من يصبر طويلا يضحك أخيرا.
الجغرافيا العربية تختلف تماما عن جغرافيا تصنع حياة أمم أخرى، فالعرب الذين تعودوا الصحراء لايفقهون لعبة الصعود والنزول الى الجبال ويتندرون بسيزيف الذي كان يحمل الصخرة الكبيرة ويرتقي، وحين يصل الى مكان في الأعلى تنحدر الصخرة فيعود ليحملها، ويتجاهلون إن لسيزيف حلما، وإنه صبور للغاية في مواجهة التحديات، ويتساءل بعض العرب، كيف يمكن الوقوف في وجه إيران المكروهة وهي غير محاصرة، وقد جربنا وقفها وهي محاصرة لثلاثين عاما وفشلنا، وقد تمددت لتصنع الحكومات وتؤسس لجيوش لاقبل لأحد بمواجهتها، وبينما يعقد العرب الإتفاقات مع إسرائيل، تواجه منظمات وأحزاب ومجموعات قتالية مدربة جيدا بالشراكة مع إيران الدولة العبرية وتجعلها في حال إنذار على مدار الساعة.
في العراق وعلى مدى أشهر عدة كان الجنرال قاسم سليماني يشارك القوات العراقية حضورها الميداني ويؤسس لمرحلة جديدة، وصفها الجنرال السابق وفيق السامرائي بالممتازة، وإن إستراتيجية جديدة تنشأ ويؤسس لها في العراق بوصف السامرائي الذي كان مسؤولا عن شعبة إيران في إستخبارات صدام حسين. يعرف الجنرال سامرائي وهذا أكيد إن تلك الإستراتيجية والتغيير الهائل في أداء القوات والحشد الشعبي سببه الإستشارات الإيرانية غير المسبوقة، والضباط الذين دفعت بهم طهران ليحموا بغداد وأربيل من هجوم وشيك لداعش بعد حزيران من العام 2014 .
لم تنجح السياسة الأمريكية في إستنزاف إيران بل هيأت لها موارد جديدة مادية وعسكرية كبيرة في المنطقة، ففي المرحلة التي تدخلت فيها طهران في سوريا والعراق واليمن ولبنان وبقية البلدان العربية كفلسطين كانت مجموعات قتالية تتدرب بالموازاة مع ظهور طبقات سياسية ومجموعات من المثقفين والجنرالات والأكاديميين والمقاتلين الشرسين الذين يعتمدون التدريب المكثف والتأهيل العالي بإشراف الإيرانيين، ولكي لايتم ذلك الإستنزاف فإن الحوثيين في اليمن على سبيل المثال، تلقوا التدريب في إيران وفي معسكرات بصعدة، لكنهم لم يتلقوا الكثير من السلاح والمال الإيراني فالدولة اليمنية تمتلك تلك المقومات حيث معسكرات الحرس الجمهوري، وجنود علي عبدالله صالح الذين لبسوا الثياب الحوثية، وهناك صنعاء ومافيها من مرافق دولة يمكن السيطرة عليها والتمكن بها من حكم البلاد، وهناك ميناء الحديدة الكبير على البحر ومطارها الممتاز، عدا عن القواعد الجوية، ومحطات الطاقة الكهربائية في مأرب والمنشآت النفطية، فالحوثيون يسيطرون على الدولة، وبدت عدن كما كانت في عهد صالح ولعقود، إما متمردة، أو عليها العودة الى صنعاء، أو إعلان الإنفصال الذي يرفضه جميع العارفين ببواطن الأمور. لم تدفع طهران بجنودها كما يظن الحمقى الى هناك.
في العراق وحين يغالط أحد السياسيين الغاضبين من تقدم الحشد الشعبي والجيش العراقي في جبهة تكريت نفسه، ويقول ، إن الحشد الشعبي لايتجاوز عدد مقاتليه ال3000 عراقي، وبعض مئات من أبناء العشائر السنية، بينما يضم 20000 مقاتل من الحرس الثوري ،فإن إيران ترسل مستشاريها الأمنيين المتقاعدين وقيادات عسكرية، وأسلحة متطورة وتشرع في تدريب المجموعات الشيعية الشرسة على حرب المدن والجبهات المفتوحة ومكافحة الإرهاب، وتؤسس لعقيدة قتالية لم تكن واشنطن راغبة فيها، ولم تتوقعها داعش والدول الداعمة لها والقيادات السياسية العراقية التي أملت من هذا التنظيم النجاح في إسقاط بغداد والسيطرة على الحكم فيها.
العراق يقف على قدمين إيرانيتين بالفعل..