تلقى المبادرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنشاء قوة عربية لمواجهة الإرهاب والعنف المنظم ترحيبا منقطعا في الأوساط السياسية والشعبية في العالم العربي لما لها من أهمية في تفعيل التعاون العربي المشترك والتنسيق المتبادل الذي صار حاجة ملحة بعد تسونامي العنف الذي يضرب المنطقة من شمال سوريا حتى القرن الأفريقي، ويدفع الى قلق عميق من تنامي ظاهرة الإرهاب وإسقاط الدول بعد الأحداث العنيفة في سوريا والعراق، وماتعرضت له دول الخليج والأردن واليمن ومصر وليبيا وشمال أفريقيا من عمليات عنف وجرائم فظيعة راح ضحيتها مواطنون ورجال شرطة وسياسيون وإعلاميون، وليس آخرهم الضابط الأردني معاذ الكساسبة، ولا المصريين العشرين الذين ذبحوا في سرت الليبية حيث يضرب الإرهاب تلك الدولة من أقصاها الى أقصاها، ويسبب كوارث تنسحب على المحيط العربي المجاور في الجزائر وتونس والمغرب ومصر التي دفعت ثمنا باهظا من حياة أبنائها الأعزاء العاملين في ليبيا.
المبادرة حيوية وناضجة كفاية لتلبي متطلبات الواقع الراهن المتردي. فليس من المعقول أن نتراكض وراء الدعم الغربي الذي لايأتي، وإن جاء فمتأخرا باهتا كما في الحالة العراقية والليبية، وفي السياق فإن مجلس الأمن يصدر قرارات غير ذات تأثير، بينما ينمو التطرف ويمتد، ويعلن الخلافة في مدن عديدة في بلدان عربية واسعة، بل ويحتل المتطرفون مناطق شاسعة في بلاد الشام والعراق وأفريقيا، ولايأتي التحرك سوى من خلال توصيات وقرارات عديمة الجدوى، ويلاحظ المراقبون إن الدول الغربية ليست مهتمة كثيرا بمكافحة الإرهاب لأنها تستفيد منه بمستوى ما برغم إنها تدرك مدى خطورته في المستقبل، ولذلك تعمد الى تحجيمه دون القضاء الكامل عليه، وإلا مامعنى أن يتم رفض تسليح الجيش الليبي، ولاتقدم لمصر مساعدات كافية، وتترك وحدها في الميدان.
يدرك العرب قيمة مالديهم من قدرات مالية جبارة، ومعدات عسكرية تفوق الحصر، عدا عن جيوش مؤهلة يتقدمها الجيش المصري القوي والجاهز على الدوام، ولهذا فإن التعاطي مع مبادرة الرئيس السيسي تأتي في وقتها بلا مقدمات جوفاء خالصة لوجه العرب الذين تمادى العالم في تعذيبهم، وتجاهل مايتعرضون له من مؤامرات. إن تشكيل قوة عربية تقودها مصر وتحتفظ بكل هذه الإمكانيات لقادرة على المواجهة وقلب موازين القوى ودحر المخططات العنفية الشريرة التي تريد تخريب الكيان العربي من خلال تأجيج الصراعات الطائفية، وتقوية إسرائيل لتسيطر أكثر على محيطها الإقليمي المقلق لها، ولابد بعد هذا من تنسيق وتحضير وتقدير للحاجات والمتطلبات، ثم الشروع سريعا بإنشاء هذه القوة للتدخل في مناطق النزاع والاماكن الموبوءة بالعنف والتطرف، مع شعورنا بوجود رفض هنا وهناك من هذا التيار، أو تلك الدولة لأسباب سياسية، أو حسابات تعني هذه الحكومة، أو تلك، ومن غير ذلك فلامستقبل للعرب لأنهم سيكونون على الدوام رهنا بالأجنبي الذي يبحث عن المكاسب، بينما الدماء العربية تسيل.