جاسم عمران الشمري/مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية

 

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الآية (13) الحجرات.

العشيرة لغة اسم لكل جماعة من أقارب الرجل، وسموا بذلك لأن الرجل يعاشرهم ويعاشرونه. والقبائل هي التي يقبل بعضها على بعض وهي جمع قبيلة والقبيلة جمع العمائر والعمائر تجمع البطون والبطون تجمع الأفخاذ والأفخاذ تجمع الفصائل والفصائل تجمع العشائر، وأخيرا اخذ مصطلح العشيرة يطلق على اجتماع مجموعة من الناس والتزامهم بتقاليد معينة حتى وان لم يكونوا متعارفين من جهة النسب بل يكفي التفافهم حول عشيرة معينة ليحسبوا عليها، وهم يؤدّون الطاعة لرئيس واحد هو كبير العشيرة، وتأخذ العشيرة اسمها في الغالب من اسم جدها الأعلى الذي تنسب إليه مثل بني تميم وبني أسد وكنانة…الخ.

 ولابد لنا ونحن نناقش ظاهرة سلبية من الظواهر التي ابتليت بها العشائر العراقية وأصبحت كالبقع السوداء في ثوبها الناصع البياض أن نبين في هذه المقدمة أهمية العشيرة كأساس في تركيبة المجتمع العراقي ودورها في تاريخ العراق قديماً وحديثا.

فلو تأملنا في التاريخ لوجدنا أن تاريخ العشائر قديم جداً حتى أن تأسيسها سابق على ظهور الإسلام ونبوة نبينا محمد (ص). وكان شيخ العشيرة في ذلك الوقت مطاع إلى ابعد الحدود. وهو يمارس صلاحياته من هذا المنطلق واستمر الحال هكذا إلى ظهور الدين الإسلامي. ورغم أن الإسلام دين لكل البشر إلا انه يرى للعشيرة أهمية كبيرة في نشر الرسالة السماوية أو التبليغ بأي مشروع يخدم الإنسانية فهي تعطي قوة للفرد وهو بحاجة إليها ولهذا أمر نبينا (ص) أن ينذرهم ويعظهم وهذا يكفي في أن الإسلام لا يراها ظاهرة سلبية منحرفة. فلو كانت العشائر ظاهرة منحرفة لنهى عنها الإسلام وأمر بتفكيكها ولنهى عن الانتماء إليها وهذا يعني إقرار الشارع المقدس للعشائر، ما عدا السلبيات فهو لا يقرها بأي حال من الأحوال.

فالله سبحانه وتعالى خلق الناس شعوباً وقبائل، وحافظ على الأنساق الاجتماعية التي تمنح العشيرة دورا أساسياً في التركيبة السكانية، فالتكافل مع العشيرةـ وهم في دائرة القرابة القريبةـ يغدو كضرورة اجتماعية تتطلبها الظروف التي تحيط بالفرد وحاجته الماسة للرعاية والحماية، وخاصة في أوقات الأزمات وغياب الأمن وعدم وجود مؤسسات رعوية رسمية. لقد تعامل الإسلام بما عرف عنه من واقعية في التعامل (ورغم مناقضة فكرته من حيث المبدأ للعصبية الجاهلية) بإيجابية مع القبيلة والعشيرة ووظفها لتحقيق أغراضه في نشر الدعوة وإزالة العوائق من أمامها أو تخفيف وتحييد العناصر الضاغطة وصولا في النهاية إلى المجتمع المسلم الذي يتفاضل بالتقوى والناس فيه سواسية كأسنان المشط، والذي يدع التعصب الأثني للعرق أو للون أو للجنس أو للقبيلة أو للعشيرة ويتخذ من العقيدة جنسية والإسلام هوية.

