حيدر حسين سويري :
المجتمع الإنساني، كيانٌ متحركٌ ومتغير، ولولا ذاك لكان شيئاً جامداً وميتاً، ولذلك فإن كثيراً من خواصه تتبدل، وتتغير بإتجاهات مختلفة، وتدعى هذه التغيرات بالظواهر، حيث أنها تكون جديدة في المجتمع، ظهرت بالتدريج أو بشكل مفاجئ.
من تلك الظواهر موضة الملابس، الهندسة المعمارية في بناء المساكن، وطريقة السكن، إتيكيت الأكل والشرب والضيافة والسفر، التقليل من عدد إنجاب الأطفال، الزواج في سن متأخر أو متقدم(حسب الإطار الفكري لكل مجتمع)، وغيرها من الظواهر الإجتماعية الكثيرة، حتى أن أيَّ مجتمع في وقتنا الحالي، يرصد ظاهرة أو ظاهرتين جديدتين على الاقل، في كل عام! فنحن في عصر السرعة.
إن أغلب المجتمعات، لا تتقبل تلك التغيرات بسهولة، بل تأخذ بمعارضتها أو تلجأ لمحاربتها، ظناً منها أنها بذلك تحافظ على موروث الأجداد! وكأن الأجداد على حق دائماً! فيريدُ أباء تلك المجتمعات، أن يبعثوا روح الأجداد في الأحفاد، وهم بذلك يجعلون الأحفاد، نُسخاً للأجداد، فيموت المجتمع! ولا غرابة.
كذلك تظن المجتمعات، أنها بمعارضة او محاربة تلك الظواهر، تستطيع القضاء عليها! وهو ظن خاطئ بكل تأكيد(كما سنبينه لاحقاً)؛ إذاً وجب على المجتمعات أن تُقنن عمل تلك الظواهر، وما يتوافق مع فطرة الإنسان، في طلب الحرية، وكذلك باب الحقوق والواجبات.
هذا لا يعني أن جميع الظواهر إيجابية دائماً، فإن كثيراً منها، دمر مجتمعاتٍ بكاملها، ولكنَّ السبب الحقيقي في دمار وخراب تلك المجتمعات، هو أن تلك المجتمعات، لم تحسن التعامل مع تلك الظواهر، فهي تبدأ بالمنع والمحاربة، وكأنهم لا يعرفون القاعدة التي تقول:( كل ممنوع مرغوب)، فبدل أن يقضوا على تلك الظواهر، قضت الظواهر عليهم.
لنأخذ مثالاً لتقريب الموضوع وفهمه: ظاهرة تعاطي المخدرات…
إنها سلبية بلا أدنى شك؛ وليكن المجتمع الامريكي شاهداً، لنرى ماذا جنى من محاربته لتجار ومتعاطي المخدرات؛ لقد قدمت الحكومة الكثير من الخسائر المالية والبشرية، من أجل القضاء على تلك الظاهرة، أو الحد من إنتشارها، ولكن الامريكان إكتشفوا أخيراً وبإحصائية بسيطة، أن عدد التجار والمتعاطين إزداد عما كان عليه، وكان الأجدر بهم أن يُقننوا هذه التجارة وتعاطيها، كي تحصل أمام مرأى ومسمع المجتمع، فلا خسائر بالأرواح أو الأموال، بل بالعكس كان من الممكن للدولة أن تحقق كسباً مالياً، من خلال فرض الضرائب على تجارها، وكذلك فأنا أعدهم بأن عدد التجار والمتعاطين سيتضائل.
فعلت الحكومة المصرية ما فعله الامريكان، فاستغل المتطرفون الدينيون الشباب، من خلال المخدرات، وجندوهم لصالحهم، لأنهم يتعاملون بالشريعة(على حد قولهم)! وأوجدوا فتاوى تحلل تجارة وتعاطي المخدرات، ولذلك فنصيحتي تشمل الحكومة المصرية أيضاً، من خلال تقنين هذه الظاهرة.
يَكتبُ أصحاب مصانع إنتاج السجائر، على علبتها، أنها تسبب مرض سرطان الرئة، وتصلب الشرايين، وغيرها من الأمراض الخطيرة؛ لكن نجد إن أغلب المجتمعات لا تعيب او تحضر إستعمال السجائر، ولا تحرم أو تمنع تجارتها، بل على العكس، تمنح حكومات تلك المجتمعات، إجازات لتجارة و صناعة هذا السم القاتل والمميت! وبالرغم من ذلك نرى بأن الحكومات إستفادت من هذا التقنين بجانبين:
- الربح المادي .
- إن عدد تجار السجائر والمدخنين قلَّ، وهو في تناقص على مرور الايام.
بقي شئ…
إن تقنين الظواهر الإجتماعية، ووضعها تحت مرأى ومسمع المجتمع والدولة، أسلم وأنفع من منعها ومحاربتها.