهو مُكتَّف – لابدّ من يوم يطول عليكم.. فيه الحساب كما يطول المَوْقف).
والأبيات مختارة من قصيدة طويلة، وهي أبلغ وصف للحكومات التي تلت الاحتلال، وتتذرع بالاستقلال والوحدة الوطنية والأغلبية، رغم تحصنها بالقوة والغلبة بدعم من أميركا وإيران، ونسأل السيد العبادي ومن قبله المالكي وكل المشاركين بالعملية السياسية التي أثبتت فشلها، لولا أميركا هل كنتم تقلدتم مناصب أكبر منكم؟ وهل الشرعية الوطنية تبيح احتلال قوى التحالف الغربي العراق خارج إطار الأمم المتحدة؟ وهل السيادة تقبل بقرار بريمر بحل الجيش العراقي ومفاصل الدول وهياكلها؟ وهل السيادة تبيح ما يفعله قاسم سليماني على رأس قادة الحرس الإيراني وتدخلهم في الصغيرة والكبيرة يأمرون وينهون ويخرقون السيادة ويطأونها بأحذيتهم؟ وهل العراق يمتلك سيادته وطائرة التحالف الغربي تجوب الأجواء بأهوائها؟ وأين السيادة العراقية من عبور القوات التركية الأراضي العراقية من حين لآخر بلا مبالاة؟ ألم تسلح أميركا وإيران البيشمركة الكردية بشكل مباشر؟ ألم تسلح أميركا وتشكل وتدعم قوات الصحوة مباشرة وزار بوش الأنبار ورشى بعض المشايخ وسلح أبناء القبائل ونجحوا بطرد القاعدة، هل كان ذلك وفق استراتيجيتكم خرقا للسيادة؟ لماذا لم يتم وقتها الاعتراض؟ نقول لحكومتنا: “الوطنية ما عمدتيها، الحيلة منين جبتيها؟ والشاعر العربي يقول: لا تنه عن خلق وتأتي مثله، عار عليك إذا فعلت ذميم.
رغم كل ما يقال عن حكم حقبة الرئيس السابق صدام حسين وتفرد الحزب الواحد والفرد والواحد، خاض العراقيون حروبا عدة وتعرضوا للحصار والظلم ولم نر مهجرين ونازحين كما نرى، ولم تتفش الفتن العنصرية والطائفية التي نعيشها، التركمان يطالبون بالتسلح وحكم ذاتي والأزيديون والمسيحيون والصابئة، وهذا دليل على فشل الساسة وفسادهم، وكذبهم وقصر نظرهم، وغياب الثوابت والضوابط، والالتفاف على الاستراتيجيات المعلنة بالحيل والمماطلة، ولابد من يوم يطول فيه الحساب كما يطول الموقف، والفجر آت يا عراق وإن يطل ليل بدجلة، وعندها:(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).