فلم يكن التعامل الواقعي والإيجابي مع العشائرية تعاملا مؤقتا أو آنيا أو مصلحيا بل كان تعاملا مبدئيا صادقا. هذا ما يدعو إليه الإسلام كما جاء في الكثير من النصوص الدينية من ضرورة صلة الرحم والتواصل مع العشيرة وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: “لا يدخل الجنة قاطع رحم”، وكان أمير المؤمنين علي عليه ‌السلام يوصي أولاده وأصحابه بإكرام العشيرة، لما لها من دور واسع المدى وعميق الأثر في الحياة الاجتماعية، فمن وصاياه لابنه الإمام الحسن (عليهما ‌السلام) وأكرمْ عشيرتك، فإنَّهم جناحُك الذي به تطير، وأصلُك الذي إليه تصيرُ، ويدُك الّتي بها تصُول)، وفي نص آخر يصرّح بأهمية التكافل مع القرابة والعشيرة ويعلل ذلك تعليلاً عميقاً يتناسب مع البيئة الاجتماعية التي عاصرها، يقول (عليه‌ السلام) (أيّها الناس، إنّه لا يستغني الرّجل ـ وإن كان ذا مال ـ عن عترته، ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه وألمّهم لشعثه، وأعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به، ألا لا يعدلنّ أحدكم عن القرابة يرى بها الخاصة أن يسدّها بالذي لا يزيده إن أمسكه، ولا ينقصه إن أهلكه، ومن يقبض يده عن عشيرته، فإنّما تقبض منه عنهم يد واحدة، وتقبض منهم عنه أيدٍ كثيرة، ومن محض عشيرته صدق المودة، وبسط عليهم يده بالمعروف إذا وجده إبتغاء وجه الله، أخلف الله له ما أنفق في دنياه، وضاعف له الأجر في آخرته).

 ولابد من إلفات النظر إلى أن أمير المؤمنين عليه‌ السلام لا ينطلق من نظرة عنصرية ضيقة، تضع التعصب للعشيرة فوق قواعد الحق واعتبارات الدين، بل هو في الوقت الذي يدعو إلى التكافل مع العشيرة يحث على أن لا يكون ذلك على حساب الدين، وان لا يؤدي ذلك إلى القطيعة معه، وخير شاهد تاريخي على ذلك تعنيفه للمنذر بن الجارود العبدي، وقد خان في بعض ما ولاّه من أعماله، قال له موبخاً (لا تَدَعْ لهواك انقياداً، ولا تُبقي لآخرتِكَ عتاداً، تعمُرُ دُنياك بخرابِ آخرتِك، وتصلُ عشيرتك بقطيعة دينك)، فالإمام عليه ‌السلام يقيم مذهبه الاجتماعي على أساس قواعد الدين، فكل تجاوز لهذه القواعد يقذف بفكرة التكافل بعيداً في أغوار مسالك الشر”.

النظام العشائري في العراق

ولا يخفى على الجميع أن النظام العشائري في العراق يعد من الأنظمة الاجتماعية التي دأبت الجماعة البشرية على تطويره والتمسك بهِ جيلاً بعد جيل. فبعد استيلاء بريطانيا على العراق اصدر الجنرال (فاشو) القائم بأعمال قائد الحملة العسكرية في 27 تموز 1918 نظام دعاوى العشائر المدنية والجزائية وقد قسم النظام الدعاوى العشائرية أي النزاعات والخصومات التي تحدث بين أبناء العشائر الى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ينعقد فيها الاختصاص للقضاء حيث تتولى المحاكم الفصل فيها.

القسم الثاني: يتولى الحاكم البريطاني ومعاونوه سلطة الفصل فيها.

القسم الثالث: يتم النظر فيها من قبل المجلس العشائري وهذا يعني ان المجلس يختص بالقليل من دعاوى العشائر.

