بقلم: عبد الجبار نوري
الزعيم عبد الكريم قاسم هو حقاً رجل الأسطورة ، والرجل اللغز ، والعسكري الذكي الموهوب الذي حاز على درجة الأمتياز في الأكاديمية العسكرية البريطانية ، ورجل القمر الذي يؤانس الفقراء في أحلامهم وخيالاتهم في صورة بهاء “القمر” من ظلم الدهر الغادر ، وتعسف قساوة القلوب السوداء ، وأنّ الولادات لم ينجبن أبناً باراً مخلصاً ووفياً لشعبهِ ووطنهِ العراق مثل هذا الزعيم الخالد الذي سميّ بأبي الفقراء والمعدمين وأحبوهُ عشقاً صوفياً ، وأتخذوهُ أيقونة رهبانية مقدسة ، بأعتباره أكرامية السماء كما تجودُ بغيثها على العباد ، وخرج من الدنيا الفانية ببدلة عسكرية وفي جيبه دينار ونصف ، وشهد أعداءهُ بحقهِ بجعل سيرته العطرة مادة أكاديمية في أطروحات رسائل الدكتوراه ، وماذا أقول في رجلٍ يخفي محبيه فضائله { خوفاً} وأعداءهُ {حقداً } ومع هذا طبعت بصماته بحروفٍ من نور في ذاكرة التأريخ ، وتحت شعار يا أعداء الزعيم أتحدوا تجمعت دبابير قوى الشر والعدوان الشيطاني من كل حدبٍ وصوب أولهم المخابرات البريطانية والأمريكية وفرنسا والكويت ومصر عبدالناصر وأعلام أحمد سعيد ، وهنا قال فيه الجواهري { وأنك أشرف من غيرهم —- وكعبك من خدهم أكرمُ } كان ذكياً ولكن نقطة ضعفهِ كان طيب السريرة ، ويعتقد أنّ الطيبة موجودة في الجميع وغاب عنهُ ( الطريق إلى الجحيم محفوفٌ بالنيات الحسنة ) ، وتعرض إلى 39 محاولة أغتيال ، ونجحت الأخيرة التي تحمل الرقم 40 يوم 9 شباط المشؤوم بأعدامه على أيدي الفاشست ، ومن هذه المحاولات محاولة أغتياله في رأس القرية ، وجرح فقط ورقد في مستشفى دار السلام وزارته أخته الكبرى للأطمأنان عليه قال لها { أولادنا زعلوا علينا نرضيهم انشاء الله } وعفى عن تلك الشلة المجرمة بالآية ” عفى الله عما سلف وثم عاود المجرون أنفسهم بتنفيذ المحاولة الأربعين بالأجهاز عليه وعلى الثورة .
لا زال الزعيم حاضراً في قلوب فقراء ومثقفي العراق ، وتنقضي الأعوام تلو الأعوام والجماهير المسحوقة تنتظر ظهور الزعيم مرّةٍ أخرى بعد أستشهاده كما ظهر السيد المسيح بعد صلبه ، فخسارته نقطة سوداء في الذاكرة العراقية ولكن أهمية هذا الزعيم العراقي الأصيل تكمن في أنّهُ وضع العراق في مساره الصحيح للحاق بالدول المتقدمة ، ووضع بصماته الوطنية في تأطير حركة ثورة 14 تموز 1958 بتقيمها التأريخي {بأنها نقلة نوعية وضرورة تأريخية بين عهدٍ ملكي أستعماري شبه أقطاعي وعهدٍ جمهوري وطني ثوري حداثوي معولم منفتح على العالم المتمدن والمتحضر بسيادة ذات شخصنة عراقية مستقلة .
