في ظل تنامي ظاهرة هوس الناس بالهواتف الذكية وتطبيقاتها التي مثلت مرحلة مهمة من مراحل تطور الحضارة في شكلها وصورتها الرقمية الحالية، تجد ان البحوث لاتنفك عن قراءة وغوص اعماق هذه الظاهرة من اجل دراستها واستيعابها وفهم جميع ابعادها النفسية والسياسية والاجتماعية وحتى الصحية على الانسان والمجتمع.

ولذا تجد الجامعات ومراكز البحرث منكبة على التقاط كل ماله صلة بهذه الظاهرة وتشريحه وتحليله ،لدرجة ارتسمت معها خريطة تفصيلية لمديات العلاقة التي تكونت بين المستخدم وهاتفه، وكل مايتم في هذا الاطار من تشخيص لكل مسارات هذه الظاهرة التي شكّلت احد اهم سمات العصر الحاضر.

واذا سأل القارئ والمهتم في هذا المجال عن اخر البحوث والدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، فان البحث المقدمة من قبل Direct Line Home Insurance وبالتعاون مع  RescueTime  وهي الشركة التي تطور برمجيات لادارة الوقت، هو اخر البحوث الذي تم الاعلان عن نتائجه في الشهر الثاني من عام 2016 ، والذي يتعلق تحديدا بعدد المرات التي يفحص فيها مستخدم الهاتف الذكي هاتفه.

محرر شؤون المستهلكين في صحيفة الديلي ميل البريطانية السيد سين بواتر أوضح، في تقرير صحفي، بان البحوث والدراسات الاخيرة قد اماطت اللثام عن حقيقة تتعلق بعدد مرات استخدام وفحص الانسان لهاتفه في كل يوم، ووجد البحث بان الانسان العادي بنظر لهاتفه 253 مرة باليوم !.

وفي تفاصيل الدراسة، قام الباحثون بوضع تطبيقات معينة في هواتف الاشخاص المتطوعين الذي تم اجراء الدراسة عليهم وهم خمسين متطوعا،وقد تم قياس عدد مرات نظر كل من هؤلاء في هاتفه الشخصي ولمدة اربع اسابيع، فكانت النتائج مدهشة، اذ اتضح ان الانسان ينظر في هاتفه الذكي 253 مرة يوميا،اي يتفحصه كل اربع دقائق، وبمقارنة ذلك مع الفترة الزمنية لاستيقاظه، فان النتيجة تكون معادلة لساعتين و9 دقائق من وقت نهاره.

وتشير الدراسة الى ان توزيع الوقت المنقضي مع الهاتف يتم على حسب النسب التالية:

24% فحص حسابات السوشل ميديا من فيسبوك وتويتر.

12%  استعمال واستخدام خدمات الارسال مثل واتس اب وانستغرام وسناب شات .

13% لاجراء اتصالات وحوار حقيقي مع الناس.

9% من اجل تصفح الانترنيت.

اما البقية فتكون للالعاب والتسوق ومشاهدة الفيديوات وقراءة الايميلات.

وتُرجع الدراسة هوس الانسان بالهواتف الذكية واستعمالها المفرط الى” الرغبة في عدم فقدان اي شيء يحدث للاصدقاء او للمشاهير”، فالانسان يحب ويرغب ان يعرف آخر المستجدات والاخبار التي تتعلق باصدقائه ومعارفه والشخصيات الشهيرة التي يُعجب بها، مع ضرورة الانتباه الى اننا لايمكن ان نعتبر ان هذا هو السبب الجوهري الذي يقف وراء ولع الانسان بالهواتف، بل هنالك اسباب اخرى تتعلق بالمعرفة والترفيه والتواصل مع الاخرين كما جاء في تقرير قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب الذي صدر العام الماضي والذي سنفرد له مقالا خاصا في وقت لاحق.

ويؤكد السيد كاتي لاموس مدير Direct Line على ان هذه الدراسة قد كشفت ” كيفية ارتباط عملائنا بالهواتف، فالمستخدمون يغرقون في عالم التطبيقات من اجل معرفة المستجدات حتى في وقت العمل”، مضيفا ” نحن نعتمد على هواتفنا لكي تكون مساعد شخصي تمنحنا التعليمات وتذكرنا بموعد ميلادنا وتنظم احتياجاتنا المصرفية والقائمة لاتنتهي“.

وهذه نقطة مهمة، فالشركات التي تقف وراء صناعة التطبيقات التي يمكن تحميلها على الهواتف بدأت بصناعة تطبيقات مختلفة تؤدي مهام مهمة للانسان تدخل في صميم احتياجاته ورغباته ومهام عمله وهو ما اغراه لامتلاك هاتف يحتوي مثل هذه التطبيقات الذي يستفيد منها في حصوله على المعلومات واكتساب المعرفة بالاضافة الى الترفيه والاستمتاع ومن اجل تواصله السهل مع الاخرين بطرق حديثه غير تقليدية.

و يجب علينا، ونحن بصدد الكشف عن عدد مرات نظر الانسان في هاتفه، ان نضع في الاعتبار وظيفة الانسان والاهمية التي يكتسبها وجود الهاتف في هذا العمل، فالاعلامي الذي يتعامل مع الاعلام الجديد، مثلا، يختلف عن، الطالب، في استعماله للهاتف، وكلاهما يختلفان عن ” العاطل ” عن العمل في عدد مرات استخدام الهاتف والفترات التي يبقى فيها مشغولا فيه.

ويمكن ان يدخل نوع التطبيق الذي يمكن ان يستخدمه شخص ما دون غيره، بالاضافة الى اختلاف البلدان في اهتمامها بالتطبيقات، في هذا البحث، فالدراسة قد ذكرت  تطبيق سناب شات، بينما في العراق، مثلا، نجد ان من يستخدموه هم قلة قليلة، وحتى تطبيق الانستغرام الذي تطرق له البحث ايضا ، تجد ان نسبة من يستخدموه في العراق هم 6% بحسب احصائيات دقيقة.

وعلى هذا الاساس اجد تعبير ” معدل الاستخدام الاعتيادي” للهاتف غير واضحة ومبهمة وربما لاتأتي معها بنتائج على مقدار عالي من الدقة، فما هو بالضبظ الاستخدام الاعتيادي ؟ ومن يحدده ؟ واي انسان يمكن ان يكون معيار لذلك، والناس مختلف في اعمارها ووظائفها واهتمامتها وكل واحد منهم يستخدم الهاتف بطريقة مغايرة وبوقت مختلف؟

ان تقدم وتطور صناعة الهواتف الذكية والتطبيقات التي تعمل بها سوف تكون له نتائج كبيرة في السنوات القادمة خصوصا مع تقدم التكنولوجيا وتطور التقنية المتعلقة بصناعة الهواتف والتطبيقات على حد سواء، وسوف تكون لهذه النتائج تبعات على حياة الانسان وسلوكه وعلاقاته بمجتمع ومحيطه الذي يعيش فيه، فضلا عن عمله وما يمكن ان تؤديه هذه الهواتف من وظائف تعود بالفائدة على الانسان، ولذا فليس من المستغرب ان تظهر لنا بحوث اخرى تجد فيها نتائج مغايرة و ” مدهشة ” متعلقة بعدد مرات فحص الهاتف والفترات الزمنية التي يبقى فيها الانسان مشغولا مع هذا الجهاز الساحر الذي جعل العالم كله بين يدي الانسان.