وفي عهد الحكم الملكي أحيلت الصلاحيات الواردة في نظام دعاوى العشائر الى وزير الداخلية ورؤساء الوحدات الإدارية، وقد تم إلغاء نظام دعاوى العشائر بعد قيام النظام الجمهوري بالمرسوم الجمهوري 56 لسنة 1958 المنشور في جريدة الوقائع العراقية في (3/ 8/ 1958)، ومن ذلك نلاحظ أن هذا النظام تم تطبيقه في فترة الحكم البريطاني والحكم الملكي فقط، العشيرة في العراق الجديد بعد صدور الدستور الدائم لعام 2005 تضمن هذا الدستور قيودا وشروطا على الأعراف العشائرية حيث نصت المادة (43 \ ثانيا) منه (تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون وتعزز قيمتها الإنسانية في تطوير المجتمع وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان)، وبما أن الدستور الجديد منع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان وهي جميع الحقوق الواردة في المواثيق الدولية مثل ميثاق الأمم المتحدة 1945 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1984 والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية 1966 وبالتالي ليس للعشائر والقبائل ممارسة الأعراف العشائرية التي تخالف حقوق الإنسان وحرياته الواردة في الدستور ومن هذه الحقوق والحريات الواردة في الدستور والتي تلتزم بها العشائر.

أن السيادة للقانون ولا يجوز تبني العنصرية أو الإرهاب او التكفير او التطهير الطائفي وكذلك ضرورة احترام الالتزامات الدولية للعراق وعدم جواز القيام بأي تصرف يخالف الدستور (كمنع الشركات الأجنبية من تنفيذ تعاقداتها مع الحكومة العراقية كشركات استخراج النفط مثلا)، واحترام حق كل فرد في الخصوصية الشخصية وحرمة المساكن (فلا يجوز حرقها وهدمها من قبل العشائر او الكتابة عليها عبارة مطلوب عشائريا وغير ذلك)، لان الملكية الخاصة مصونة وان للأموال حرمة وانه ليس للعشيرة ممارسة كل اشكال العنف والتعسف مع الأسرة والمجتمع وكفالتها لحماية البيئة والتنوع الإحيائي والحفاظ عليها كان لعشائر العراق في مختلف الأزمنة ولا زالت دور مهم حيث حافظت على هوية الدولة فإذا هي عربية عروبتها هذه شكلت جامعا وحاضنا لإثنيات أخرى داخل الدولة.

كما أنها ساهمت بشكل كبير في بناء الدولة وتأسيسها واستقرارها وأمانها من خلال قوتهم بالرجال والسلاح ووقوفهم بوجه العدو حفاظا على الأرض والشعب من خلال العادات والمفاهيم التي توارثوها، ودافعت القبائل عن الدولة بكل ما أوتيت من قوة وكان لها دورا هاما في الحفاظ على النظام ومؤسسات الدولة كونها مركز ثقل لأسباب عديدة إلا أن أعداء الوطن في بعض البلدان يحاولون التغلغل بين بعض القبائل والتأثير عليها واستغلالها في الوصول لمآربهم لأنهم يدركون أن العشائر هي الملاذ للحكم والأمن والنظام والاستقرار فيحاولون استغلال الخلافات داخل العشائر للإفساد أو الخلافات بين القبائل المختلفة لخلق بلبلة وضوضاء وعدم استقرار ويكون ذلك عبر التأثير على عقولهم أو تمييل قلوبهم بالتأثير على عواطفهم أحيانا.

أسباب الصراعات العشائرية وتداعياتها

 العنف بمفهومه العام هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وهو ظاهرة موجودة منذ وجود الإنسان وينقسم إلى: عنف مادي: ويتمثل بالضرب والسجن والأذى الجسدي بأنواعه، وعنف معنوي: ويتمثل باللفظي مثل التجريح بالكلام والسب والشتم أو الإهمال والتهميش والإيذاء النفسي والعاطفي.

العنف العشائري فهو العنف الذي تباشره مجموعة من الأفراد تنتمي لعشيرة ما ضد مجموعة أخرى من الأفراد تنتمي لعشيرة أخرى، وهو أكثر أنواع العنف المجتمعي خطورة لأنه يستخدم فيه جميع أنواع الأسلحة والقوة والتي قد تودي بحياة الكثيرين وإصابات العديد، والتي أحيانا لا يمكن السيطرة عليه. والمؤسف أن العنف الذي أنتشر في العراق بالفترة الأخيرة مثل العنف في الجامعات والمدارس وأماكن العمل ودوائر الدولة والمناطق المختلفة ومنها البصرة والذي يرجعه البعض للطابع العشائري للمجتمع وهو منتشر في مدن كثيرة ومحافظات عديدة.