قالوا بحق الزعيم :
الدكتور عبد الخالق حسين { المعروف عن الزعيم عبد الكريم قاسم أنّهُ لم يختف عن الذاكرة العراقية ، بل هو الأكثر من أي زعيم آخر في دول الشرق الأوسط في التأريخ الحديث حظي بأهتمام الكتاب والمؤرخين ، فألفوا عنهُ عشرات الكتب ونشروا له آلاف المقالات ، فهو بحق الحاضر دائماً ، وسبب أحتلال قاسم لهذه المكانة بين محبيه ومبغضيه على حدٍ سواء هو أنّهُ كان مثالاً في الأخلاص والنزاهة ونظافة اليد وعفة اللسان وحبهُ للشعب خاصة للفقراء ، وخلال حكمه القصير لأربعة سنوات ونصف حقق منجزات عظيمة للشعب ضعف ما حققه النظام الملكي خلال 38 سنة خاصة في مجال التعليم ، وقُتل بخسة على أيدي رفاق الأمس ، وهو لايملك بيتاً ولا عقباً من صلبهِ ، ولا أموالاً منقولة أو غير منقولة ، أذ كانت ل ملكيته دينار ونصف وهو مما تبقى من راتبه الشهري لآول ثمانية أيام من شباط الأسود بشهادة أحد خصومه في حياته هو السيد حسن العلوي الذي راح إلى مصرف الرافدين بعد مصرعه ليتأكد من ثروته ، بل ولم يحصل قاسم حتى على قبر يحتضن جثته الممزقة بالرصاص خوفاً من أنْ يصبح قبرهُ مزاراً للشعب } .
الدكتور عقيل الناصري : وهو مؤرخ وباحث مختص بثورة 14 تموز الثرة وزعيمها الخالد عبد الكريم قاسم وفي واحدة من مجلداته وكتبه ألقى الضوء بدقة مهنية ومنهجية علمية لم أجد نضيراً لها في الأرشيف التأريخي لهذا الحدث العظيم ، فهذا ما أنطق به كتابه (عبد الكريم قاسم \ من ماهيات السيرة )—- { لقد تجلت شخصية قاسم في جانب آخر لا يقل سمواً في مناصرته لفكرة العدالة الأجتماعية ، فمن خلال أستقرائنا لواقع العراق المعاصر لم نر في تأريخ العراق الحديث زعيماً واحداً نظر إلى العراقيين نظرة واحدة متساوية كما نظر قاسم اليهم ، وكان شديد الأهتمام بالوضع الأقتصادي، ورفع مستوى الطبقات الدنيا ، ومن هذا الأطار تركز مشروعهُ على أستبدال الصرائف بمساكن يتوافر فيها الماء والكهرباء ، فضلاً من أنجازاته في مجال التعليم والصحة ، وأكد على تأسيس جهاز أداري أكثر تنظيما وكفاءة وشعورا بالمسؤولية }
وأخيراً /— ومن حقه علينا أن نذكر بعض منجزاته وقيمه الخلقية في الحكم خلال أربعة سنوات وستة أشهر و24 يوم والتي غيّرت جميع موازين القوى الأستعمارية بألغاء الملكية وأقامة النظام الجمهوري : 1- الأنسحاب من الأحلاف العسكرية كحلف بغداد . 2- الخروج من منطقة الأسترليني . 3- قانون رقم 80 بأسترجاع 99% من أراضي العراق من الشركات النفطية العالمية . 4- بناء مدينة الثورة . 5- الأصلاح الزراعي وألغاء العلاقات الأقطاعية وقانون حكم العشائر. 6- قانون الأحوال الشخصية رقم 88 / لسنة 1959 . 7- تشكيل نقابات العمال والجمعيات الفلاحية . 8- توزيع الأراضي السكنية على المواطنين موظفين وضباط وعسكريين . 9- توسيع مدينة بغداد شرقاً حيث شارع فلسطين والقناة وما بعد القناة وغرباً حيث المنصور واليرموك . 10- دعم حركات التحرر الوطني العربية لفلسطين والجزائر .
المجد والخلود للشهيد عبد الكريم قاسم
والمجد لشهداء الوطن
في 12 –تموز – 2015