في الرواية الجديدة للكاتب الأمريكي دان براون تحت عنوان “انفرنو” يعيش البطل في صراع بين الخير والشر، نمط حياة مستوحاة من رائعة دانتي العالمية “الكوميديا لالهية” فصل “جهنم” ، التي تعتبر من أهم الملاحم الشعرية في تاريخ الأدب الايطالي. بالرغم من أن كتاب دانتي عرف تأويلات..
عديدة من قبل النقاد ورجال الدين وذلك انه يصوّر بأسلوب مجازي الحياة بعد الموت في إطار جمع الديانة المسيحية الى فلسفة القرون الوسطى، ذهب البعض الى اعتباره النسخة الأوروبية لكتاب “رسالة الغفران” لضرير معرَّة النعْمان، أبي العلاء وفي النهاية لا شيء، سوى الظلمة. لقد مضی أكثر من عامين علی الربيع العربي، الذي بدأ حسب رأي المفكر اللغوي الأمريكي نعوم تشومسكي، لأول مرة في نوفمبر عام 2010 بالصحراء في المغرب، عندما انتفض سكانها بسبب أحداث “اكديم إزيك” قرب العيون، لكن الآراء الأخری تقول بأن نار الثورة إمتد من جسد الشاب التونسي محمد البوعزيزي المحترق بهدف التخلص من الظلم والإستبداد و الفساد المطبق علی المجتمع منذ عقود من الزمن. لقد شاهدنا نزول الناس في أكثر من بلد إلى الشارع للتنديد بالأنظمة والعمل على إسقاطها و في النهاية
أسقطت الأنظمة لتٶسس أنظمة دينية أخطبوطية جديدة غير واضحة الموقف من الديمقراطية على غرار مختلف الأحزاب الدينية في المنطقة التي لم تصل بعد إلى مرحلة تقبّل الديمقراطية، فكيف إذن بفصل الدين عن الدولة أو الوصول الی الحرية الحقيقية؟ من الواضح بأن مسألة إعادة البناء ليس بالأمر السهل، فهي مسار متعثر و معرض دوماً للإنتكاسات. أما الثورات فهي كانت في الأصل ثورات للحرية أكثر من أن تكون للديمقراطية، أي أنها كانت تشكل تمهيداً لانفلات الآراء من القيود وأشكال القمع للدخول في نقاش سياسي حقيقي، لكننا وللأسف لم نری بعدها أیة منافسة شريفة بين نخب لإنتاج البرامج السياسية من أجل إلى الديمقراطية. إن دخول الإسلاميين إلى ميادين الثورة و لعبهم بأوتار الولاءات المذهبية ليكونوا بعدها النماذج المسيطرة علی الساحة الثقافية
أو السياسية أعادت الی الحياة نظريات المطلق و المقدس و الثابت و الكامل و الأحادي و النهائي لتحويل فئات كبيرة من المجتمعات الی الآت عمياء و اتخاذهم رهائن لبرامج و مشاريع تتحول معها الأفكار والقضايا الی أدوات لممارسة الحجب و الاستبعاد أو المصادرة و الاحتكار أو الاستئصال والخراب و محت بلعبتها مساحات و صيغ و قواعد التعايش السلمي، بعد إعلانها أمام الملأ بأن الأفكار محاريب مقدسة علیه أن نضحي من أجلها. وهكذا بدأت وصاية المٶسسة الدينية علی عمل التشريع و التنظيم الذي يعود للدولة لتترجم أفخاخاً و مآزق و تنتج مزيداً من الاستبداد و الفساد والفقر والتخلف والبٶس. الأحزاب الدينية لا يعاملون الفرد كفاعل بشري له أبعاده المحلية والوطنية أو الاقليمية والعالمية، بل یعاملونه كقاصر لا يستطيع أن يفكر و يتصرف كمسٶول عن نفسه بقدر ما يساهم مع سواه في صياغة المصائر. فما تشهده المنطقة من إراقة الدماء وما تحدث من خراب بسبب حروب الأسماء
والرموز والأفكار والهويات حول قضايا العقيدة والإيمان للحصول علی مقعد في الفردوس السماوي
تدخل في باب المفارقات لأنها تخلق جحيم أرضي و هي من صناعة أصحاب المشاريع و الدعوات بشعاراتهم الدينية القديمة و عناوينهم السلفية الحديثة و ليست من صنيعة المرتدين والزنادقة أو من إنتهاك المارقين والخارجين. فالعنف المتصاعد أعاد الشرق الأوسط الی نقطة الصفر و أطاح بمنجزات الحضارة والمدنية،
إن كانت هناك حضارة أو مدنية من قبل. الأصوليات الدينية التي تعمل بلغة التحريم والتأثيم و حراس الإيمان، عباد النزوات والأهواء والأحلام المجنونة والخطط الجهنمية و نواب الله و خلفائه والناطقون بأسمه و أصحاب الأحزاب الشمولية الفاشية المتمترسة وراء الهويات المغلقة أو الجامدة، التي تقود الحروب في سوريا علی سبيل المثال أو في أماكن أخری، تقاوم كل واقع جديد و تعمل علی نفيه و تسعی الی تعميم العنف
و تحويله الی ظاهرة معولمة لإدخال البشرية في نوع من الحرب الأهلية الكونية. فكيف نستطيع إذن أن نٶسس في ظل هذه الفضاءات الإرادة الحرة للاعتراف بالكينونة الإنسانية و بحقها في أن تكون كينونة مغايرة، لا مماثلة مع ما يقابلها من ذوات أخر وفق نمطيتها الخاصة في الحياة؟ وختاماً:
“ما لا يختلف لا ينفتح و كل حياة مشتركة خلاقة هي التعايش الأصيل الضامن للوجود الإنساني في الكون”.