 ومن هنا كان لابد لنا أن نعرف العوامل والأسباب التي أوصلتنا لهذا وإظهار دور الحكومة في ذلك لأن معرفة الأسباب سيوصلنا لمعرفة علاج هذه الظاهرة والقضاء عليها في مهدها والحد منها حتى لا تستغل من أعداءنا في الداخل والخارج لإشعال نيران الفتن بين أبناء الوطن الواحد وتكون مثل الميليشيات المسلحة الموجودة في دول أخرى.

ومن أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار العنف العشائري في الفترة الأخيرة:

1- تردي الوضع الأمني في العراق وهذا يرجع لعدة أمور لعل أبرزها عدم الاعتماد على القيادات الأمنية المهنية والمؤهلة بما لديها من خبرة في وضع خطط أمنية تتلائم مع طبيعة المكان والسكان إذ لا يمكن آن تكون الخطط الامنية موحدة أو متشابهة مع وجود الاختلاف في طبيعة المكان وطباع المجتمع العراقي ومحافظات العراق فضلاً عن عدم وجود القدرة العالية لدى أجهزة الدولة على امتصاص زخم تلك المعارك والانتهاكات الامنية من قبل العشائر.

2- عدم احترام القانون لعدة أسباب لعل أهمها ضعف تطبيق القانون من قبل القيادات الأمنية او المجاملة في تطبيقه بسبب تفشي المحسوبية وبالتالي فان المواطن لا يشعر بوجود سلطة حقيقية للدولة او هيبة لهذه السلطة ويرى إن الاحتكام إلى العشيرة اضمن في استيفاء حقه أو تحقيق أهدافه.

3- غض النظر من قبل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق عن الكثير من الظواهر السلبية الموجودة في المجتمع، كالمشاجرات شبه اليومية في الدوائر الحكومية وغيرها.

4- شيوع النعرات العشائرية وهيمنة العادات والتقاليد المتخلفة، وانتشار شتى أنواع الأسلحة من بنادق وقاذفات ومدافع هاون وأسلحة رشاشة في المناطق الريفية ولعل عدم إحكام الحدود بين العراق وجيرانه سبب مهم لانتشار التهريب للأسلحة ولغيرها من الممنوعات.

5- ضعف الإعلام وقلة برامج الترويج لقيم السلم والمحبة والتآخي والتراحم ونبذ العنف من خلال النشاطات الثقافية والعلمية والإعلامية كالسينما والأعمال التلفزيونية والدرامية وغيرها من البرامج والتحذير من تأثيرها على المجتمع وسلبيتها وإيذائها للناس واعتدائها على حرية الأفراد أحيانا أو كرامتهم أو إنسانيتهم أو سلبهم أرواحهم الوضع الاقتصادي السيئ للفرد تبعا الأحوال الاقتصادية المتردية التي يمر بها البلد والبطالة، أو فقدان العمل هي أسباب كلها تؤدي لحالات نفسية أولا وفراغ ثانيا وحاجة ثالثا وقيام الفرد بالبحث عن طرق أخرى لتمويل نفسه وإعالة اسرته وربما يتخذ الطرق السيئة لفقدان الوازع الأخلاقي والديني.

6- وجود أجندات خارجية وواجهات محلية تسعى لتنفيذ مخطط دولي يسعى لتفتيت بنية المجتمع العراقي العشائرية ولعل هذا الامر يعود لعدة أسباب منها تخوف القوى الدولية والاستعمارية من المرجعية الدينية باعتبارها قوة دينية عظمى لها من القوة ما يمكنها من إفشال مخططات هذه الدول لعل الأداة المهمة التي ترتكز عليها المرجعية الدينية هي العشائر العراقية المطيعة لكل ما يصدر منها، ولعل ابرز مثال ابهر العالم هو استجابة العشائر لنداء المرجعية والتزاحم على الانخراط في صفوف القوات المسلحة من اجل حماية العراق أرضا وشعبا ومقدسات وهذه الاستجابة جعلت القناعة تكتمل عند هذه الدول أن العشائر هي اليد الضاربة للمرجعية وهي الأداة الأولى التي ترتكز عليها سيما إن هناك ذكرى مؤلمة لهذه الدول وهي إن أبناء العشائر هؤلاء هم أحفاد أولئك الذين ثاروا في العشرين من القرن الماضي وناصروا المرجعية وأسسوا العراق وطردوا المحتل البريطاني، لذا فان هذا الحالة لا ترضي الذين يريدون الشر بالعراق وبالتالي هم خططوا ويخططون لفت عضد المجتمع العراقي بأية وسيلة.

وكان من جملة الوسائل التي يحاول بها البعض إيقاف تقدم الحشد الشعبي هو ضرب الحشد من خلال عناصره المنتمين للعشائر باحداث فتن ونزاعات في مناطق سكناه لغرض ثنيهم عن الجهاد وترك جبهات المواجهة مع داعش ومن يقف خلفها. ولعل من اخطر التداعيات التي يمكن أن تبرز من جراء هذه النزاعات أن تتسرب إلى مناطق أخرى في العراق بسبب امتداد العشائر العراقية في كل أنحاء العراق وتواجد أفرادها في كل محافظة فالنزاع الذي ينشا في البصرة بين عشيرتين قد يتسبب بإحداث شرارة لا سامح الله في مدينة أخرى يسكنها أناس من نفس العشيرتين بدافع النصرة والانتقام وغير ذلك من أسباب إضافة إلى خشية قيام البعض من استغلال الوضع المتأزم في إثارة الفتن وتأجيج فتيل الأزمات في المنطقة بين فترة وأخرى للحيلولة دون استقرارها، أو للأضرار باقتصاد البلد من خلال شل الحركة في مدينة اقتصادية مثل البصرة تمثل رئة العراق.

النتائج والتوصيات

مما تقدم يمكن لكل إنسان منصف القول إن قانونَ العشيرة لا يمكن له ان يظهر الى العلنِ ويخترق أرحب الآفاق في ظلِ سيادة سلطة القانون التي تعكس قوة الدولة وحزم أجهزتها التنفيذية، ولاسِيَّمَا الأمنية في مواجهةِ من تسول له نفسه محاولة الإساءة إلى الشرائحِ الاجتماعية أو أياً من أفرادِها.

ولعلاج ظاهرة العنف العشائري لابد من القيام بعدة خطوات تدريجية نستطيع من خلالها بناء مجتمع متماسك خالي من الظواهر السلبية ولعل أهم هذه الخطوات ما يلي:

1- إشاعة ثقافة التعارف والتواصل الاجتماعي والمحبة والتسامح بين أبناء المجتمع العراقي بمختلف عشائره وطوائفه وقومياته ومذاهبه وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان وتطبيق مبدأ التعايش السلمي في هذا البلد الذي يعتبر وطنا للجميع وان أمنه وحماية سيادته واجب ومسؤولية الجميع.

2- نشر الوعي والمعرفة لدى فئات المجتمع كافة وتوفير كل الوسائل اللازمة لذلك والتركيز على المجتمعات الريفية بالذات وذلك من خلال تطبيق قانوني التعليم الإلزامي ومحو الأمية ونشر الثقافات الحميدة وزرع القيم من خلال المدارس والجامعات ودور العبادة ومن ثم سن القوانين الصارمة وفرضها بشدة وحزم من قبل الأجهزة الأمنية والتنفيذية والحكومية.

3- تهذيب الأعراف العشائرية التي تخالف الشرع والقانون أو تنتهك حقوق الإنسان وتكليف المديرية العامة لشؤون العشائر بتبني هذا الموضوع شرط الاعتماد على أصحاب الخبرة من شيوخ العشائر وبالأخص من هو مهتم بالشأن العشائري اهتمام أكاديمي وعلمي.

4- القضاء على البطالة وتأمين مصادر الرزق لأبناء العشائر والقيام بمختلف النشاطات والفعاليات المجتمعية التي تثقف الشباب وتشغلهم عن التفكير بشكل رجعي.

5- مصادرة السلاح غير المرخص والعمل على حل النزاعات وبحضور واضح من الدولة في كل نزاع إن استطاعت الحل حلته وان استعصى الحل تطبق القانون بحرفيته لأنه ضمانة لحماية حقوق الأشخاص والأموال والحريات وغير ذلك.

6- لابد أن يكون هناك دور للعشيرة نفسها (باعتبارها سلطة الضبط الاجتماعي) في ردع أبنائها والسيطرة عليهم من جهة وتوعيتهم وتثقيفهم من جهة أخرى ووضع منهاج ومواثيق تحدد لكل فرد ما له وما عليه في هذه العشيرة شرط أن لا تكون منافية للقانون أو النظام العام والآداب العامة ويجب أن تكون العشيرة نفسها هي أول من يعاقب من يتعدى على الآخرين بغير وجه حق.

7- نبذ الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع العراقي وتقاليد وأعراف العشائر العراقية الأصيلة، ومنها حرق البيوت وفيها النساء والأطفال، والكتابة على المحلات والدور بكلمات (مطلوب عشائريا) فضلا عن استخدام السلاح بطرق غير قانونية وابتزاز الناس والاعتداء عليهم بالأسلحة المختلفة.

8- اعتبار أي عمل يخل بالأمن من قبيل المنازعات العشائرية عمل إرهابي ومنع التهديد العشائري للموظفين وخاصة منتسبي القوات الامنية والأطباء والتجاوز على القانون دعم وإسناد الأجهزة الامنية وخاصة في المعلومة التي تسهم في ضبط الأمن.

9- عقد الندوات والمؤتمرات بشكل مستمر في دواوين العشائر وتبادل المعلومات وتوثيق الاجتماعات ومناقشة تعامل القوات الامنية مع المواطنين والسيطرات خاصة. والاعتماد على قوة العشيرة وتوظيفها في خدمة الدين والوطن والدفاع عن البلد والشعب والمقدسات.

إن زعامة العشيرة كغيرها من مناصب الولاية على الآخرين ولما كان رئيس العشيرة ورؤساء الأفخاذ والوجهاء من المؤمنين يتحملون مسؤولية شرعية أمام الله والمجتمع غير قليلة في توجيه الأفراد وتحديد السلوك في اغلب الأحيان لما يربطهم بالمجتمع من علاقات اجتماعية ومصالح مشتركة طبقاً لمضمون الحديث النبوي الشريف (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ترسيخ مفهوم الدولة في المجتمع ورفض وجود أشخاص فوق القانون أو تطبيق شيء غير القانون سواء سنة عرفية او عشائرية او شرعية وغيرها، فالأساس هو القانون الذي لا يختلف مع جوهر الدين والعشائرية الصحيحة التي تقوم على أساس المحبة والتسامح “إزالة التناقضات في بعض تصرفات أبناء العشائر فمثلا الملاحظ أن العشائر قد دفعت بأبنائها إلى المعارك وقدمتهم قرابين للوطن والدين تلبية لنداء وفتوى المرجعية الدينية، في حين نجد أن هذه العشائر نفسها تخالف فتوى أخرى للمرجعية بعدم إطلاق العيارات النارية دون اكتراث بالمخالفة وبالإضرار التي ستلحق الأنفس البريئة والأموال نتيجة الرمي العشوائي.

* باحث قانوني وماجستير قانون

ورقة بحثية مقدمة في الحلقة النقاشية التي أقامها مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية في كربلاء المقدسة يوم الأربعاء الموافق 20 كانون الثاني 2016